الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصفور في الجنة

أمينة أمسلوات

2007 / 8 / 10
الادب والفن


الطفل " أنس"، مهما كان ،مشاغبا، مشاكسا ، وذكيا لم يهضم هذا الذي تقولونه. كل الذي يدريه أنه أكل من الكسكس الأصفرالمطبوخ
بالحمص حتى انتفخ بطنه ،ومع شياطين في مثل سنه،لعب وقفز في
الفناء ما شاء الله أن يفعل . وفجأة كمن تذكر شيئا ،جرى إلى المطبخ
أشار إلى الكرسي المتحرك القابع هناك في صمت وحزن ... يسأل
عن صاحبه الذي لم يسمع له حس ولا حركة في ذلك اليوم الصيفي
الحارق ،قيلت له كلمات ، لم يع منها سوى أن الطفل المريض رحلوه.
سأل أنس في براءة الطفولة ، أين أين ؟ متى ؟ وفي أي وقت سيعود؟
لما قلتم له عبارة قصيرة انتحب ، شهق، أحس، أ ن العبارة بها رائحة معنى غير مرغوب فيه. رآكم من خلال دموعه المنهمرة
على خديه الطريين ، تتبادلون النظرات. تنبهتم إلى أن الأمور
تتعقد ،وكأس الحليب الدافئ يرتعش بين كفيه . أسئلة كأشعة نجمتين
تطل من عينيه الصغيرتين . قلتم له بأنه سيعود.فهم ما رحلوه إلا
ليعالج في بلاد بعيدة. وسيرجع بصحة جيدة.
بلع أنس ريقه .تجرع الحليب الدافئ دفعة واحدة . خرج رفقة أمه ،
وهو لا يفهم لماذا كانت تأمره أن يكف عن الأسئلة . ومنذ تلك
العشية صار ينتظر عودة ابن ا لجيران الصغيرالمريض ،الغائب،
يتخيله ماشيا على قدميه ،داخلا التجزئة ببذلة رياضية وحذاء خفيف. ومنذ تلك العشية كلما صادف فردا من الأسرة الجارة في الطريق يسأل : " هل عاد؟ " .
أحيانا يطرق ، يسأل . يصاب بخيبة أمل. وهو يتلقى نفس الإجابة :
" أيوب ؟اا لم يعد بعد " .
أو يهمهمون بشيء. ويتركونه في حيرة من أمره ...
الشهور تمر وأيوب لم يعد ، ودموع الأم تنحدر شلالا كلماذكرت
بأنه رحل دون أن تناغيه كعادتها ، ودون أن تسمع صوته قبل
أن يرحلوه ... فقد كانت مسافرة وهي في طريق العودة ،كان هو
يغادر . وكانت أخته الوسطى التي أشرفت طويلا على رعايته والعناية به في حضور الأم وفي غيابها ، هي أول من أصيبت
بهستيريا البكاء لما كانوا يودعونه .
والسنة تلي أختهاوأيوب لم يعد.
وأنس طفل الأمس،نلمحه اليوم شابا يافعا لم يعد للسؤال.
يبتسم من سذاجته وقتها،ومن خداعهم له لفترة من الزمن ااا
لقد فهم بأنه لم يرحل لنزهة ... ولم يرحل لزاوية سيدي الزوين
كي يعود حاملا لستين حزب حفظا وفهما ...
ولم يرحل ليعالج في مستشفى راقية بعيدة ،كما أوهموه في الأيام
الخوالي ، أيوب الصغير رحل عن هذه الدنيا بكل بساطة،بحثا عن راحة، وفرارا من سخافات الدكاترة ... والممرضين ... والفقهاء،
وعلب الأدوية المرة ، وقطع " بومبغس" . وحماقات الراديوهات
... والسكانير ... وكل تفاهات هذه الحياة اللعوب... هجرها مبكرا.
ولأنه هجرها صغيرا ... مريضا... طيبا... مسالما... لم يضرب
بيد ولارجل ، هو الآن عصفور جنة .
عصفور جنة بلا ريب، وأنس منذ زمن ، بكل تأكيد فهم ذلك جيدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان