الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطيارون الرافضون: نقطة مضيئة في ظلام اسرائيلي

مهند عبد الحميد

2003 / 10 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


"لم أشعر بأكثر من ارتجاج خفيف تحت جناح الطائرة"، وأضاف "ان طياري سلاح الجو الاسرائيلي يمكنهم ان يناموا جيدا في الليل"، هذا ما قاله قائد سلاح الجو الإسرائيلي دان حلوتس تعليقا على تصفية صلاح شحادة وقتل تسعة أطفال وامرأتين فلسطينيتين. أما الطيار الإسرائيلي الرافض للخدمة فقد قال: "عندما سمعت حلوتس يتحدث تحطم شيء عميق في داخلي، لم أعد أنام في الليل ولست مستعدا لان أكون قاتلا لأُناس أبرياء".

لا أحد يجانب الحقيقة اذا قال ان مجموعة الطيارين الإسرائيليين الـ 28 الرافضة للخدمة قدمت بصيص امل للخروج من العتمة الدامسة. ولانها كذلك فسرعان ما تعرض الطيارون الشجعان لضغوط معنوية وسياسية من اجل كبحهم في المهد وعزل تأثيراتهم المحتملة، فقد قال الكاتب الإسرائيلي دان مرغليت في معاريف تحت عنوان "رموزنا تتحطم": "في هذه المرة ستأتيهم بطاقة التهنئة بالسنة الجديدة من عبد العزيز الرنتيسي".

مأثرة الطيارين إنهم أعلنوا رفض المشاركة في هجمات غير شرعية وغير أخلاقية لسببين، سبب إنساني، لان ضرب أهداف في قلب التجمعات البشرية "الأكثر كثافة سكانية في العالم" يمس بالمواطنين الأبرياء، لذا فان الطيارين غير مستعدين للمشاركة في عمل إجرامي يفتك بالأبرياء، وبالتالي فهم غير مستعدين لفقدان مبررهم الأخلاقي. إنهم يعتبرون قيام الطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف مدنية عملا غير شرعي وغير أخلاقي، وخاصة بعد ان أصبحت التصفيات روتينا إجراميا ضد المدنيين الفلسطينيين".

والسبب الثاني الذي يقف خلف موقف الطيارين هو رفض "الاحتلال المستمر الذي يفسد المجتمع الإسرائيلي برمته" يقول أحد الطيارين: نحن لسنا في حرب وجود، نحن في حرب على استمرار سلطة الاحتلال في الاراضي الفلسطينية، ويقول الطيار يونتان "لست مستعدا للطيران في سلاح جو هو سلاح احتلال" ان رفض الاحتلال والدعوة لانهائه هو المضمون السياسي للاحتجاج، وهو الرسالة السياسية التي وجهها الطيارون للمجتمع الإسرائيلي وللعالم، فأثاروا جلبة غير مسبوقة. بيد ان القيمة الاهم لتمرد مجموعة الطيارين، هي القيمة الاخلاقية فهؤلاء قدموا نموذجا اخلاقيا انسانيا مناقضا للنموذج اللاأخلاقي واللاانساني الذي قدمه قائد سلاح الجو حلوتس عندما قال "انه ينام مرتاح الضمير" رغم انه رأى بأم عينه صورا لاشلاء الاطفال الفلسطينيين المبعثرة فوق وتحت الركام المدمر.

رغم وجود هذه المضامين السياسية والاخلاقية في تمرد مجموعة الطيارين، فقد سارع كثيرون بالقول "ان هذا الموقف لا يسمن ولا يغني من جوع"، فما قيمة تمرد مجموعة صغيرة من بين الاف الطيارين، وما قيمة رفض مئات الجنود والضباط الخدمة العسكرية في الاراضي الفلسطينية المحتلة من بين عشرات آلاف الجنود؟ وما قيمة ان يتجرأ بعض الأكاديميين والصحافيين ودعاة حقوق الانسان على قول الحقيقة! ما قيمة هذه الفقاقيع المتناثرة طالما توجد اكثرية ساحقة من الإسرائيليين يلتفون حول حكومة اقصى اليمين العنصري.

نعم، ان تأثير هذه المجموعات ضعيف ومحدود، ويستطيع اي مراقب او متابع للوضع الاسرئيلي ان يرسم لوحة قاتمة تغص بالتعقيدات والتشوهات الاسرائيلية المرعبة والمخيفة، فهناك اكثرية إسرائيلية ساحقة تؤيد الحسم العسكري، فقد أيد 90% من الإسرائيليين عملية السور الواقي (احتلال المدن) وأيد مابين 70 -80% من الإسرائيليين التصفيات الجسدية ضد المقاومين الفلسطينيين، وكذلك أيدت الاكثرية الاسرئيلية قرار الحكومة بالتخلص من "العقبة التي يمثلها الرئيس عرفات"! والاخطر من ذلك، فان الاكثرية الاسرائيلية تؤيد المشروع السياسي لحكومة شارون الذي يجري تطبيقه على الارض من طرف واحد، ويستهدف السيطرة على أكثرمن نصف مساحة الضفة الغربية، وطرد المواطنين الفلسطينين من المناطق التي يجري الحاقها باسرائيل الى نصف الضفة الفلسطيني الآخر المطوق بجدار ضخم-سور الفصل العنصري - والذي سيتحول الى معتقل كبير للشعب الفلسطيني.

غير ان اللوحة السوداوية القاتمة، يتخللها احيانا ومضات واشارات، يمكن التقاطها والبناء عليها، خاصة اذا انطلقنا من حقيقة انه لايمكن لاحد قطبي الصراع ان يفرض الهزيمة الكاملة والاستسلام الكامل على القطب الاخر بعد مرورأكثرمن قرن على الصراع، وهذا ما تقوله الخبرة الاحدث للاحتلال الاميريكي في العراق. فالاحتلال الاميركي لم يحسم الصراع بل نقله الى طور جديد، واعادة احتلال المدن الفلسطينية فاقمت الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي ولم تؤد الى استسلام الشعب الفلسطيني، واذا كان لابد من حل ينهي الاحتلال، فان الحل السياسي يجب ان يمر بالضرورة بنقطة التقاء بين الشعب المنكوب بالاحتلال، وفئات متضررة متزايدة من الاحتلال في الخندق الاخر تلك الفئات التي تبدي قناعة بأن الاحتلال الاسرائيلي يفسد المجتمع الاسرائيلي. وهذا ما حدث عندما التقى الشعب الفيتنامي مع فئات متزايدة من الشعب الاميركي متضررة من الاحتلال الاميركي لفيتنام، وحدث ايضا عندما التقى الشعب الجزائري مع فئات من الشعب الفرنسي من الاحتلال الفرنسي، وكذلك حدث نفس الشيء في جنوب افريقيا، وفي الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي فان نموذج الطيارين، ورافضي الخدمة، ونساء بالاسود، ونشطاء حقوق الانسان، وكل الاسرائيلين الذين يرفضون الاحتلال او يكتشفون ان لهم مصلحة في انهاء الاحتلال، هؤلاء هم طلائع الفئات الاسرائيلية المتضررة فعلا من الاحتلال، والذي ينبغي العمل معهم تحت شعار الخلاص المشترك من الاحتلال.

ولكن للاسف، فالاهتمام الفلسطيني بالالتقاء مع رافضي الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، مازال ضعيفا ومشوشا، فالبعض يرفض ذلك من حيث المبدأ، والبعض يخاف ويخشى من تهمة اللقاء بالمعتدين، وكل إسرائيلي هو معتد، حتى لو ثبت العكس، والبعض لا يملك بوصلة التمييز بين رافضي الاحتلال وبين الاسرائيلين الذين يريدون تمويه الاحتلال، ويمارس دور المطبع مع الاحتلال ولكن يبقى التحدي الاكبر الذي يواجه النخب الفلسطينية الملتزمة بالمشروع الوطني، هو تقديم المبادرات، وفي مقدمة ذلك رفض توجه مقاتلينا نحو الاهداف المدنية الاسرائيلية، من أجل تعزيز قوة هذا المعسكر والتقاط مبادرات الطيارين ورافضي الخدمة وكل مبادرة اسرائيلية مناهضة لاحتلال الارض الفلسطينية والسيطرة على الشعب الفلسطيني.. والعمل على تأييدها ومساندتها.

(رام الله)

نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اطفال الشطرة يرسمون لغزة


.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا




.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ


.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت




.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا