الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الهوية والأصل بالمغرب ، سؤال علمي لايخلوا من رهانات إيديولوجية.

حميد هيمة

2007 / 8 / 6
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


من أين أتى "البربر" ؟ هل " البربر" أقارب الأوربيين القدامى ؟ أم أنهم تدفقوا ، عبر موجات ، من الشرق ؟ لكن ، ماذا لو لم يات هؤلاء من أي مكان ؟


إنها أسئلة ذات انشغال علمي ترتبط بالدراسات التاريخية . لكنها ، أيضا ، مطروحة في الساحة السياسية وتتجاذبها أطراف متعددة . والواقع ان الأسئلة المطروحة أعلاه تتفسخ عنها أسئلة فرعية ذات أهمية واضحة بالنسبة لموضوع اشتغالنا ، سنحجم عن إثارتها بالنظر للسقف الضيق لهامش هذا الموضوع.
ويمكن ضبط التأويلات الإيديولوجية ، لهذا الموضوع ، في ثلات اتجاهات أساسية :

*1 - اتجاه مغلق ومنكفئ في تعاطيه مع سؤال أصل سكان المغرب ؛ بحيث لا يرى ، هذا الاتجاه ، الهوية الإثنية للسكان المغاربة إلا في المشرق العربي : أي فرضية الاصل العربي للسكان ؛

* 2- هذا الإتجاه يشترك مع الإتجاه الأول ، في كونه منغلق ومنكفئ ؛ لكنه لايوجه نظره نحو الشرق في تحديده لاصل سكان المغرب ، بل يجتهد – بكل الوسائل – لدحض الفرضية الاولى : يمكن أن يكون أصل سكان المغرب من أي منطقة إلا المشرق العربي ؟ إنه تيار شوفيني ومتعصب ؛

* 3 - بين الإتجاهين السالفين، ينبلج إتجاه عقلاني وتعددي و غير تصفوي مضمونه : أن معطى الهوية معطى متحرك وليس استاتيكي ،. وبالتالي ، فإن المغرب اكتسب هويته عبر فترات تاريخية طويلة ، انصهرت ، خلالها ، ثقافات الشعوب الإفريقية والمتوسطية والعربية ....الخ. فضلا عاى أن هناك تحديات موضوعية ، كطاحونة العولمة ، الفقر ، إرهاب الشركات المتعددة الجنسية ، عسكرة الرأسمالية...الخ، تفترض الوحدة ونبذ الصراعات الطائفية .
وانتصارا للإتجاه الثاني ، ومحاولة لتفكيك الإتجاهات التصفوية بشقيها العروبي أو الشوفيني ، نقدم هذه المساهمة . وأقترح فيها ،للإجابة على سؤالنا المركزي ، محورين هما : 1- في نقد الأطروحات الإلحاقية 2 – الأصل المحلي للسكان .

في نقد الأطروحات الإلحاقية :

"من أين أتى البربر؟... من تسبب في نشأة وتطور حضارتهم المادية والأدبية؟ ". إنها بعض من الأسئلة التي تستقطب اهتمام الباحثين الذين يعترفون بـ "أن دراسة تاريخ هؤلاء الأقوام وتتبع مسار تطورهم الإثني والحضاري لا تزال تواجهه صعوبات عديدة، منها ما هو متصل بالمعطيات التاريخية... ومنها ما هو راجع لثقل النظريات والفرضيات". ومرد ذلك إلى أنه من الموضوعات التي استقطبت اهتمام الباحثين وأثارت جدلهم ولا تزال هي: أصل الأمازيغ؛ بحيث "أنها من أنذر الشعوب التي بحث في أصلها بكثير من الخيال والمثابرة". وفعلا ، نشط خيال الباحثين العسكريين ، خلال لمرحلة الكولونيالية ، للبرهنة على الأصول الأوربية للبربر؛ كما ادعى ذلك الجنرال فدرب سنة 1867 بقوله:. "إن البربر أقارب الأوربيين القدامى" ؛ وعلى خطه اعتبر بريمون أن "بلاد البربر بلاد أوربية".

إن إلحاق البربر بالنسب الأوربي واجتراح تخريجات "علمية" يهدف إلى شرعنة الاستعمار الأوربي والفرنسي على منطقة شمال إفريقيا. ألسيت فرنسا هي وارثة الحضارة الرومانية؟ ! لكن بريق هذه الأطروحة تراجع ليفسح المجال لانتعاش فرضية الأصل الشرقي للبربر؛ والتي روج لها بكثافة في سياق تنامي مد حركة التحرر الوطني بالشرق العربي. ويهمنا،هنا،أن نسجل أن كتب التاريخ المدرسي المعتمدة تلفقت فرضية الأصل الشرقي وبتثه في شكل معطى تاريخي ثابت، كما هو الحال في النموذج التالي: إن "البربر... في شمال إفريقيا عبارة عن شعوب... من الشرق".

والحال أن تصاعد نضال حركة التحرر الوطني فرض على "منظرو الاستعمار القدامى او الجدد " الإنقلاب على فكرتهم السابقة تحت ذريعة أن فشل "البربر" في استيعاب مقومات الحضارة الغربية راجع إلى أصلهم الشرقي؟!!.وقد نجم عن ذلك تبلور رد فعل ضد "التأليف الاستعماري الذي كان مليئا بالأحكام السلبية، المبنية على مفاهيم مسبقة" ؛ فنشأ"تأليف مغربي أخد مادته من التأليف العربي القديم وعارض التأليف الاستعماري في أحكامه ومراميه، واجتهد في إثبات الأصل الشرقي "للبربر" ؛مستفيدا من النجاح الذي حققته الحركة القومية العربية في المشرق وقدرتها على الاستقطاب الإيديولوجي لقطاع واسع من المثقفين، والإنجداب والتعاطف الجماهيري مع القضايا القومية العربية. وهو ما هيأ الظروف لاحتضان أطروحة الأصل الشرقي، وهذا ما عكسته كتب التاريخ المدرسي بشكل لافت للانتباه ،وفي هذا السياق تمت صياغته عناوين تبطن العلاقات الفنيقية- القرطاجية / السورية مع منطقة شمال إفريقيا إلى مراحل عميقة تمتد إلى ما قبل مرحلة التوسع الرأسمالي على المنطقة (الاستعمار). هكذا نجذ عناوين مثل : "الحضارة القرطاجية بإفريقيا ش"أو "الممالك البربرية كانت بها حضارة تأثرت بالقارطاجين". وإظهارها بخط سميك. إن تكثيف هذه المعاني والمضامين في عناوين بارزة باعتبارها – العناوين – تمارس تأثيرا خاصا، وبوصفها أكثر الإشارات الخارجية إثارة واستفزازا، حيث أن ظاهر العنوان "نص قصير وموجز لكن الإيجاز هو قول المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة"، لكن الملاحظ أن هذه العناوين والمضامين انزلقت نحو تصوير معطوب لمنطقة شمال إفريقيا؛التي لم تصطدم – حسب زعمهم - بالتاريخ إلا مع رسو المراكب الفينقية الأولى على سواحلها. فأخذ الوافدون "البربر" على درب الحضارة والتقدم". والحال أن البربر لم تنعدم لديهم المبادرة؛ بل انعدم إنصافهم في كتب التاريخ المدرسي. وعلق على ذلك "س غزيل" بقوله : أنه "لم ينتظر أهالي المغرب البحارة السوريين ليتعلموا تدجين المواشي والزراعة". لكن رغبة المؤرخين المغاربة في التخلص من المخلفات الإيديولوجية للكتابة الاستعمارية حول تاريخ المغرب هو الذي يبرر انحيازه للاطروحة الشرقانية.
لكن ، ماذا لو لم يأت هؤلاء من أي مكان". إنها إشارة تفيد التطور المحلي للإنسان الأمازيغي، غير أن كتب التاريخ المدرسي تغافلت العمق التاريخي للإنسان المغربي وربطته بمرحلة التسرب الأجنبي للبلاد؛ مما بلور تصورا ذهنيا عند التلميذ عن ماضي المغرب "كمجال لمبادرات الغير، فلا يراه إلا من خلال فاتحيه الأجانب(9). وهذا غير مطابق للدراسات الرصينة التي تناولت مرحلة ما قبل التاريخ؛ وميزت فيها بين المراحل التالية:

1- الأسترالوبيتيك : وهو الإنسان القردي الجنوبي، ظهر في نهاية الزمن الجيولوجي الثالث. صحيح أنه  لم يعثر على نموذج لهذا الإنسان بمنطقة المغرب الكبير، لكن تم اكتشاف أدوات حجرية استعملها هذا الإنسان في عدد من مناطق المغرب . إن أقدم الأثار الدالة على وجود الإنسان تؤرخ بمليوني سنة خلت؛

2 الأطلانطروب - الإنسان المنتصب القامة : لقبوا بالأطلانطروب تمييزا لهم عن البيتكنتروب. عثر على نموذج الأطلا نطروب بالقبيبات سنة 1934 ثم مغارة سيدي عبد الرحمان سنة 1956؛


3- الإنسان الموستيري/ إنسان جبل إيغود : اشتق اسم الموستيري من مكان بفرنسا يعرف بمستي، عثر على نماذج هذا الإنسان سنتي 1962 و 1968 بجبل إيغود شرق أسفي؛

4- الإنسان العاطيري. اشتق هذا الإسم من بئر العاطر بالجزائر . ويعد الإنسان العاطيري امتدادا نوعيا لإنسان جبل إيغود، خلف بقاياه وآثاره في المغرب كما هو الحال مغارة المهربين بتمارة سنة 1956؛

5- الحضارة الوهرانية : بعد الحضارة المغربية الأصيلة (العاطرية)، عقبتها الحضارة الإيبيرمورسية حسب تسمية "بلاري" اعتقادا منه بأن أصلها إيبيري، لكن "شوفري" دحض أطروحة "بلاري" السابقة معتبرا إياها حضارة محلية وسمها بالحضارة الوهرانية.


على سبل الختم :

لماذا التطرق إلى مراحل تطور الإنسان بالمغرب في مراحل ما قبل التاريخ؟
للإجابة على السؤال نركز ملاحظتنا على وجهين:
الوجه الأول: إن إثبات التطور المحلي للإنسان هو تفنيد للأطروحات الإلحاقية بشقيها الغربي أو الشرقي؛ اللتان تحاولان، في نهاية الأمر، طمس هوية الشخص، مما يجعله "غير واعي بذاته فتتدنى مرتبته من الشخص إلى الشيء، أي يصبح مجرد مادة قابلة للضم والامتلاك" على حد قول هيجل.

أستاذ مادة الإجتماعيات ، السلك الثاني ، أكاديمية الشاوية ورديغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على