الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الديمغرافية والديمقراطية

رجا زعاترة

2003 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


 

شأنها شأن نظيراتها من العنصريات الغربية المتطورة، تعكف العنصرية الرسمية في إسرائيل على موضعة عنصريتها في قوالب علمية وعقلانية، ولا عجب في توظيف الديمغرافية ضمن هذه الجهود في اطار السعي الدائم  لتغليب الخطاب الدمغرافي على ذلك الديمقراطي.
المسألة الديمغرافية – إذا صح التعبير – هي أحدى ركائز النظام السياسي الأثنوقراطي المعمول به في اسرائيل، وقد كانت حتى فترة معينة حكرًا على المؤسسة ثم عُممت على الرأي العام ضمن خانة الأخطار الوجودية على الدولة ولا سيما على أسطورة سرمدية الغالبية اليهودية.
منطلق العنصرية الإسرائيلية هو تحميل الجهة المستضعفة مسؤولية "ضعفها"، أو ، في حالتنا، مسؤولية الخطر الوجودي الكامن في كمية الأطفال التي يسمح المواطنين العرب لنفسهم بإنجابهم في المستنقع الدمقراطي الأوحد في الشرق الأوسط.
إن الجماهير العربية التي صمدت في وطنها رغم نكبة العام 1948، هذه الجماهير التي أرادت لها القيادة التاريخية للحركة الصهيونية أن تتكون من الحطابين وسقاة المياه، فقدت مصدر رزقها الأساسي، الأرض، بكافة أبعادها، الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، كما وأقصتهم المؤسسة الحاكمة عن المرافق الصناعية والخدماتية الحديثة، وهكذا بقيت تحت رحمة متطلبات سوق العمل الإسرائيلي، ولم يطلها من التطور العلمي والتقني غير قشوره الإستهلاكية، وفيما تحول المجتمع اليهودي الى مجتمع ما بعد صناعي فإن المجتمع العربي بقي متخلفًا ومهمشًا ومستضعفًا من حيث مكانته وموقعه في علاقات الإنتاج الحديثة والمستحدثة.
المؤسسة الإسرائيلية بذلت كل جهد ممكن لحرف هذه الجماهير عن مسار تطوير كيان جماعي على أسس حديثة، وشجعت الحمائلية والعائلية والطائفية والإقليمية وغيرها من الإنتماءات الضيقة، طمعًا بتهجينهم ومحاولة سلخهم عن شعبهم وقضيتهم. هذه السياسة – سياسة الإقصاء القومي – ترادفها سياسة تهميش مدني، على ما يعنيه ذلك من اهمال مبرمج للبنى التحتية الإجتماعية-الإقتصادية كأجهزة التعليم والصحة والخدمات، وحرمان التجمعات السكنية العربية من المناطق الصناعية، وبالمقابل استمرار قضم الأراضي.
بالإمكان القول إن سياسات الإقصاء القومي، أولاً، والتهميش المدني، ثانيًا، فضلاً عن التعزيز الإستراتيجي للإنتماءات التقليدية (ليس دون تقويض معظم مقوماتها الإقتصادية)، أدت عمليًا الى اجهاض أي تطور طبيعي في المجتمع العربي، والى استمرار الإحتماء بالبنى الإجتماعية التقليدية، العائلة والحمولة والعشيرة، من أجل تأمين أمن الأفراد ومعيشتهم.
ومثلما نستدل الدور الذي تلعبه الإنتماءات التقليدية على صعيد السياسة المحلية في البلدات العربية، بدءًا من العائلة ووصولاً الى الملة، قد نستدله أيضًا من معطى بسيط وهو إن الغالبية الساحقة للمواطنين العرب المتقاعدين لا يملكون مدخولات من صناديق تقاعد أو غيرها من ضمانات الشيخوخة، عدى مخصصات الشيخوخة التي بالكاد تصل نصف الحد الدنى للأجر، وكذلك نستدله اسضًا من العلاقة المثبتة علميًا وإحصائيًا بين المستوى الإقتصادي والمستوى التعليمي والثقافي للوالدين (الأم خاصًة).
نسبة استحقاق الشهادة الثانوية في المدارس الثانوية العربية بالكاد تصل نصف نسبة الثانويات اليهودية. نسبة العرب من طلبة معاهد التعليم العالي لا تتعدى الثمانية بالمئة، الغالبية الساحقة من العرب يتواجدون في الدرجات الثلاث الأدنى في السلم الإجتماعي-الإقتصادي. هذه الأوضاع تؤدي، في ظل محاصرة البنية الإقتصادية الركيكة أصلاً، الى تبعية مطلقة للسوق الإسرائيلي المتطور، ومواصلة سياسة الدمج بدون تطوير، الى ضرورة اللجوء الى العائلة كملاذ إقتصادي ناهيك عن توظيفها كملاذ سياسي أصلاً، كرد فعل طبيعي على عسر التطور الوطني والشراكة الفعلية المدنية.
الطريف في كل الأمر إنه حتى إذا حللنا مسببات التباين الديمغرافي، ندرك إن النقاش يعود، على خلاف روافده الى الصيرورة اللاديمقراطية البنوية في النظام السياسي للدولة اليهودية والديمغرافية، عذرًا.. الديمقراطية.


* كاتب فلسطيني من مدينة حيفا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي