الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقات السياسة بالمغرب:- الإصلاح الدستوري بين ذهنية التقليد وإكراهات الواقع المتغير-..

خالد ديمال

2007 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


حينما يتم الإعلان عن نية الإصلاح من طرف السلطة السياسية السائدة ، فهل هذا الإصلاح قادر على إحداث النقلة النوعية المتوخاة ؟ و هل بمستطاعه أن يأتي بجديد في جوهر النظام السياسي المغربي؟ ..
و إذا كان الإصلاح يساوي في مضمونه رفضا للماضي ، فما هي البدائل المقترحة في هذا السياق؟ ، و هل هناك تجاوب فعلي من طرف النخب السياسية ، بمختلف تلاوينها ؟ ، و إذا كانت هناك دعوة للإقلاع ، فما هو مضمون هذا الإقلاع ؟ ..
- مسلك الإصلاح يبدأ برفع الغموض عن دلالة المفهوم:
إن الحديث عن الإصلاح ، في أنساقه المختلفة ، السياسية ، و الدستورية ، يفيد إقرارا صريحا بأن هناك فسادا في المشهد السياسي بالبلاد، و أن هذا الفساد لم تعد له شرعية التواجد ضمن الشروط الكونية المؤثرة على الوضع الداخلي .
إذن ، هي أزمة شاملة ، يمكن القول عنها بأنها نتاج واقع متخلف بتفريعاته المختلفة ، و منها المقاربة السياسية ، و المتجلية بصورة أوضح في عدم مسايرة النص الدستوري لتطورات الواقع السياسي ، و بموازاته المجتمعي ، كمسألة حقوق الإنسان ، و إصلاح السلطة التشريعية ، و تقوية دور و نفوذ السلطة التنفيذية ، و إنشاء مؤسسات دستورية جديدة ..
إن هناك من يرى أن الإصلاح يبدأ من خلال التعبئة المتدرجة للنخب، سواء تلك المتواجدة داخل الأحزاب السياسية ، أو الأخرى الموجودة ببعض المنظمات الجماهيرية ، أو بعض الجمعيات الجديدة .
و بقراءة مبسطة للواقع السياسي المغربي تتوضح رؤية لا تخفي ، و لو بتفحص طفيف ، أن الإصلاح من الإشكالات التي مازال يشوبها بعض الإضطراب و الضبابية .
فإذا كان الإصلاح إحالة على حدث معين ( عبارة عن قطائع ، و بالضبط مع مراحل تاريخية معينة )، فإن الحقل الدلالي ما زال غامضا ، خاصة عند إقحام مسألة المرجعية ، هل هي مرجعية قديمة ، أم جديدة ، خاصة عندما نقصد بذلك المرجعية الحداثية ، في مقابل المرجعية الدينية .
إذن ، هي مسألة تتجاوز الدلالة اللغوية ، إلى الدخول في مقاربة المفهوم و المرجعية ..
هناك من يرى أن الأزمة السياسية هي نتيجة الطبيعة المخزنية للبلاد ، فالأزمة تكمن في وجود نظام مخزني لا يزال قائما ، و لو إدعى التغيير ( شعاراتيا) ، و لا إصلاح إذا لم يتم القضاء على العقلية المخزنية للنظام ، دون أن ننسى تلك المقاربة التي تقول أن الأزمة هي نتاج التخلف السياسي برمته ، و أن أي إصلاح لا يمكن أن يتم دون إعطاء أهمية لما يسمى بـ -- التنمية السياسية -- .
ضمن هذه الرؤية ، تحديدا عند تحليل مضمونها الداخلي ( في الجوهر )، نلاحظ أنها لا تخرج عن المقاربة التي ترى أن الإنتقال من حال إلى حال ، أو تحقيق الطفرة من مقاربة إلى أخرى - في حل الأزمة - ، أي سيرورة التحديث ، و في مقابلها سيرورة تجديد القيم ، و بالتالي الإنتقال من الدولة التقليدية ، إلى فضاء الدولة الحديثة المتحفزة ، إذا لم يكن هناك إنتقال من ثقافة سياسية تقليدية إلى ثقافة سياسية حديثة .
إذن ، ضمن هذه المقارنة السسيولوجية - فالأزمة السياسية - هي نتاج الواقع الإجتماعي المتخلف ، مما معناه أن إدخال أية إصلاحات مؤسساتية قد تكون غير ذات جدوى إذا لم تتم بتزامن مع تقافة سياسية حديثة أي تأسيس الدولة الحديثة ، و في مقابلها تأسيس مجتمع مدني فعلي ، بما يساير رفع التوتر بين المجتمع السياسي و المجتمع المدني ( و خلق التوافق بينهما ) .
و على هذا الأساس يأتي السؤال ، ما هي دلالة الإصلاح السياسي في اللحظة التاريخية الراهنة؟ .
- الحمولة السيميائية ( الرمزية) طاقة إنتقالية تدخل في ممكنات الإصلاح :
يمكن القول ، أنه في غياب المعارضة ، فهي لم يعد لها وجود ، بعدما أصبحت تحكم في إطار التناوب
( أو الإنتقال حاليا) ، و التي كانت حاملة لهذا المشروع في السابق ( الإصلاح) ، كما أنه لم تعد هناك معارضة جذرية ( فقط معارضة برلمانية شكلية) ، فإن ميزان القوى لم يعد محددا هو الآخر ، فمن يمكنه أن يقوم بمبادرة الإصلاح إذن ؟.
لقد أصبحت جميع الأطراف واعية بما تريد ، خاصة فيما يتعلق بسيرورة الإصلاح، ففي غياب شروط مساعدة ، تصبح الثقافة السياسية آلية الإصلاح التي تتحدد فيها أسباب النضج و الإكتمال .
إن الأزمة في المغرب ، ليست كما يتوهم الثقنوقراط ، أزمة إقتصادية فقط ، و لكنها أزمة سياسية أيضا ، فرضت نفسها بإلحاح ، من خلال سيطرة نخبة من الإنتهازيين على مراكز القوة و النفوذ بالبلاد .
بهذه الكيفية، كيف نتصور الإصلاح كمسألة إستراتيجية ؟
فإذا كان النظام يحاول إمتصاص الأزمة الإقتصادية و الإجتماعية الخانقة من خلال إيجاد متنفس سياسي ، فإن هذا المتنفس ليس سوى مجرد وهم ، و لا يمكن أن يرقى إلى مستوى إصلاح ، لأن المسألة غير مرتبطة بالإصلاحات الدستورية فقط ، بل يمكن الحديث في هذا السياق عن الإنتقال و موقعه من هذه العملية ، هل هو إنتقال ديمقراطي حقيقي ، أم هي ديمقراطية الواجهة فقط ؟، فالرهان ليس رهانا شكليا يتعلق بالمؤسسات فقط ، بل بالحمولة الرمزية ( السيميائية) التي يجب أن تفعل بها طاقة الإصلاح ،
و مفاهيمه الرئيسة ، كالمعنى الذي يمكن أن يأخده الحكم مثلا ، و بموازاته مفهوم التعاقد ، هذا بالإضافة إلى نوع العلاقة المفترضة المرتبطة بالتنازع في حدود مرجعية الإصلاح ، هل هي مرجعية دينية ، أم ديمقراطية ، بما تعنيه حمولة المفهوم من إحالة على الحداثة فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية على مستوى الحكم .
فإذا كان الإصلاح مطلبا ملحا ، سواء من طرف الأحزاب السياسية ، و من طرف النظام ، و في وقت واحد ، فهذا يعني حقيقة واحدة و هي أن هناك أزمة سياسية . لكن ، ماهي الرهانات الممكنة ، و التي يقوم عليها مسار الإصلاح ؟.
- دلالة الإصلاح تتجاوز البرغماتية السياسية لتصب في الجوهر الديمقراطي :
إن المشكل المطروح حاليا في المغرب هو مسألة التوترات الإجتماعية ، فأي إصلاح يجب أن يتجه صوب هذا المسار عندما يتعلق الأمر بإيجاد الحلول ، و هي توثرات ناتجة في غالبها عن الفقر ، و البطالة ، و نتائجها ، و التي تفرز منحيين من التطرف ، إما التطرف الأصولي ( في جانبه الديني ) ، و إما التطرف في إتجاه الإندفاع وراء السلوك الإجرامي ، و هي ظواهر إجتماعية أقل ما يمكن أن يقال عنها ، أنها نتاج سياسات سابقة (ممنهجة) ، ساهمت في ترسيخ الإقصاء و التهميش الاجتماعيين ، مضافا إليه الجهل بالثقافة السياسية ، و ما تلعبه من دور في عملية الإصلاح .
إن المغرب الحالي أضحى متطورا على المستوى الإجتماعي ، لذلك فأي إصلاح يجب أن يسير في هذا الإتجاه ، بمعنى أن تكون هناك ديمقراطية ترقى إلى حجم هذا التطور ، و مستواه .
فالمغرب اليوم : يختلف تمام الإختلاف عن مغرب ما بعد الإستقلال ، بل هناك تميز فرض نفسه يمكن قراءته بوضوح في المحتوى السوسيولوجي، لكن المشكل يكمن في انعدام التواصل السياسي بين الأجيال المتعاقبة في مستوى المطالبة بالإصلاحات السياسية.
إذن ، إذا كان هناك إصلاح ، فهل هذا الإصلاح قادر على التخفيف من حدة التوثرات الإجتماعية؟!..
المشكلة أن الإصلاحات تأتي دائما متأخرة بالمقارنة مع التحولات التي يعرفها الشارع المغربي ، رغم أن هذا الشارع لا يأطره مجتمع مدني بتلك المواصفات التي تتضمنها النظرية السياسية الغربية للمجتمع المدني ، فالشارع المغربي أصبح في يد الإسلاميين ، و هولاء لديهم نظرة مخالفة للتوجهات الإصلاحية سواء لدى النخب الحزبية ، أو لدى النظام السياسي، أو عند المعارضة السياسية ، و خاصة فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية ، و التحديث ، مع العلم أن الإصلاح السياسي يقتضي القطع ، بل الفصل مع التقليدانية كعنصر أساسي للحكم في المغرب ، بما يفرضه ذلك من تنازل على مجموعة من الحقوق ، و مجموعة من السلطات ، خاصة عندما نتحدث عن عقد إجتماعي بمضامينه الحديثة و بالضبط عندما يتعلق الأمر بالمجتمع المدني . و لكن هذا المعطى الأخير لا يمكن أن يحدث إذا لم يقم الفاعل السياسي هو الآخر بالتخلي عن الميكيافيلية في عملية الإصلاح ، لأن هناك عوامل حداثية فرضت نفسها ، و هي عوامل ضاغطة، بما هي دينامية داخلية تحتم تجديد التقليدانية .
يمكن القول ، إعتبارا لهذا المعطى ، أن الإصلاح هو عملية كرونولوجية ، أي سيرورة تتم على مراحل ، تبتدأ بالإجماع ، أو شبه إجماع ، حول نوع التوافق ( بين النخب السياسية ، و السلطة السياسية السائدة)، و من ثمة حول مضمون الإصلاح ، لأن الإصلاح يدور تحت سقف موجود داخل السؤال العميق المرتبط بجوهر النظام السياسي .
- رهان التغيير ينطلق من الإصلاح الدستوري ، و ينتهي بالمشاركة الإجابية :
إن المرحلة الآن تفرض أن يكون الإصلاح بيد جميع مكونات المجتمع من دون إقصاء ، لأن الإصلاح ، أو تجاوز الأزمة - في المغرب - لا يمكن أن يتم إلا في إطار توافقي ، إلا أن شروط إنجاح تجربة الإصلاح تكمن في وجود مجتمع مدني قوي ، و تعددية سياسية ، و ليس تعددية حزبية ، و هي لحد الآن غير متوفرة .
فلا إصلاح دون أن يكون هناك إجماع وطني حقيقي ، لا مزيفا كالذي نشهده الآن، لأن التجربة الجديدة في الإصلاح ( الانتقال الديمقراطي) أبانت عن وجود أحزاب تلبس الصيغة الانتهازية في شكل جديد يتجاوز خطها و برنامجها ، إلى مستوى آخر تتحمل فيه مسؤوليات معينة ، لا توفر شروط و مقومات الإصلاح ، كغياب المشروع المجتمعي ، و غياب بلورته ( إن وجد ) .فالإصلاحات المقترحة حتى الآن ، لا في شكلها و لا في جوهرها ، لا تقدم أجوبة حقيقية للتوترات الاجتماعية ، و بالتالي يصعب الحديث عن الإصلاح ، كما أن مفهوم الإصلاح أو التغيير مازال ملتبسا فمسألة الإنتقال الديمقراطي ( لما بعد التناوب ) ، مسألة لازالت منعدمة بالمغرب.
فخارج نطاق السلطة السياسية السائدة ، مازال هناك غياب على مستوى البرامج ، نفس الشيء على مستوى التصورات ، فلحد الآن لم تتوضح الرؤية بخصوص التوجهات الحقيقية لهذه الحكومة ، هل هي حكومة اشتراكية ، أم ليبرالية، لأنها لم تكن نتيجة إقتراع يختار فيه المواطن مشروعا محددا( رغم انعدام ، أو غياب هذا المشروع)، زيادة على عدم انسجام الأحزاب المكونة للحكومة من حيث تباين وجهات النظر - و التصورات - حول فحوى التغيير السياسي ، فقط التركيز على الوعود ( سنقضي على البطالة .. سنقضي على السكن الغير اللائق .. سنقضي على الفقر.. إلخ) .
فلكي ينجح الإنتقال الديمقراطي ( لما بعد التناوب) ، لابد من تعددية سياسية و ليس تعددية حزبية . من الممكن أن نقول أن هناك تعددية حزبية ، لكن الواجهة واحدة ، لا تفرق بين يمين و يسار في الممارسة السياسية بما هي سياسية ، كما أنه لا إصلاح دون وجود مجتمع مدني حقيقي، و من وجود ثقافة إنتخابية سياسية حقيقية حديثة في تصور الناخب للعملية الإنتخابية يميز فيها بين مشروع سلبي ، و آخر إيجابي .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال