الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمّ يتباحثــون؟!

نوري المرادي

2003 / 10 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 
      (( يستجدون قرارا كإيمان حنون، فاضحكوا أيها الأحرار! ))
 
منذ أسبوع والمحللون منشغلون بالقرار الأمريكي المزمع، أو الذي كان مزمعا، طرحه على مجلس الأمن. بعضهم تنبأ كالعادة بأن روسيا وفرنسا والصين ستوافق عليه مقابل أن تطلعها أمريكا على سياساتها المستقبلية أو مقابل أن تشركها بالقرارات الدولية، أو إن روسيا على الأقل ستوافق عليه مقابل المساعدات المالية الأمريكية، المحتملة. وكالعادة أيضا، توسم كتبة الاحتلال وإمعاته خيرا، باعتبار أن القرار سيمر ويخلو الجو لقبّرة بوش فتبيض وتصفر.
وجريا على العادة سارع السيدان طرزان بالإعلان عن أن ما يجري في العراق ليس مقاومة وإنما إرهاب. وعطف عليهم كلبي - وهو في آخر يوم من ولايته، فتوسل أمريكا أن تبني لها قواعد ثابتة في العراق، وأن تبقى لفترة أطول مما سيخولها القرار الوشيك الصدور. ذلك، وهذا ما يعتقده، أن بقاء أمريكا في العراق هو الضمان الوحيد لاستمراره وأخيه سالم (سام شلابي) بمهامها المكرسة لإعادة إعمار العراق عبر (مكتب المحماة العالمي) التابع لدائرة ثانوية في الموساد.
بالمناسبة، فمصطلح (( إعادة إعمار العراق )) هو سليل مصطلحي (( الإصلاحات الاقتصادية )) و (( العالم الجديد )) الممجوجين الذين سوقهما تجار الحروب ونهبوا العالم تحت يافطتهما. وهو أيضا سينحو منحاهما، فيولي حيث وليّا.
وعالميا، تباينت ردود الفعل حول القرار المزمع. وما يلوح من التصريحات الواردة لا يبدو أن أحدا سيوافق عليه سوى بريطانيا وأمريكا وميكرونيزيا.
لكن، وهذا من غرائب الصدف، أن بين الرافضين هو السكرتير العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان. بل أنه رفضه حتى قبل عرضه رسميا على المجلس متجاهلا حتى التعديل أو التليين المحتمل قبل طرحه.
وسابقا كان العالم قد اعتاد من كوفي عنان ذلك الارتباط الشديد بالرؤيا الأمريكية. وفي الحالات التي يتمادى فيها الجانب الأمريكي بقراراته أو سلوكه في مجلس الأمن، ينزوي السيد عنان جانبا، وبإشارة ربما مفادها أن منصب السكرتير العام كالزائدة الدودية ولا قرار له. لا قرار له، رغم الكولسات والمبايعات التي عادة ما تسبق انتخابه، ورغم مسلمة أن من لا توافق عليه أمريكا لن ينتخب مطلقا.
المهم إن كوفي عنان، رفض القرار الأمريكي وصرح أنه لن يرسل موظفيه إلى العراق للعمل تحت مظلته. وهو الرفض الذي يذكرنا بأمجاد مجلس الأمن على أيام الراحل داج همرشولد، وينبهنا إلى انعطاف جديد في عالم القرارات الدولية.
فبعد أن كانت أمريكا هي التي تملي أو تعطل قرارات العالم، صار العالم الآن هو الذي يعطل قرارات أمريكا، أو يملي نصوصها. ونتيجة انقلبت معادلة جانبية أيضا. فسابقا كانت مبادراتنا فقط تجد طريقها إلى سلال المهملات. بدليل مشروع فهد ومبادرة فاس ومبادرة سلطان ومشروع تنت ومشروع ميشل وخارطة الطريق،،الخ. أما الآن، فمبادراتنا تذهب إلى براميل المهملات مصحوبة بالمبادرات الأمريكية أيضا.
وسبحان مغيّر الأحوال.
أما أن يكون القرار الأمريكي المزمع الذي رفضه كوفي عنان ورفضته الدول، يخص الشعب العراقي، فهذا أيضا من الغرائب.
نعم من الغرائب!
لأنه قرار يجري عليه الشعر:
مازاد حنون في الإسلام خردلة           ولا النصارى لهم شغل بحنونٍ
وهو قرار لاوزن له، مر أو لم يمر، فلن ينفع الأمريكان أو يضر العراقيين!
لا وزن له، لأن صاحب القرار – الشعب العراقي، مغيب، فلا رأي له به. وحيث هو لا رأي له به فهو أيضا غير ملزم بتنفيذه.
أما خطاب كلبي في مجلس الأمن ودعوته لأمريكا أن تبني قواعد، فعرض مسرحي للدعم وحسب. فهو لم يتبق من ولايته غير ساعات، وهو مواطن أمريكوإسرائيلي قلبا وقالبا ومشاعرا ولصوصية. وخطابه، سوى كلام من مواطن لا عراقي إلى جهة لا عراقية. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فلقد كان بيد المحتلين قرار أقوى وأوفر إمكانيات بكثير جدا من ذلك الذي يزمع استصداره. فالصلاحيات التي منحها القرار 1483 لبريطانيا وأمريكا لا محدودة. وقد صاغه الأمريكان وهم في فورة النصر فجعلوا كل شيء مباحا لهم بشكل مباشر كالنفط والمعادن وثروات الأرض، أو بشكل غير مباشر تحت يافطة ما يسمى بإعادة إعمار العراق. بينما بالمقابل خلا (1483) تماما من أية نصوص تلزم الدولتين بشيء لصالح الشعب العراقي. اللّهمّ سوى نصوصا تفسيرية ملحقة بقوانين مجلس الأمن وليس بالقرار نفسه. على سبيل المثال خلا القرار من أي إلزام لأمريكا وبريطانيا كسلطتي احتلال في العراق، بتوفير الأمن والعيش للعراقيين. إنما تنص على الأمن والعيش تفسيرات ملحقة بالمعنى القانوني العام للمصطلح (( حكومة الاحتلال )) حسب تعريف الشارع الأممي. ولهذا، لم يحاسب أحد رامسفيلد ولا باول حين صرحا وهما في بغداد أن الأمن هو مسؤولية العراقيين وليس الجيش الأمريكي.
والأمريكان حقيقة ما كانوا بوارد البحث عن قرار جديد لو لم تبلغ أرواحهم الحلقوم في ظل القرار الأقوى – 1483. وهم مع هذا القرار الذي أباح لهم كل شيء، ومع جبروتهم الذي أرهبوا به العالم، ومع مع ذلك وفتيان المقاومة الوطنية العراقية البواسل يقلبوهم كالسمك في مقلاة على النار، ويوميا. فكيف بقرار أضعف منه؟!
ولو يفترض الأمريكان أنهم بقرار جديد، ذي نصوص مطاطة، يستطيعون ترويض الشعب العراقي أو الضحك على ذقونه، فهذا في حد ذاته مفارقة مزرية. مفارقة أن يكون الأمريكان انحدروا إلى هذا الدرك من السذاجة السياسية.
على أية حال، لابد من إعادة مختصرة جدا للواقع الجاري على الأرض.
إنّ الشعب العراقي وبعد أن واجه أشد وألد عدو له – الطائفية، فقهره وانتصر عليه وقبره إلى حيث لا رجعة، وخرج من المعركة أصلب عودا وأقوى شكيمة؛ بشهادة الجمعة المشتركة في مسجد أبي حنيفة في بغداد، هذا الشعب صار الآن على أتم الاستعداد لمواجهة العدو الثاني – الاحتلال. ولقد قرر قراره الذي لا رجعة فيه، وهو أن يقاتل حتى يطرد آخر جندي محتل من أرضه. ولن تثنه فذلكات أو ألاعيب ولا خونة ولا إمعات وأبواق. وستحمل الأيام القادمة أخبار معارك يعض لها بوش ومن معه أصابعهم ألف مرة حسرة وندما على الجبروت الذي كان!
ومن هنا فالقرار الصائب، والوحيد، المتاح أمام الأمريكان هو أن يغادروا العراق الطاهر وبأسرع وقت!
بهذا فقط يقوا بلادهم لعنة شنعار وغضب إلهه، ويقوا جنودهم هذه المجزرة الماثلة!

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟