الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحولات البلدان الصناعية في بدايات القرن الماضي ونشأة المدرسة السلوكية

اكرم سالم
(Akram Salim Hasan Al-janabi)

2007 / 8 / 9
الادارة و الاقتصاد


شهدت سنوات العشرينات من القرن الماضي تحولات كبيرة في البلدان الصناعية كان لها تأثير مباشر على الفكر التنظيمي . وكان من اهمها تبلور الادارة كحقل علمي مستقل وبدأت الجامعات تدخله في مناهجها ، كما تأسست العديد من النقابات الادارية المهنية . وادى التطور التكنولوجي الى تطورات مهمة في المنظمات والعمل ، اذ ان توسع حجم المنظمات بشكل كبير زاد في تعقيدها وجعل الاساليب القديمة في التنظيم والادارة غير مجدية ، كما ادى الى فصل الادارة عن الملكية ، وعلى صعيد العمل فأنه بات اكثر تعقيدا واكثر كلفة مما استوجب زيادة التخصص في العمل ، وباتت الحاجة كبيرة الى استقطاب واختيار العاملين والمحافظة عليها وتحفيزها مما زاد من اهمية العنصر البشري للمنظمات . كما ان مرور العالم الصناعي الرأسمالي بأزمة الكساد العظيم ادت الى اغلاق العديد من المصانع وتسريح العاملين وتصاعد معدلات البطالة آل الى ظهور نقابات العمال كقوة تنظيمية مؤثرة في سوق العمل وفي بيئة المنظمات ، الامر الذي جعل ادارات المنظمات تعدل من اساليب تعاملها وتنظيمها باتجاه المزيد من التعاون وتقليل التسلط على العاملين .
ان زيادة تعقيد التكنولوجيا ادت كذلك الى تعقد الاسواق وزيادة عدد المنظمات مما تطلب اشكالا تنظيمية اكثر استجابة للبيئة الجديدة، فلم تكن النظريات الكلاسيكية المبنية على اساس الانموذج الآلي غير المرن صالحة للتعامل مع منظمات تعمل في مثل تلك البيئات المتغيرة . كذلك ادى ذلك الى تغير الانساق السياسية والثقافية والتعليمية ، مما جعل المنظمات تواجه حقائق غير مألوفة من قبل ، فلم يعد مقبولا معاملة العاملين كسلعة تباع وتشترى .
كل ذلك قاد الى ظهور مدخل جديد في التنظيم يؤكد على ان العاملين ليسو مجرد ادوات ووسائل تستخدمها المنظمات لبلوغ اهدافها بل هم هدف المنظمة ووسيلتها الرئيسة . اضافة الى ضرورة وضع مفاهيم نظرية مع اختبارها تجريبيا للوصول الى النتائج العلمية الملموسة .
البدايات والنشأة :
تعود بدايات المدخل السلوكي الى حركة العلاقات الانسانية التي انطلقت مع دراسات الهاوثورن التي اجراها فريق التون مايو ،والتي يعترف كثير من الباحثين بالفضل لهذه الحركةفي ادخال العلوم السلوكية لدراسة المنظمة بشكل علمي منهجي ، وتمكن تلك الحركة من جلب الانتباه الى الجوانب السلبية في الفكر التقليدي بخاصة ما يتعلق بالنظرة والتعامل غير الانسانيين تجاه العاملين اضافة الى اشارتها لاول مرة لوجود واهمية التنظيم اللارسمي لجماعات العمل وتأثيره على التنظيم الرسمي ، ومثل هذا الاهتمام بالفرد والجماعة كان حجر الزاوية في تطور الفكر التنظيمي ودفعه الى آفاق جديدة .
( Luthans. 1973 . P: 32 )
نظرية التعادل التنظيمي :
اصدر شستر برنارد عام 1938 كتابه المهم المعنون " وظائف الرؤساء " الذي عد فتحا في الفكر التنظيمي ، اكد خلاله على الجوانب النفسية في المنظمات ، وعدت نظرته للسلطة وتدفقها في المنظمة انقلابا على المفهوم التقليدي للسلطة ، اذ رأى برنارد ان السلطة تتدفق من الاسفل الى الاعلى وليس العكس كما تفترض النظريات التقليدية ، فالاساس في السلطة هو قبولها من قبل العاملين ، وقد حاكى في ذلك نظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو التي تفترض ان الشعب هو مصدر السلطات .
ان الاساس الذي اعتمده برنارد هو ان الافراد يختلفون في درجة اسهاماتهم في المنظمة لبلوغ اهدافها ، وبالتالين فأن على المنظمات ان تجد الطرق المناسبة التي تؤمن من خلالها رغبة العاملين في التعاون لأنجاز اهداف المنظمة ، اذ ان التعاون هو اساس التنظيم وان الحوافز المادية ليست الطريقة الوحيدة لضمان تحقيق هذا التعاون ، لذا فأن فاعلية السلطة المستخدمة من قبل القائد تعتمد على مدى قبول تلك السلطة من قبل العاملين ومدى رغبتهم في التعاون .
( ( See Chester I. Barnard. 1938. P. 163 , 164
استند هربرت سيمون الى افكار برنارد وطورها في كتابه المعنون " السلوك الاداري " عام 1947 وظهرت اثر ذلك نظرية التعادل التنظيمي . وطبقا لها فان التعادل هو الذي يضمن للمنظمة بقاءها ، ويعكس التعادل مدى نجاح المنظمة في تقديم مكافآت لاعضائها بما يكفي لدفعهم لتقديم اسهاماتهم المستمرة في المنظمة
( March & Simon 1985 P. 47 ,48 )
وقد كان من ابرز اهتمامات مفكري هذه المدرسة في الادارة اتخاذ القرارات بأعتبار ذلك مجسما لجوهر السلوك الاداري ، وقد تباينت عملية اتخاذ القرارات عبر الزمن ، ولكن النظرية السلوكية ينظر اليها بأعتبارها سلوكا سواء كان ذلك السلوك رشيدا عقلانيا بصورة كاملة ام انه يملك جانبا محدودا من الرشد والعقلانية .
وان اتخاذ القرارات يعني التفكير الذي يؤدي الى اختيار بديل من مجموعة بدائل . ويمكن القول ان اتخاذ القرارات وحل المشكلات متكاملان ومتداخلان كما ان كلا منهما يستخدم بديلا للاخر في كثير من الاحيان . وقد اكد سيمون على اهمية اتخاذ القرارات من خلال تأكيده على ان الجانب الهيكلي للجهاز الاداري يتجسم في توزيعات صلاحيات اتخاذ القرارات بين الافراد والجماعات داخل ذلك الجهاز اما الجانب الديناميكي للجهاز فيتجسم في العمليات التي يؤثر هذا الجهاز فيها على القرارات التي يتخذها منتسبوه في داخله . من ذلك يظهر ان عملية اتخاذ القرارات طبقا لرأي سيمون تمثل جوهر الجهاز الاداري هيكليا واجرائيا ، أذ قال سيمون " ان عملية اتخاذ القرار هي قلب الادارة " واعتبر ذلك بمثابة النظرية الاولى ودعا الى بناء مجمل الفكر الاداري عليها . كما اشار الى تعريف الادارة بأنها نشاطات الجماعات التي تتعاون لانجاز اهداف مشتركة ، وهو يعني ان الادارة بجوهرها هي اتخاذ قرارات على اساس فردي او جماعي تبعا للاهداف المطلوبة . لذا فان اهمية اتخاذ القرارات تنبع من اهمية الاهداف المراد تحقيقها من خلالها . فالجهاز الاداري يجسم شبكة من الاهداف المتكاملة ترتبط بها شبكة من القرارات المتكاملة ايضا والتي يتخذها العاملون في نفس الجهاز الاداري لغرض تحقيق الاهداف المذكورة ، فالغرض من تأسيس جهاز اداري معين هو بالدرجة الاولى ضمان اتخاذ شبكة مترابطة ومتكاملة من القرارات التي عن طريقها يتم تحقيق اهداف ذلك الجهاز الادارية . وان عملية اتخاذ القرارات تكون عملية مشتركة بين العديد من الافراد والجماعات والتشكيلات داخل الجهاز الاداري.
( Simon. 1957. P: 220,221 )
ولتوضيح السلوكيات الادارية التي تحتويها عملية اتخاذ القرار لابد من الاشارة الى مراحل اتخاذ القرار كما يأتي :
• تحديد الهدف
• جمع المعلومات عن الوسائل والامكانات المتاحة لتحقيق الهدف
• بلورة وسائل بديلة اعتمادا على المعلومات المجمعة
• المقارنة بين البدائل واختيار البديل الافضل نسبة للهدف المطلوب
• صياغة القرار واصداره
• تنفيذ القرار ومتابعة ذلك والوقوف على المستجدات لغرض تعديل القرار
وبناء على ذلك فان سلوكيات مختلف الافراد والجماعات العاملين تنتظم بصيغة او اخرى في واحدة او اكثر من مراحل اتخاذ القرارات الجارية في داخله ، ، ولابد من التاكيد ان دراسة الاجهزة الادارية سلوكيا تتضمن دراسة الجوانب اللارسمية من قيم وعلاقات اضافة الى الجوانب الرسمية السلوكية داخل الاجهزة الادارية ، كذلك يتضمن هذا المنهد السلوكي دراسة المؤثرات البيئية من امكانات ومحددات وقيم بقدر علاقاتها مع سلوكيات العاملين ، والمعبر عنها بسلسلة القرارات المتخذة فيه . ان الدراسات السلوكية المعاصرة كان لها تأثيرات كبيرة في استثمار المنهج الكمي القائم على نظريات الاحصاء والاساليب الكمية وبحوث العمليات في دراسة وممارسة الادارة العامة المعاصرة، وما تبع ذلك من توسع في استخادات الكومبيوتر في مجال اتخاذ القرارات ، الا ان الارقام تقف عاجزة في كثير من الاحيان عن التعبير عن الكثير من جوانب السلوك الانساني في الادارة .
تقييم النظرية :
لعبت هذه النظرية دورا مهما في تطوير الفكر التنظيمي في تركيزها على العامل المعرفي في اتخاذ القرارات وصولا الى المنطق الذي يحكم عمل المنظمات وتحليله ، الا انها جابهت عددا من الانتقادات من اهمها اعتمادها على رشد الانسان وعقلانيته في اتخاذ القرار ، فهي حولت الانسان الى حاسوب يحسب الارباح والخسائر المادية والمعنوية التي تتحقق له من قرار ما قبل اتخاذه . كما وجه انتقاد يآخر للطبيعة الاكتفائية او لمعيار الاكتفاء الذي اعتمدته في افتراضها حلولا اكتفائية بدلا من الحلول القصوى ، ان نظرية التعادل تفترض ان سلوك البحث لدى الفرد او المنظمة لاتخاذ قرار ما سيتوقف حالما يحقق الفرد والمنظمة تعادلا بين المساهمات والمكافآت حسب ادراك كل منهما . ان الافراد الطموحين لايمكن ان يركنوا لافتراضات هذه النظرية .
كذلك اخذ على هذه النظرية تركيزها على عملية اتخاذ القرار اساسا ، وهي قد وصفت هذه العملية طبقا لانموذج واحد محدد بدقة ، وهو أمر لايتفق مع واقع الحياة العملمية ، اذ ان عمليمة اتخاذ القرار لاتخضع لانموذج واحد بل لعدة نماذج وانماط .
مدخل الموارد البشرية :
ان اعمال المفكرين السلوكيين امثال كريس ارجريز ورينسيس ليكرت ودوكلاس ماكريكر تمثل الاطار الرئيس لافكار هذه المدرسة اذ حاول هؤلاء جعل المنظمات مكان عمل اكثر مودة وانسانية ، وسعوا لاثبات ان بيئة العمل المصممة لمراعاة العوامل الانسانية للعاملين هي بيئة مساندة وخلاقة تدفع الى المزيد من البذل والعطاء ، مستندين الى نظرة تفاؤلية عن الانسان وطبيعته الخيرة ، وليس الى نظرة تشاؤمية تفترض الطبيعة الشريرة للانسان كما لدى المنظرين التقليديين .
وبنيت نظرية دوكلاس ماكريكر على اساس وجود نظرتين متضادتين للطبيعة البشرية تبنى وجهة النظر الاولى ( x ) اتجاها سلبيا نحو الانسان في حين تتبنى الثانية ( y ) اتجاها ايجابيا . ان نمط تعامل الادارة مع العاملين يعتمد على مدى ايمان المدير بأي من النظريتين .
ان النظرية x تفترض :
• يكره العاملون العمل ويتهربون منه .
• يجب ان يتم مراقبة العمال ويهددوا بالعقاب .
• يتجنب العاملون تحمل المسؤولية ويرتاحون عندما يوجهون من الاعلى .
• يعد الامان الوظيفي العامل الاول في الاهمية ، لذا يتدنى طموح العاملين .
في مقابل هذه الافتراضات يضع ماكريكر افتراضات النظرية y ذات النظرة الايجابية للعاملين :
• ينظر العاملون للعمل نظرة ايجابية .
• يمارس العاملون ضبطا وتوجيها ذاتيا لانفسهم اذا اقتنعوا بالاهداف المحددة لهم .
• يمكن للعاملين ان يتحملوا المسؤولية وقد يسعون لها .
• ان الابداع الذي يمثل القدرة على اتخاذ القرارات المميزة ليس حكرا على المديرين .
( ( Nickels &McHUGH. 2002 . P: 302 ,303
واردف ماكريكر ان افتراضات النظرية y هي المفضلة وينبغي على المديرين ان يصمموا منظماتهم ويتعاملوا بموجبها مع العاملين ، وكان لذلك اهمية كبيرة وبخاصة في اشراك العاملين في عمليات اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية ، وتطوير علاقات عمل جماعية تعاونية . لذا تصنف هذه النظرية احيانا كنظرية قيادة ، وتارة اخرى كنظرية دافعية .
وظهر ايضا الباحث رنسيس ليكرت الذي طور نظرية تنظيمية تركز على الموارد البشرية ودور القائد في تحفيز العاملين ، وقد افترض ليكرت ان ادامة وتطوير الموارد البشرية في المنظمة ينبغي ان يعد العنصر الاساس في قياس الكفاءة التنظيمية . كما عد فشل المنظمات في ادراك اهمية الموارد البشرية بالنسبة لادائها احد اهم نقاط الضعف لاية منظمة . وقد اكد على استخدام تلك القوى بشكل يجعل كل منها تعزز الاخرى بدلا من ان تتعارض مع بعضها . كما يمكن للادارة ان تستثمر كل او معظم القدرات الكامنة لمواردها البشرية عندما يكونكل فرد فيها عضوا في واحدة او اكثر من مجاميع العمل التي تتميز بدرجة ولاء عالية لدى اعضائها ، وبأستخدام فعال لمهارات التفاعل بينهم ، لذا فان ليكرت كان من اشد المؤكدين على اهمية جماعات العمل ، واقترح تصميم وبناء الهيكل التنظيمي بحيث تكون مجاميع العمل هي الوحدات البنائية الاساس فيه وليس الفرد كما هو متبع في النظريات التقليدية ، لذلك اطلق البعض على نظريته اسم نظرية المجموعة .
( See for example : Rensis Likert . 1961 . P: 102,163,164,.. )
أما ارجريز فقد عد المنظمة كيانا مجتمعيا يتألف من مكونين اساسيين هما التنظيم والفرد وان اول مشكلة تجابه اية منظمة هي كيفية الاستفادة من الافراد المختلفين في قدراتهم ومهاراتهم واتجاهاتهم وجعلهم يشتركون جميعا بعمل تعاوني يفضي الى نجاح المنظمة في مهمتها وتحقيق رضا الافراد العاملين من جهة اخرى ، اي ان القضية تكمن في كيفية تكامل الفرد العامل مع منظمته . وسميت عملية التكامل هذه بين الفرد والمنظمة بالاندماج ، وتحصل لان كلا من المنظمة والفرد هما نسقان منظمان ومتمايزان ، وكل منهما له رغباته التي يسعى لتحقيقها .
( Argyris. 1964 . P: 7-8-9 )
تقييم المدخل السلوكي :
تكمن الاهمية العظيمة لهذا المدخل في تركيزه الريادي على السلوك الانساني في المنظمات وعلى اهمية البحوث التجريبية والتطبيقية في المنظمة ، الا ان هذا الدخل واجه عددا من الانتقادات اهمها :
• الاهتمام المفرط بالمشاعر الانسانية ، مما قد يؤدي احيانا الى التهاون في تحقيق اهداف العمل .
• الاهتمام الزائد بمجموعات العمل مما ادى الى تجاهل الحقيقة الفردية للشخص العامل .
• التساهل واللين في التعامل مع العاملين في وقت تحتاج فيه القيادات الادارية الى الحزم في مواضع كثيرة .
• السعي التبسيطي للقضاء على الصراع وتذويبه او اخماده ، من خلال سعي السلوكيين الى ايجاد كيانات متحدة سعيدة ، غير ان الواقع التنظيمي اعقد من ذلك بكثير . فالصراعات موجودة ما دامت الحياة موجودة ، وان الصراع ثمن التطور و علامته المميزه وان صيغه المنظمة تعتبر محركا ودافعا كبيرا للابداع والتقدم .

المصادر :

1 - Luthans Fred . Organizational Behavior . McGraw-Hill.Tokyo.1973

2 - Barnard,Chester I. The Functions of the Executive .Harvard University . London. 1938-1968
3 - March & Simon . Organizations. John Wiley & Sons. USA. 1958
4 - Simon Herbert A. Administrative Behavior. The Free Press. London. 1957








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024


.. باريس تأمر الشركات المصنعة بإعطاء الأولوية لإنتاج صواريخ أست




.. اقتصادي ورفيق بالبيئة... فرنسا تعرض الجيل الجديد للقطار فائق


.. الأمير محمد بن سلمان: نمو الاقتصاد الرقمي بالسعودية 3 أضعاف




.. أسعار الذهب تواصل الانخفاض فى مصر والجرام بـ 3070 جنيه