الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يعامل الدماغ مؤثرات الاختيار والمفاضلة (1)

نبيل حاجي نائف

2007 / 8 / 10
الطب , والعلوم


"أنا حر". الجميع يقولون هذا وهم يؤمنون وواثقون أنهم أحرار، ويشعرون أن لهم إرادة حرة. فهل هم أحرار فعلاً؟ وما مدى حريتهم؟
إن كل منا يشعر أنه حر وهو متأكد من ذلك فهو يشعر بحريته فى اتخاذ القرارات، وهذا ما يؤكد له أنه حر، والشعور لا يكذب ولا يناقش. ولكن نتيجة الملاحظة والتجربة والمعارف التى تكوٌّنت، ونتيجة المحاكمات الفكرية الدقيقة، يصل الكثيرون إلى أن حريتنا مشروطة بكثير من العوامل الداخلية والخارجية، وحكم هؤلاء فى رأيى أعلى دقة من ناحية انطباقه على الواقع الموضوعى العام. فالإحساس والشعور الذاتى هو مطلق الصحة بالنسبة لصاحبه وهو مرتبط به، وليس ضرورياً أن يشعر الآخرين بشعوره. لذلك الحكم العام الذى يقول أن الناس ليسوا أحرار فى تصرفاتهم هو أدق وأعلى صحة من الحكم بأن الناس أحرار فى ما يريدون أن يفعلوا أو يتصرفوا أو حتى فيما يفكروا. فيمكن التنبؤ بدرجة صحة عالية بتصرفاتهم، إذا قمنا بدراسة خصائصهم ودوافعهم وظروفهم، وهذا ينفى حريتهم بدرجة كبيرة. ولكن يظل حكم كل منا، بأنه حر هو حكم صحيح بالنسبة له لأن الشعور الذاتى يصعب تكذيبه.
ما هو مفهوم الحرية؟
إن هذا المفهوم، ومفهوم الوجود، ومفهوم السببية، وبعض المفاهيم القليلة الأخرى شغلت فكر كافة البشر. ومفهوم الحرية تشكل لدى الإنسان نتيجة الحياة الاجتماعية المتطورة، وهو نتيجة تفكيره المتطور الذى يعتمد السببية، ونتيجة امتلاكه لغة متطورة.
فمفهوم الحرية يعتمد على الإرادة التى هى استجابة وفعل يقوم به الإنسان، وكذلك تملك كافة الكائنات الحية المتطورة الإرادة، ولكنها لا تملك مفهوم الحرية. فالشعور بالحرية أو الشعور بالقدرة على التعامل مع الخيارات المختلفة والاختيار الإرادى لأحدها، تجعل الإنسان يشعر بأنه حر عند ممارسته لإرادته فى اختيار أحد الخيارات من بين خيارات كثيرة متاحة له. لذلك يصعب إقناع الإنسان بأنه غير حر، لأنه يحس ويشعر أنه حر، والأحاسيس يصعب تكذيبها. ولكن هل الإنسان حر فعلاٌ؟
إننا إذا درسنا غالبية خصائص إنسان معين، خصائصه الفزيولوجية والنفسية والفكرية، ودوافعه ورغباته، ودرسنا العناصر والأوضاع والظروف المادية والاجتماعية والثقافية.. الموجود فيها فعلى الأغلب نستطيع التنبؤ بغالبية استجاباته وتصرفاته، ونجدها ناتجة عن العناصر والظروف الموجودة. وهذا يعنى أننا إذا وسعنا دائرة العناصر والتفاعلات، فإننا نجد أن تعامل هذا الإنسان مع الخيارات محكوم بالعناصر والظروف الموجودة، أى إن إرادته موجهة وتابعة لمحصلة تلك العناصر والظروف الداخلية والخارجية الموجودة.
الإرادة والتعامل مع الخيارات
إن أساس الذكاء أو التفكير وكذلك الإدارة والقيادة هو التعامل مع الخيارات و لقد قيل: "ان الذكاء هو انتقاء البديل الأمثل من ضمن عدة بدائل "خيارات" ممكنة فى ضوء الغايات المحددة والمعايير المقررة سلفاً". وهذا معناه أن أساس التفكير هو التعامل مع الخيارات المتاحة لتحقيق هدف معين، وأبسط أنواع التعامل مع الخيارات هو التعامل مع خيارين فقط: موجود- غير موجود، صح -خطأ، فعل - لا فعل، مفيد- ضار ، أكبر- أصغر، قبل - بعد، نعم - لا، تريد -لا تريد، فوق - تحت، يمين - يسار، أمام - خلف، خير - شر ......الخ فى هذه الحالات هناك دوماً تعامل مع خيارين فقط، يتم اختيار أحدهم، أو تعيين أحدهم، أو تمييز أحدهم. فالعقل البشرى يتعامل مع خيارين بفاعلية عالية، ويستعمل هذه الآلية البسيطة فى كافة تعاملاته مع الخيارات الكثيرة والمعقدة والمتداخلة، وذلك بإرجاعها إلى خيارين فقط يتم تمييز أحدهم عن الآخر، ولإجراء التمييز لابد من المقارنة والقياس ثم الحكم وإصدار القرار. والكمبيوتر يحاكى العقل البشرى فى آلية عمله الأساسية، وهى التعامل مع خيارين فقط، وبالتالى إرجاع كافة الخيارات الكثيرة والمعقدة إلى خيارين فقط: مفتوح ومغلق أو صفر وواحد . فإذا اعتبرنا أن التفكير هو: التعامل مع الخيارات ومعالجتها - قياسها ومقارنتها وتقييمها - والحكم عليها ثم القيام بالاختيار بناء على ذلك. نجد أن النبات يفكر، ففى حالة اختياره لنمو الساق نحو الأعلى - الضوء - واتجاه الجذور نحو الأسفل، أى يقوم بالتفكير، وهو مجهز لهذا الاختيار، وكذلك يقوم النبات بالإزهار أو عدمه بناء على التعامل مع الخيارات المتاحة- شمس وهواء وماء وغذاء -.
فالاختيار بين وضعين أو أكثر هو أساس التفكير، وهو موجود عند النباتات والحيوانات، ونحن إذ نعتمد ذلك يتوضح مفهوم التفكير بشكل أفضل و يتيح لنا بناء أحكام وتنبؤات أعلى دقة.
فنحن نربط بين التفكير والوعى والإدراك، ونرتكز فى بنائنا لمفهوم التفكير على طريقة تفكيرنا نحن. وتفكيرنا واسع ومعقد ومتداخل مع الشعور والوعى وآليات عصبية نفسية متطورة.
أى نحن نستخدم مفهوم التفكير بشكل غير واضح وغير مكمم بشكل دقيق، لذلك لا يتضح لنا التفكير لدى النبات أو لدى بنية الحياة مع أنه موجود ومتطور،لأننا نعتمد تفكيرنا فقط كمرجع لمفهوم التفكير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئاسة السورية تعلن إصابة السيدة الأولى أسماء الأسد بسرطان


.. الطواقم الطبية عاجزة عن انتشال جثامين فلسطينيين سقطوا خلال ا




.. تسلل البكتيريا الضارة إلى جسم الإنسان يصيبه بالأمراض والأوبئ


.. من مصر.. صالونات الحلاقة.. بيئة خصبة لنقل البكتيريا إذا أهمل




.. الهواتف الذكية أحدثت تحولا كبيرا في مجال الكوارث والإسعاف