الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تكون الهمجية باسم الله

جوزيف بشارة

2007 / 8 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


قبل شهور عدة قامت مجموعة من متطرفي بريطانيا المسلمين بالتخطيط للقيام بعدد من الأعمال إرهابية في بريطانيا. شرع المتطرفون في البدء بتنفيذ أعمالهم الإرهابية في الثلاثين من يونيو الماضي بالهجوم ضد مطار جلاسغو باسكتلندا. فشل الهجوم، ولم تلحق بالمطار أضرار تذكر، وكانت الإصابات من نصيب أحد المهاجمين اللذين نفذا الهجوم ويدعى كفيل أحمد. كانت إصابات أحمد شديدة وخطيرة بدرجة لم يتوقع معها الأطباء أن يتمكن المتطرف يوماً من استرداد عافيته. قامت السلطات البريطانية بنقل كفيل أحمد إلى أحد المستشفيات بغرض محاولة انقاذه أو حتى تخفيف آلامه، ولكن كفيل احمد استسلم لإصاباته ومات يوم الأربعاء الأول من أغسطس بعدما فشلت كل الجهود الطبية الحثيثة لانقاذه. كانت المحاولة البريطانية لإنقاذ الإرهابي كفيل أحمد عملاً إنسانياً بديهياً لم يتطلب تفكيراً من رجال الأمن أو قراراً حكومياً من مسئول كبير.

على جانب أخر، قبل أسبوع قامت جماعة طالبان الأفغانية، التي تدعي تمسكها الحرفي بتعاليم الإسلام، باختطاف فريق طبي تطوعي كوري جنوبي يضم ثماني عشرة سيدة وفتاة وخمسة رجال وشبان، ويقوم بتقديم الخدمات والمساعدات الطبية لشعب أفغانستان الفقير الذي طحنته الحروب والاقتتالات التي بدأت قبل ما يزيد عن الأربعين عاماً ولم تنته بعد. عادة ما تستخدم عمليات الاختطاف في الحروب كوسائل ضغط معنوية من طرف ضد طرف أخر، ولكن الأعراف والقوانين الدولية تمنح المخطوفين والأسرى حقوقاً تصون حياتهم من الأذى. سعت جماعة طالبان الخارجة عن القانون لاستخدام الأسرى الكوريين كورقة ضغط على المجتمع الدولي لإجباره على الانسحاب من أفغانستان حتى يخلو لها المضمار وتصبح المتسابق الأوحد في الصراع القبلي والطائفي الشرس على حكم الشعب الأفغاني، بعدما قبلت الفصائل الأخرى بالنظام الأفغاني الحالي الذي ساهم المجتمع الدولي في تأسيسه وتدعيم وجوده.

وفي سياق استخدام جماعة طالبان للرهائن الكوريين للضغط على المجتمع الدولي، طالبت الجماعة المتطرفة الحكومة الكورية بسحب المائتي جندي الذين تساهم بهم كوريا الجنوبية في إعادة تشييد المؤسسات الأفغانية. وحين علم قادة طالبان الإرهابيين بقرب موعد انتهاء مهمة القوات الكورية في أفغانستان، سارعوا للمطالبة بالإفراج عن ثلاثة وعشرين طالبانياً تحتجزهم الحكومة الأفغانية الشرعية بتهمة ممارسة الإرهاب. وفي غطون المشاورات والمساعي الدائرة هنا وهناك لإنقاذ الرهائن الكوريين، أصيب أحدهم فيما يبدو بحالة أقعدته عن الحركة ربما بسبب قسوة الظروف وسوء المعاملة التي يلاقونها من إرهابيي طالبان. لم يحرك قادة طالبان ساكناً لعلاج المريض الطوري الرهين، بل قاموا باسم الله الرحمن الرحيم بالتخلص منه عبر عشر رصاصات اطلقت على رأسه وعنقه وصدره. ونقلت وكالات الأنباء قبل يومين حديثاً للمتحدث باسم حركة طالبان قوله أن عدداً من الرهائن يعانون أوضاعاً صحية خطيرة وأن اثنين منهم يصارعان الموت دون ان تقدم لهما العلاجات أو الأدوية اللازمة، وأنه سيتم قتلهما مع بقية الرهائن ما لم تستجب الحكومة الأفغانية لمطالب الحركة بالإفراج عن قادتها المساجين.

التناقض بين طريقتي تعاطي السلطات البريطانية وحركة طالبان مع الموقفين جلي ولا يحتاج لتوضيح. الرجل الذي قام بالهجوم على المطار الاسكتلندي بغرض الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا الأبرياء عاملته السلطات البريطانية المتحضرة بطريقة تحترم آدميته، فنقلته إلى المستشفي فور إصابته لتلقي العلاج، بينما السيدات والرجال الذين ذهبوا إلى أفغانستان بغرض تقديم المساعدات الطبية للمعوقين الأفغان من ضحايا الحرب الأهلية والإرهاب الطالباني عاملتهم حركة طالبان الإرهابية بوحشية لا تحترم انسانيتهم، حيث إعدمت اثنين منهم بداعي المرض وعدم القدرة على طاعة أوامر خاطفيهم بالتنقل الدائم من مخبأ إلى أخر للهرب من أيدي القوات الحكومية الأفغانية وللضغط على الحكومة الأفغانية للإفراج عن إرهاب، كمارفضت الحركة تقديم العلاجات اللزمة للمرضى من بقية الرهائن الذين اوشكوا على الموت. هكذا الفارق بين الخير والشر أو بين الإنسانية والهمجية أو بين التحضر والتخلف.

كان ما ارتكبته حركة طالبان بحق الضحيتين القتيلين جريمة همجية ضد الإنسانية بكل المقاييس. ولا يزال ما ترتكبه طالبان بحق بقية الرهائن جريمة همجية أخرى ضد الأخلاق والقيم والأديان. ولكن جريمة قتل واحتجاز المتطوعين الكوريين مرت مرور الكرام على معظم الكتاب والمنظمات والهيئات في العالمين العربي والإسلامي. فقد خلت الصحف العربية من بيانات الإدانة أو الشجب التقليدية التي تتصدر العناوين في مناسبات أقل حدة، ولم يدن أحدهم الجريمة باستثناء بيان المركز العالمى للقرآن الكريم التي يترأسها المستنير الدكتور أحمد صبحي منصور. بالطبع لم يشأ التنديد بالجريمة أحد من الكتاب الذين لا يتورعون عن الهجوم - دون علم أو معرفة أو توثيق – على بعض أسفار التوراة والعهد القديم من الكتاب المقدس، متهمين إياها بالتشجيع على الإرهاب والقتل والعنف. بالمثل لم يقم أي من شيوخ التطرف والحقد والكراهية بالتنديد بإجرام حركة طالبان الإرهابية. أيضاً لم يرض سياسيو الدول العربية والإسلامية الذين احتفظوا بعلاقات صداقة دافئة مع قادة طالبان طوال السنوات الخمس عشرة الماضية بممارسة الوساطة أو الضغوط علي الحركة بغرض الإفراج عن الرهائن الأبرياء.

غني عن البيان القول بأن حركة طالبان الإرهابية تدعيّ القيام بجرائمها الهمجية ومنها قتل الرهينتين الكوريين باسم الله وإرضاءً له؛ فإرضاء الله هو الهدف المزعوم الأول للحركة- كما كافة الحركات الدينية الإرهابية التي تتمسح زوراً بالله. ولقد شاهدنا من قبل كيف يتلوا الإرهابيون والمتطرفون البسملة، وكيف يقومون بالتكبير قبل وأثناء القيام بأعمالهم الإجرامية من قتل وتفجير وتخريب وترويع في أفغانستان والعراق ولبنان ومصر والسودان والسعودية وأندونسيا. لست أدري كيف يفهم الإرهابيون صفتي الرحمن والرحيم اللتين يصفون بهما الله كلما رددوا البسملة. ما هي صفة الرحمة التي يدركون أنها أيضاً إسم من أسماء الله الذي يعبدونه بحسب عقيدتهم؟ أين هي الرحمة حين يقتلون ويروعون الأبرياء؟ الأمر المؤكد هنا أن هؤلاء القتلة والهمج والإرهابيين يسيئون إلى الله ويرددون صلواتهم باطلاً؛ فهم لا يؤمنون بما يقولون ولا ينفذون ما يتلون.

لا شك في أن التعاليم الدينية المتطرفة التي ينشأ عليها الإرهابيون منذ نعومة أظافرهم تلعب دوراً كبيراً في إغلاق منافذ عقولهم وتضييق مفاهيمهم للرحمة، ولا شك في أن رجال الدين الظلاميين الذين يبثون سمومهم في عقول المرضى العقليين من المتطرفين يلعبون دوراً خطيراً تشجيع القتل والتخريب والترهيب باسم الله. لقد انتشر دعاة التطرف كالشياطين في كل بقعة من بقاع الأرض بغية الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا الأبرياء في براثنهم. لم يعد لرجال الدين المعتدلين دور في مواجهة المتطرفين لأسباب عديدة ربما كان من أهمها الأسس التاريحية التي يبني عليها المتطرفون معتقداتهم. فتطرف المتأسلمين ليس وليد الماضي القريب، ولكنه يضرب بجذوره العميقة في التاريخ البعيد ويصل إلى سنوات ما يسمى بـ"الفتح الإسلامي" لأسيا وشمال أفريقيا. لست أدري كيف يمكن لرجال الدين المسلمين المعتدلين التغلب على مثل هذا الوضع المقلوب، فهذه قضيتهم الكبيرة التي ينبغي عليهم البحث فيها للوصول إلى حل لها، والتي أتمنى لهم فيها كل التوفيق حماية للبشرية والإنسانية من الهمجية التي تحمل اسم الله زوراً.

لقد استخدم اسم الله زوراً في أعمال مشينة لا تعرف المحبة والتسامح والرحمة منذ نشأة التاريخ وفي كل الأديان، ولكن ما يشهده عالم اليوم على أيدي الإرهابيين المتمسحين بالله بات يفوق كل الجرائم التي ارتكبت باسم الله عبر التاريخ، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار التقدم الحضاري الذي حققته ثقافات غربية في أوروبا وشمال أمريكا ولاتينية في أمريكا الجنوبية وشرقية في جنوب شرق أسيا. لقد أوشكت معظم الحضارات أن تسيطر على متطرفيها الدينيين والعنصريين وخاصة المسلحين منهم، ولم تعد هناك مناطق تفرخ الشر والكراهية والتخلف والعنف والهمجية والقمع والدكتاتورية في عالمنا المعاصر إلا في المنطقتين العربية والإسلامية اللتين أصبحتا تصدران منتجاتهما البغيضة إلى دول العالم الآمنة. حتى قارة أفريقيا السمراء التي ظلمها التاريخ وجفتها الحضارة بدأت ترى أشعة أمل ونور في الأفق، وأصبحت تخطو خطوات واثقة نحو مستقبل أفضل. إلى أين نحن ذاهبون؟ وإلى أين يقودنا هولاء الإرهابين الهمج وأولئك المتطرفين المتمسحون زوراً بالله؟ المستقبل يبدو مظلماً. التطرف الديني يعيق عمل العقل. انتفت المحبة وحلت محلها الكراهية. اختفت الرحمة واستبدلت بالوحشية والهمجية. هل من متفائل بأن يدرك المتطرفون يوماً بأن الإيمان بالله الرحمن الرحيم يجب أن تتولد معه مشاعر المحبة والرحمة والسلام تجاه الجميع؟ وهل من متفائل بأن الإرهابيين سيعون يوماً بأن لا همجية باسم الله؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24