الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متابعات الوضع الفلسطيني

سلامة كيلة

2007 / 8 / 6
القضية الفلسطينية



أعاد الرئيس بوش التأكيد على حله بإقامة "دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل" بعد خمسة سنوات من دعوته الأولى التي قامت على رؤيا، والتي حدد لتحقيقها زمن السنوات الخمس المنقضية دون أن نلحظ أن شيئاً ما قد تحقق، على العكس لحظنا أن الوضع على الأرض قد سار نحو تلاشي هذا "الحلم". وللتأكيد على "جديته" دعا الرئيس بوش الى عقد لقاء (وليس مؤتمر) دولي في الخريف القادم للتباحث حول الوضع ، بحضور "الاسرائيليين والفلسطينيين والدول المجاورة"، دون أن يؤكد لا هو ولا أولمرت على إمكانية تحقيق الحل النهائي الآن، على العكس أكدا على عدم إمكانية ذلك.
وبالتالي تبدو المسألة وكأنها "بالونات" هدفها إسناد النظم العربية التي قدمت مبادرتها للسلام من جديد، بعد أن تجاهلتها الدولة الصهيونية لسنوات سبع. ولأولمرت ذاته الذي يعاني من وضع صعب داخلياً بعد النتائج السيئة للحرب على لبنان الصيف الماضي. وأيضاً لأبي مازن الذي ربما فوجئ بهزال "التقدمة" الأميركية الجديدة، والذي سيفاجأ بأن الدعم الموعود لن يصل، لا مالياً ولا سياسياً، إلا في حدود ضيقة لن تنقذ سلطته أو تعيد الثقة الشعبية بها.
لهذا –وإستناداً الى الأمل في تلقي الدعم- يندفع أبو مازن وقيادة السلطة (من فتحاويين وغيرهم، أو كما يسمون في الأرض المحتلة: من التوانسة) في ترتيب الوضع بتفرد لا يقود سوى الى زيادة الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والى مزيد من ضعف السلطة ذاتها. وهم الآن يعودون الى منظمة التحرير (التي هي تحت سلطتهم) والى المجلس المركزي الفلسطيني ( الذي يتحكمون بقراراته) بعد أن عملوا طيلة السنوات التي تلت أوسلو على إنهائهما وتكريس السلطة كبديل وحيد يمثل فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي التخلي عن تمثيل اللاجئين وطبعاً عن فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948. يعودون إليهما من أجل شرعية القرارات التي يقررونها، في مواجهة شرعية حماس التي نتجت عن الانتخابات التشريعية الأخيرة.
لنلحظ بأن الصراع الذي يجري الآن، والتقاتل على الشرعية، هو صراع في الهوامش، فيما هو عَرَضي. حيث كل يسعى لتكريس سلطته. وهي هوامش لأن السلطة ذاتها باتت هي العبء الذي يضيق الخناق على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، و يوضح للاجئين الميل للتخلي عن قضيتهم، ويشعر فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948 بأنهم أمام دولة أخرى، أو أمة أخرى، هي غيرهم وخارجهم ولا تمت إليهم بصلة، ولم تعد معنية بوضعهم ومصيرهم، بل هي ملحق بالدولة التي تقمعهم وتنهبهم وتسرق أرضهم لتهويدها، وتحولهم الى رعايا من الدرجة العاشرة أو كتل زائدة يجب التخلص منها.
السلطة التي يتقاتلون عليها هي مشكلة الشعب الفلسطيني، وهي شعار تضييع القضية الفلسطينية وتشريد الشعب المقيم على أرضه من جديد. فقد نهب أفرادها وسرقوا، وتعاملوا إقتصادياً مع الشركات الصهيونية، وقدموا لها الخدمات، وعاثوا فساداً في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ونشرت أجهزتها الأمنية الفوضى والسرقة والسلب والقتل. وبالتالي أصبحت عبئاً على الشعب، لأنها جلبت له الخراب السياسي والاقتصادي والقيمي. وأصبح الحلم هو التخلص منها.
لقد أراحت خطوة حماس بشطب الأجهزة الأمنية في قطاع غزة كل الفلسطينيين في الأرض المحتلة نتيجة كل ما قلناه للتو، وهؤلاء ينتظرون من يقوم بشطب السلطة كلها، بكل أجهزتها الأمنية، وجهازها البيروقراطي الفاسد. لكن حماس أخذت تمارس كأجهزة أمنية، تعتقل وتنهب وتكبت الآراء، وتعبء ضد "الملحدين"، وتحاول فرض شريعتها. وبالتالي تكرس السلطة ذاتها وإن بمسميات جديدة. وهو ما سيجعل الشعب الفلسطيني يضعها الى جانب سلطة فتح، التي أخذت كذلك تعتقل المعارضين، وتعمل على تحويل قوى المقاومة الى ميليشيات خارجة على القانون، وتسعى الى سحب كل سلاح غير سلاح الأجهزة الأمنية بكا سماتها "الباهرة" آنفة الذكر.
وحماس في هذه الخطوة وقعت في المحظور، الذي يتمثل في أنها أدت الى قسم الضفة الغربية عن قطاع غزة. وهو الأمر الذي دفعت إليه الدولة الصهيونية من أجل تكريس حلها لوضع الضفة الغربية. ومن أجل إغراق الفلسطينيين في إقتتال مستمر. دون أن تقدم حلاً لا لمشكلة الشعب الفلسطيني، ولا للسلطة المشكلة، على العكس من ذلك كرست السلطة، سلطتها، وأدت خطوتها الى زيادة الحصار على غزة. الأمر الذي سيعني تفاقم آليات تدمير الاقتصاد، وزيادة البطالة والفقر، وبالتالي الانهيار الاقتصادي. ومن ثم العودة الى الفوضى والقتل والدمار. لهذا فإن الاستقرار الراهن مؤقت نتيجة أن كل وضع القطاع خاضع لسلطة الاحتلال.
بوش وأولمرت يلعبون بالسياسة، ويقدمون الكلمات ( الكلمات فقط)، فتغرق النظم العربية، وتغرق قيادة السلطة الفلسطينية في الأمل وإشاعة التفاؤل والإصرار على سياسة تبيّن للمرة الألف أنها مدمرة. لهذا فإن تصريحات بوش وأولمرت هي للاستهلاك الداخلي من جهة، وللاغراق في الوهم لدى العرب، العرب الذين لا يفرقون بين السياسة واللعب الاعلامي، بين الثقة الشخصية والتقدير الشخصي وبين السياسة كفعل واقعي، كوعي، كفكر. لهذا يبنون مواقفهم إنطلاقاً من سذاجة مفرطة، فيصبحون أدوات لدى قوى لها مصالح في إستمرار الوضع الراهن، وفي إبقاء وهم السلطة الفلسطينية، ووهم المفاوضات، مصالح إقتصادية وشخصية نرجسية.
لقد قدم بوش وعداً لشارون سنة 2004 يقوم على دعم الاستراتيجية الصهيونية تجاه المسألة الفلسطينية، القائمة على رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، ورفض التخلي عن الأرض والأجواء والحدود، وإستمرار السيطرة على الأرض وتوسيع الاستيطان، وإكمال بناء الجدار العازل لإكمال تشكيل كانتونات تحصر الفلسطينيين وتعزلهم عن "جسم" الدولة الصهيونية، التي يجب أن تبقى يهودية الطابع. وأيضاً تعزز الحصار حولهم لكي لا تبقى إمكانية للعيش وللحياة في هذه الكانتونات، ليصبح الخيار هو الهجرة من أجل العيش، ويصبح نزوح الفلسطينيين من الضفة الغربية منّة من أجل توفير العيش لهم عبر العمل في مكان ما. وبوش لم يقدم أي وعد بخصوص "رؤيته" الألهية لقيام "دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل". وبالتالي ليس من الممكن أن يكسر وعده، وهو أصلاً يعرف بأن الأساسي في سياسة الولايات المتحدة هو الدولة الصهيونية. الأمر الذي يجعلنا نؤكد بأن السياسة الأميركية الصهيونية هي ليست في وارد إيجاد حل فلسطيني كما يجري التوهم .
وهذا الوضع لا يفرض حل السلطة فقط، وبالتالي كشف واقع الاحتلال كما هو دون "تزويق" أُسمي من قبل بعض الكتاب الاسرائيليين بـ "إحتلال ديلوكس"، بل يجب كذلك قطع كل طريق لإستمرار مهزلة التفاوض والسلام، والانطلاق من أن ليس لدى الدولتين الأميركية والصهيونية أي حل للقضية الفلسطينية يقدّم شيئاً ما حتى لجزء من الفلسطينيين، لا في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا في أي مكان آخر من أرض فلسطين، بل أن حلهما لها هو خارج فلسطين، وفي سياق إعادة صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية.
لهذا نرى أن أية مبادرة جديدة يجب أن تنطلق من حل السلطة، أو تحريض الشعب لكي يفرض حلها، وكبح ميليشياتها ومافياتها، وإعادة صياغة الرؤية على أساس المبادئ الأولى، أي أن فلسطين هي جزء من الوطن العربي، وأن المشروع الصهيوني هو مشروع امبريالي، وبالتالي يجب تأسيس المقاومة على هذا المنطلق. وأن الحل الجوهري يقوم على تطوير قوى المقاومة في الوطن العربي لكي تكون قادرة على تغيير موازين القوى وإنهاء الدولة الصهيونية، وبناء دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين والوطن العربي.
وفي هذا المجال جب "تدمير" منطق الفلسطنة أولاً، وهو المنطق الذي عممته حركة فتح وتلقفته كل القوى الأخرى كما النظم العربية. و"تدمير" منطق المراهنة على الولايات المتحدة والدول الأوروبية والنظم العربية ثانياً، وهو المنطق الذي قامت على أساسه حركة فتح كذلك، . والتأكيد على أن التفاوض دون ميزان قوى في صالحنا، ونفرضه نحن، سوف يؤدي الى التهلكة كما لمسنا خلال العقود الأربع الماضية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل