الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في عربة التمثال

وجدان عبدالعزيز

2007 / 8 / 10
الادب والفن


هجع كلّ شيء بينما خفتت الأصوات ، واطمأنّت خواطر الحال في المسافة الزمنية القريبة ، بعدما طوت خيوط الظلام أطراف المدينة بنهرها الصغير وأشجارها الكثيفة، وتأجلت الأحاديث مخذولة بالمواعيد وأصبح الهدوء أكثر ملائمة بانتهاء المشوار المخلوط بالحسرات ، وأصوات الموت المحتدمة التي امتصتها شواطئ النهر المضمّخة بحزن الأمّهات ، سوى ذلك الرجل ذي القيافة الجميلة والربطة المتميّزة يشقّ الشارع بأناقة مريبة على غير عادته . ( أبو ريام ) إنه يتشبّه بتمثال وسط خطوه المتسارع رافعاً يده مشعلاً من البرونز المتألق في سماء ليل المدينة يحتفي بتمثالها الوحيد .. مشعلاً للحرية .. كان قد عوّد نفسه بتكلف واضح غير عابئ بما يقال عن الوقوف متصلّباً في أماكن مختارة ، وكأنّه يقلب مشاهداً بانهماك حب الاستطلاع ، وهي محاولة جادة لاختزال وطرد أثر أشباح أجرام حديدية حديديّة غزت سماء المدينة في غفلة من الزمن وعاثت خراباً ونشرت الموت الأسود في بطاقات تمزيق أشلاء أطفالها على مرمى بصره الذي تشبّع بمناظر الخوف ومناظر الوجوه العابسة … كل شيء ممكن أن ينسى إلاّ حديثه ، فبرغم ظلال المحنة ، ظلّ يتذكّره الحفّاظ من المحتفين به، كان حديثاً طويلاً في باب المقهى المقفل بوحشة المساء يتميّز بفحولة الرجال الأشداء وبطلاقة وصوت مسموع عن تراكم الكآبة في حضرة التمثال الذي ينتصب وسط الجسر الهرم ثم رواية هجرته عنوة تحت سياط السطو المسلّح وبعربة بائسة، لم يحضرني الحديث كاملاً ، وكان بلغو سومريّ عصيّ على الفهم وقد طرز الكثير منه على خرائط المدينة القديمة، بيد أني تحضرني دموع الرجل المنسكبة التي انحفرت أخاديد بحروف أخرى على تلك الخرائط ، شاهدها وتحدّث عنها كل من زار المدينة ! .. المدينة التي ابتعدت ليس كثيراً عن مكان ولادتها ، لأنها تنجذب بحبل سرّي للمخاض الأول، ونزف التأريخ المستمر حتى تربعت على عرش قلوب محبّي الرجل الذي يعيش أماني هذا الحال . تحدّث الرواة والذين سجلوا وقائع الأحوال وأكثروا المقال حتى أن أبناء المدينة نسجوا الروايات وبالغوا بأكثر من لسان في رواية النقل وموكب ألحان الحزن المندى من ذلك الرجل الذي جمع كل من تعنيه الحال وكان يرتدي بدلة حداد ذات نسق لائق وبلون رمادي ويقف بخشوع تام في توديع جثمان التمثال الذي نقل من قلب إلى أسوار الشطرة، غير أنه اقترب من لكش الأم بتوسده تراب المدينتين ، لم يتحدّث الرجل بعدها بل ابتلع الصمت وبدأ بمشروع آخر ، بعد أن صاغ أسلوباً محنّكاً ليتحدّث لاحقاً بلغة مقصودة عن رواية نصب التمثال النصب من جديد في ساحة رقصَ فيها التأريخ مزهوّاً، حينما لطمت أمواج الزحف الخمسينيّ الكرْهَ المقيت وزهت الأشجار بأعشاش الطيور المهاجرة إلى هنا ثم نشبت مخالب ظلم الحصارات التي حاولت إيقاف الأنامل من عزف لحن الصعود المبكر في أعالي النهر الصغير لتلك المدينة ، وروى أخيراً متحدثاً بشهيّة عن زيارة يروم بها لقبر جدّه قبل أن يطّلع على الخرائط تلك …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا


.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض




.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-