الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى المبدع الذي سعى لاختزال المسرح

فاضل خليل

2007 / 8 / 10
الادب والفن


منذ التقينا صبية مسرح ، ندرس في صباحات بغداد ونعمل في مساءاتها مع الأسطوات في الفرق المسرحية الكبيرة . كنت أنا قد انتميت توا إلى فرقة المسرح الفني الحديث ، أما أنت فقد كنت واضحا في المسرح الشعبي لقد سبقتنا في التجربة ، تنتقل هنا وهناك : تقدم العروض المسرحية . مرة مخرجا في المركز الثقافي المسيحي ، لن أنسى )جان دارك( أو )المحرقة السعيدة( كما كان يحلو لك ان تسميها ، لقد كنت تشعر بالسعادة فيها والغبطة لمسيحيتك التي لم نكن نشعر بها ، لأننا كنا نشعر أن ديننا واحد . وأخرى ممثلا مع سامي عبد الحميد في الجمعية البغدادي . جيدا أتذكر أدوارك الصغيرة - الكبيرة ، فها أنت أمامي في مسرحية )في انتظار كودو( ومسرحية )في انتظار الموت( تقف ممثلا مع سامي عبد الحميد مخرجهما وروميو يوسف - الممثل الأقدم بالنسبة لنا - وأنت تقف بينهما بوجهك الـ baby face ، ابنا بارا لفرقة المسرح الشعبي يحتضنك كبيرها جعفر السعدي الذي كنا نغبطك لحبه الواضح لك ، نعم .. انه بالغ في حبك ، وكأننا نسينا بأن السعدي كان يحب الأبناء المؤدبين ، المشاكسين أحيانا ، وليس دائما كما كنا . أنا أقدر فرحته اليوم بلقائك واحتفائه أن يراك بين جنبات جنته - مع ثقتي أنه لم يكن تواقا لأن تذهب إليه مبكرا بهذه العجالة ، التي ستعذبه مثلما عذبتنا - . منذ اقتسمنا لقمة الهم والفن يا عوني ونحن سبايا وأبناء لعوائل متعففة ، ابتلوا بقصر غيرنا ورزق لا يسد الرمق ، وهذا كان واحدا من أسباب نضوجنا المبكر . هل أدركت لماذا كبرنا أسرع من الآخرين ؟ ذلك لأننا كنا آباء أنفسنا في بغداد البعيدة عن مدننا الصغيرة ، لا لشيء إلا لنترك آباءنا يهتمون بمن تركنا لهم من آخرين . الذي جعلنا نحمل هموم الكبار في كل شئ ، في الفن والحياة والعيشة ، وفي مقارعة الموت من الجوع وبقية مستلزمات الموت والوحدة وتبدلات الجو القاسية . فأنت قادم من موصل العراق وأنا من ميسانه . لكنا ورغم عذاباتنا الكبيرة تلك ، عوضها لنا تعلقنا بالفن وبالناس ، كنا صغارا نخاف فنخفي حتى أفكارنا ، رغم التصاق تلك الأفكار بنا وملاحقتها لنا كالظل تلاحقنا ، ولــــــم يمنع ذلك من أننا قد بدلنا ثياب حقيقتنا أحيانا . فرحون كنا ، حين كنيت دفعتكم في أكاديمية الفنون الجميلة ، بدورة عوني وهاني هاني وقائد النعماني وآخرون بينهم من كان أقل أهمية ، ودورتنا التي كنيت بنا : الفاضلان سوداني وأنا ولطيف وخليل وغازي وآخرون أيضا بذات الأهمية أو أقل قليلا . أتذكر أيها المسرع بالرحيل : كيف كنا نتحايل على الأساتذة المفيدين ؟ وكيف كنا نزج أنفسنا بينهم كي نتعلم أسرع ، ولو اضطرنا ذلك إلى التنازل عن البعض من قناعاتنا . أتذكر يا عوني ، يوم ازدحمت قاعات العرض ببغداد بالعروض السهلة ؟ أنا واثق انك لن تنسى تلك الأيام التي كرهناها . أردت أنت أن تعيد تجربة تقديم النص الشعبي الذي يختزل كل المسرح الذي نريده مع الجمهور ، في حكايته الشعبية الراقية التي تحمل حكاية شعب وآلام شعب . حين أقدمت على إخراج مسرحية )بير وشناشيل( لكاتبها عباس الحربي ، ولم أكن وقتها ممثلا ضمن مجموعة الممثلين ، لسبب بسيط هو : إنني كنت عضوا في فرقة المسرح الحديث ، والمسرحية كانت لفرقة المسرح الشعبي ، ولم تكن وقتها قد أخذت لي إذنا بالعمل فيها من فرقتي ليس اكثر . إلا أن الظروف شاءت أن يودع السجن جواد الشكرجي - ممثل الدور الرئيسي الذي مثلته أنا بدلا عنه - طيلة تمتعه بإجازة السجن لمخالفته التعليمات العسكرية وقتها . فطلبت مني تمثيل الدور لحين خروج الشكرجي من سجنه ، وافقت على الفور وكان لنا أن نلتقي.
أتذكر انك حين أردت أن تعطي العمل فرصة إعلامية بإشعار الجمهور بها- رحنا واتفقنا مع شركة إعلان تلفازيه، على أن نعرف بأن الإعلان كان مكلفا جدا ، خصوصا حين يكون وقت عرضه في أوقات العرض التلفزيوني الممتازة . وصورنا الإعلان مع خوفك الكبير من الانزلاق بالتهم الاستهلاكية فندرج في قائمة المسارح التجارية السائدة ، مما جعلك تختار أكثر المشاهد هما ونكدا . حتى إننا ضحكنا كثيرا و(نصبنا) كثيرا على الإعلان وعلى انفسنا وحينها قلت لك : يا عوني لنصنع من هذا الإعلان كاسيتا للفواتح التي تقام على أرواح الموتى . تصور .. الموتى .. الموتى .. الموتى يا عوني .. الآن .. أدركت أني غير متوازن .. فاسمح لي أن أذهب .. كي أصنع إعلانا .. عن .. مو.. ت.. ت.. موت .. موت من ؟؟؟ دعني أذهب كي أمنح نفسي فرصة التصديق .. ثم أعود .سيأتي اليوم الذي سأصدق فيه انك بيننا وانك لم تغادرنا إلى المنافي التي اماتتك في حب العراق كما وصفه الشاعر عدنان الصائغ
(العراق الذي يبتعد كلما اتسعت في المنافي خطاه .
والعراق الذي يتئد ، كلما انفتحت نصف نافذة قلت آه ..
والعراق الذي نصف تاريخه عيون وكحـــــل ، ونصف طغاه).

(*) في حزيران /يونيو 2006م – رحل عنا المسرحي الكبير د.عوني كرومي ، استلمت هذه الرسالة بعد وفاته بأكثر من شهر ، ويبدو أنها كانت محفوظة في ملفات الكومبيوتر ، أدركتها السيدة أم حيدر – زوجة عوني كرومي – فأرسلتها ، إلي عن قصد لأنها ربما آخر الرسائل التي كتبها ، ولم يرسلها ، أول قل ان سوء حالته الصحية قبل موته بأيام ، ولم تعطهم الفرصة لإرسالها فجاءت بعد موته . وبعد ان كتبت
الرسالة
الأخ والصديق العزيز والقريب إلى القلب والروح فاضل
اسمح لي ان أخبرك بهذه الحقيقة وهي إنني مثل أي متخلف اترك أمور الرد على الرسائل إلى أم حيدر أم اليوم فانا مذنب وأود ان اعترف بذلك كيف حالك أيها العزيز أنت دائما على البال ونتذكرك بكل خير أنا وأبو سلام ونتكلم عنك بكل خير ومودة اعرف ان الأمل اليوم في اللقاء بك أصبح أصعب من الصعب ذاته والألم والحزن يشمل كل وجودي وحياتي أنا حزين لكل ما يحدث كنت كل يوم احلم بالعودة واحزم حقائبي وانهي كل معلقاتي وأكثر من مرة أصل إلي المطار أو محطة الباص في القاهرة ودمشق ولكن القدر اكبر مني, أتراجع ,أنا اعرف جيدا أن سلطة الخوف هي التي تمنعني ماذا افعل كم أتمني أن التقي بك أيها العزيز أولا وكم أمل ان أعود إلى كل الأحبة والط! يبين أن ثقتي كبيرة كبر هذا الكون وان الذي يحدث لايمكن أن يكون حقيقة أنهم يسرقون زماننا ويدمرون روحنا وذاكرتنا
عزيزي فاضل
سقطت زهورنا في النبع الذي كنا نبحث فيه عن وجوهنا
متعب من الترحال والفراق والغربة ومجهد من الألم
أريد أن احتضنك يا فاضل يا عزيز ولو لمرة واحدة كي اطفي ء الحنين
في الدقات البطيئة لقلبي المجهد اسمع صوت العراق يناديني
يا ترى هل سنعود يوما
إنني ابكي بحرقة هل ترى في العتمة بصيص أمل..نور
هل سنغرف من نبع حب العراق يوما ؟؟؟
عندما أغمض عيوني في العتمة أرى العراق الجميل الذي اعرف
أرى عينك يا فاضل, تندفع إلى بوابة قلبي
أنا ابحث عن وطن يحتويني عن قلب
فلقد أجهدني الترحال
أنا لازلت انتظر اليوم أيضا مثلما كنت قبل سنين على أمل ان يلوح في الأفق ؟؟؟
أم أن كل شي قد انتهى, أنا أصبو ولكنني لا اقدر, كيف سينتهي كل شي, أنا أصبو, أنا احلم ففي الكون الذي أنا فيه يعجز الإنسان عن تحقيق أي شي أو أنا الآن أعلن عن عجزي
لهذا اليوم اكتفي بهذا الحد على أمل أن نتواصل في المستقبل فلقد اخذ الحزن يطفوا على رسالتي لك
تحياتي القلبية لك والى العائلة وجميع الأصدقاء والطلبة والمعارف المشتركين انك دائما معي حتى لو لم اكتب أيها العزيز اقبل مودتي وحبي
عوني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ