الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ستقرع له الأجراس ومن سيخرج بلا خفين: الحكومة المنتخبة أم جبهة التوافق؟

علي آل شفاف

2007 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


على عكس ما يحاول الإعلام البعثي تصويره, فإن انسحاب جبهة التوافق يمثل مأزقا حقيقيا للجبهة نفسها, وليس للمالكي وحكومته. مع ذلك, يبقى الأمر متعلقا بكيفية تصرف المالكي, ومن بعده الائتلاف والتحالف. فلو تكرر السيناريو التقليدي فإن جبهة التوافق ستفوز بكم جديد من التنازلات, بفضل الضغوط الأمريكية والسعودية. أما إذا وعى السياسيون العراقيون ـ وخصوصا المالكي ـ تلك اللعبة التي أدمنت جبهة التوافق على ممارستها؛ فإن الأمر سيؤول إلى جهة حكومة العراقية المنتخبة.

ولنبدأ من حيث ابتدأت الحكاية:

جريا على عادة الديمقراطيات في كل أرجاء المعمورة, يشكل الحزب أو التحالف أو الائتلاف الذي يحوز الأغلبية في البرلمان الحكومة, فيما تقوم الأقلية البرلمانية بدور المعارضة السياسية التي تقوم عمل الحكومة وتسعى ـ سعيا مشروعا ـ إلى الفوز في الانتخابات التالية مستفيدة من أخطاء الحكومة. وهذا ما كان ينتظره الشعب العراقي عندما انتخب من انتخب. بل هذا ما كان يتوقعه العالم بعد انتخابات أسطورية, جابهت بها الأصابع البنفسجية العارية, أصابع الديناميت المغلفة بأوراق الحقد والبغض والجريمة.

تلحف البعثيون عباءة أسموها "التوافق", وأخرى أسموها "الحوار", وظنوهما سوداوان كعباءة العراقية الشريفة, لكنهما كانتا شفافتان أرتانا ما حاولوا تغطيته. فقد انتَخِب أعضاء جبهة التوافق ـ كما هو معروف ـ في ظروف استثنائية, وتحت ضغوط وتهديدات البعثيين والإرهابيين, التي تعرض لها أبناء محافظتي الأنبار وصلاح الدين, وقسم من أبناء محافظتي الموصل وديالى. وقد جرت الانتخابات في هذه المحافظات بعيدا عن أية رقابة, بعد أن منع جميع ممثلي الأحزاب والكتل من الوصول إلى المراكز الانتخابية باستثناء ممثلي جبهتي التوافق وجبهة الحوار. فكان أن وضعوا في الصناديق ما شاءوا, دون رقيب ولا حسيب. فحصلوا على ما لا يستحقون تلاعبا وزورا. ولو قيض للانتخابات أن تعاد في هذه المحافظات الأربع, لفقد أعضاء جبهة التوافق, ومعهم أعضاء جبهة الحوار, أغلب الأصوات التي حصلوا عليها بالإكراه والتزوير. ولشهدنا للعراقيين الشرفاء من أبناء هذه المحافظات القدح المعلى, ولاستعادوا ما سرق من أصواتهم. ولاهتزت أركان البعث لفقدها (أحصنة طروادة) التي زرعتها في قلب العملية السياسية الجارية في العراق. لكن هذه الأصوات التي جمعتها جبهة التوافق بالطريقة المذكورة, لم تكن تكفي لتشكيل حكومة . . ومع ذلك أدخلت الحكومة! . .

الذي جرى أمر لا يعقل في عالم السياسة, وإن كان في معيار الإنسانية والوطنية عملا نبيلا وشريفا:
تنازل الائتلاف ـ بكرم باذخ ـ لجبهة التوافق عن أصوات ناخبيه المضرجة بالألم والدم, وفعل التحالف مثله. ففتحا بابا واسعا لابتزازات وضغوطات وتهديدات متعددة, قابلتها الحكومة بتنازلات بعددها أو يزيد. فكلما هددت جبهة التوافق بالانسحاب, سارع الأمريكيون ومن خلفهم آل سعود ومن يدور في فلكهم, بالضغط على المالكي والائتلاف والتحالف, من أجل تنفيذ (شروطهم)! ومن ثم تعود جبهة التوافق بسلة من المكاسب السياسية والمادية. وسرعان ما تعاود اللعبة مرة ثانية, وثالثة . . وهكذا, تكرر السيناريو ذاته بصورة سمجة ومملة.
وتمادى ـ نتيجة لذلك ـ البعثيون: فمن محاولاتهم الدائمة لعرقلة وإفشال عمل الحكومة, إلى محاولات ابتزازها وإسقاطها, إلى دعمهم للإرهاب, وقتل العراقيين, وتخريب بنية العراق الأساسية؛ ثم إلى مباشرة بعضهم وحضهم على القتل, كعبد الناصر الجنابي, وسعد الهاشمي, وغيرهم.


في هذه المرة قد يبدو الأمر مختلفا! فقد بدأت التوافق لعبتها, كما في كل مرة, لكن المفاجئ أن رد المالكي جاء حازما وحاسما. فهل هناك بوادر تنم عن تغير حقيقي في سياسة الحكومة, وفي طريقة تعاطيها مع الابتزاز السياسي لجبهة التوافق, وتهديداتها المستمرة, وشروطها التعجيزية؛ وأيضا في طريقة تعاطي الحكومة مع الضغوط الأمريكية والإقليمية لصالح جبهة التوافق التي تدعي معارضتها الوجود الأمريكي في العراق؟

إن تصريح الناطق باسم الحكومة يشير إلى بوادر من هذا النوع, ويبدو أن المالكي قد وعى اللعبة, ولم يستجب للتهديدات الأخيرة. فكان لابد لجبهة التوافق من الانسحاب مرغمة, للمحافظة على ما تبقى من ماء الوجه. فقد وضعها المالكي في زاوية حرجة, لم توضع بها من قبل. وصارت أمام خيارين لا ثالث لهما: فأما أن تقبل برد المالكي وتبقى في الحكومة, لكي تستمر في إعاقتها من الداخل, لكنها تفقد ما تبقى لها من مصداقية عند بعض قواعدها؛ أو تنسحب من أجل ذلك المتبقي من مصداقيتها, لكنها ستفقد قدرتها على إعاقة الحكومة من الداخل. فاختارت جبهة التوافق الخيار الثاني, أملا في العودة من خلال ضغوط "بوش" وإدارته, ودولارات آل سعود.

وسرعان ما بدأ "بوش" ضغوطه على الحكومة والائتلاف والتحالف! فقد بدأ الخط الساخن بين واشنطن وبغداد بالعمل على مدار الساعة, وها هو الرئيس الأمريكي يضغط من أجل عودة (أبطال المقاومة) إلى مقاعد الحكومة, لكي يستطيع العليان والعاني مقاتلة الأمريكان بدعم من "بوش" نفسه!! وتصور الأمر, فبدعم من "بوش" سيقاتلون جنود "بوش"!!!

المنتظر الآن من الحكومة:

1. أن تضع شروطا جدية وفعالة على جبهة التوافق, إذا ما رغبت بالعودة؛ لا أن تخضع لشروط التوافق.
2. أن لا تخضع للضغوط الأمريكية والإقليمية, وتضيف تنازلات مذلة جديدة؛
3. أن تكف عن التوسلات المذلة والمهينة, من أجل عدول جبهة التوافق عن قرار الانسحاب؛
4. أن تعين مباشرة من يقوم مقام الوزراء المنسحبين؛
5. أن تتعامل مع الوضع الجديد, على أنه الأصح والأسلم, الذي يلغي مبدأ (المحاصصة)؛
6. أن تستغل هذه الفرصة, حيث أن الحكومة (بعد خروج التوافق) ستكون منسجمة ومتجانسة, يسود التفاهم والتعاون فيما بين أعضائها, ويمكنها أن تدير البلد بطريقة أفضل.

لقد خيبت التنازلات المستمرة للحكومة وأحزابها, آمال الجماهير التي تنتظر منها قرارات على مستوى عال من الصرامة والقوة, تظهر بها سلطة القانون, وتحقق سيادة الدولة على جميع أراضيها. وبخروج جبهة التوافق من الحكومة ـ طوعا ـ أصبحت الحكومة بيد أغلبية برلمانية مكونة من الائتلاف والتحالف, يمكنها أن تتعامل مع ملفات الإرهاب والفساد والخدمات بطريقة أكثر جدية وصرامة وحسما. ولا يمكنها الاعتذار بعدم تعاون هذا الوزير أو ذاك, ولا بإعاقة هذه الجبهة أو تلك, للقرارات التنفيذية التي تصدرها.

إذا ما نجح المالكي ومعه الائتلاف والتحالف في التعامل مع مقامرة جبهة التوافق هذه, فسيكون ـ ذلك ـ درسا بليغا لها, سيحرجها أمام من تدعي تمثيلهم زورا, ويفقدها قاعدتها, ومن ثم يسمح ببروز بدلائها في الساحة السنية العراقية. كما سيفقدها ـ أيضا ـ ثقة الحكومات التي تضخ لها عشرات ومئات الملايين من الدولارات. وسيفقدها ـ أولا ـ دعم "بوش" وإدارته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا