الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابتزاز العمائم للمبدعين

هويدا طه

2007 / 8 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لماذا يغضب البعض عندما يقول البعض الآخر أن مجتمعاتنا العربية كافة هي مجتمعات متخلفة؟ هل يظنون مثلا- وبعض الظن إثم- أننا قوم متقدمون؟! ليس حمية ً أو ولاءً أو دفاعا واجباً أو زوداً عن الحياض ذلك الغضب اللامعقول من القول بأن.. كل من مجتمعاتنا العربية هو مجتمع آسن متخلف فكريا وحضاريا وثقافيا! ما هو- في أغلب الحالات- إلا مزيد من الإمعان في التخلف ودفنا للرؤوس في الرمال، والاتهام الجاهز لكل القائلين بتخلفنا بأنهم يتعاملون بترفع وفوقية على مجتمعهم هو اتهام (بايخ)!.. لا يصب إلا في هذه المحاولة المستميتة للاستمرار على الجمود وعدم الرغبة في الانتفاض على هذا الثبات المعادي للتقدم.. التقدم الزمني حتى! أحد أهم مظاهر هذا (العداء) لكل من يريد الانتفاض على تخلفنا هو ذلك (الابتزاز) الذي يمارسه المشايخ والمعممون.. ضد الفنانين والشعراء والمبدعين والعلماء (العلماء الحقيقيون.. علماء الدنيا!) والكتاب والنقاد الذين يتجرؤون على الخروج من الحظيرة! حظيرة ذلك (الوهم) الذي يسمونه تارة (التقاليد) وتارة أخرى (القيم الراسخة) وتارة ثالثة ورابعة وعاشرة يسمونه (ثوابتنا)! لا أعرف لماذا هذا التمسك اللامعقول بتلك القيم والتقاليد إذا ثبت مع الزمن أنها قيم متهالكة بالية مهترئة؟ ولماذا في كل مرة يتلبس هذا الاهتراء بلباس الدين- والدين في أغلب الحالات هو منه براء؟! هذا الاعتصام بالدين في كل صغيرة وكبيرة ليس إلا سيفا مسلطا وأداة لممارسة (الابتزاز) الذي يمارس دوما ضد كل مبدع في هذه الدار! الإبداع في كل المجالات كان وسيظل دوما طريقا للخلاص من التخلف.. وهو حالة إنسانية بطبيعتها متمردة.. وبطبيعتها أيضا معادية للثبات.. حتى لو توارى هذا الثبات الكريه وراء الدين اعتصاما أو تهديدا أو ابتزازا! بالطبع يدفع هؤلاء المبدعون المتمردون ثمن تمردهم لأن من يمارس الابتزاز ضدهم خاصة من المشايخ والمعممين يلقون رضا مبينا من الغوغاء! لعل أحدث الأمثلة- وربما ليس آخرها طالما استمر نهج الابتزاز الديني ضد المبدعين- هو حالة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، إذ قام أحد المعممين برفع دعوى قضائية ضده.. لأنه سمح بنشر قصيدة رأى هذا المعمم أنها مسيئة للدين (وبالمرة.. رآها فرصة للظهور والشهرة والكسب.. يعني الابتزاز!).. هذا المعمم هو واحد من المشايخ المشهورين في مصر بممارسة الابتزاز الديني ضد المبدعين، ولعل ذلك الابتزاز هو أحد أهم مصادر دخله في هذا المجتمع المتخلف! برنامج (العاشرة مساء) استضاف الشاعر (المتهم) سبعيني العمر.. الشاعر الذي حكمت المحكمة بالحجز على أثاث بيته وهجمت الشرطة على منزله وتم تقدير مفروشاته فجاءت قيمتها أقل من مبلغ التعويض المطلوب (لمداواة جرح الشيخ)!.. الشيخ الذي (تألم) بسبب ما رآه في القصيدة من إساءة للدين فطلب لنفسه بالنيابة عن كل المسلمين.. تعويضاً! المحكمة ربما استجابت لآلام الشيخ.. ليس إلا لأنها محكمة في مجتمع متخلف وقولوا عني في ذلك ما تشاءون.. نحن نعيش في مجتمع متخلف! دار النقاش في الحلقة حول نقاط كثيرة الدعوى القضائية إحداها! قرأ الشاعر بعضا من مقاله الذي رد به على صاحب العمامة فرفع الأخير ضده دعوى تتهمه بالسب والقذف في هذا المقال، دافع عن نفسه والقضية ما زالت قائمة فهناك استئناف والفضاء ما زال لم يقل بعد كلمته الأخيرة، لكن من سيسمع؟! نحن في مصر نعوم فوق بركة آسنة من الغوغائية والابتزاز المستديم للمبدعين، ربما ينجو أو لا ينجو الشاعر سبعيني العمر من تلك القضية.. لكن المناخ ما زال ملبدا بتلك العمائم! والأدهى أنك حين تنتقدها تجد من يتهمك إما بالكفر أو (بالترفع) على مجتمعك! يا سادة من المعلوم في التاريخ بالضرورة أن هكذا مجتمع ينبغي الترفع عليه!.. ولو من باب الأمل أن يأتي يوم تنقشع عن سمائه عمائم الابتزاز! هل هو مجتمع متقدم ذلك المجتمع المهووس بالفتاوى؟ حتى أن أحدهم أفتى فتواه الشهيرة بإمكانية أن ترضع المرأة العاملة زملاءها في العمل حتى يحرمون عليها؟! صحيح أن الفتوى التي اشتهرت باسم (فتوى إرضاع الكبير) هوجمت حتى من قبل المتدينين والمشايخ الآخرين بسبب غلوائها في التخلف.. وصارت مصدرا لإبداع النكات حتى صرنا أنا وزميلاتي في العمل نحصي من سنرضعهم وبمن سنبدأ! وهل يجوز الانتقاء؟ وما رأي المفتي إذا انتهى الحليب من أثدائنا؟! هل يرفع الحرج حينها بالضرورة؟! أنا عن نفسي لا أريد إرضاع زميل ثقيل الظل! كانت فضيحة! فضيحة حضارية دلالتها أن الهوس بالفتاوى صار خبزا يوميا في مصر! عودة للشاعر في لقاءه على الهواء مباشرة مع برنامج العاشرة مساء.. حكى الرجل عن تجربته مع (تغيير الأفكار) مع مرور السنين.. وهذه حالة ربما نتحدث عنها في مقال آخر.. لكنه بدا صامدا.. فماذا يملك مبدع في مجتمع متخلف إلا الصمود؟ حتى لو وصل الأمر إلى الحجز بأمر من المحكمة على سريره ومكتبه وأواني مطبخه وحتى ألبوم صور عائلته! لأجل ماذا؟! لأجل تعويض مالي نقدي لمن تألم بسبب قصيدة كتبها أو سمح بنشرها الشاعر المحجوز عليه؟! ويغضب البعض إن قلنا نحن نعيش في مجتمع متخلف! حسنا.. مجتمعكم متقدم! تقدمكم مبين! تحضركم عظيم! لستم في حاجة لنقد البلهاء المترفعين! اثبتوا هنا.. لا عليكم! هذا أبو العلاء المعري يقولها: " ولما رأيتُ الجهلَ في الناس ِ فاشياً.. تجاهلتُ حتى ظُنَ أني جاَهِلُ..... فوا عجباً كم يدعي الفضلَ نَاقِصٌ.. و وأسفاً كم يُظهرُ النقصَ فاضلُ"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر