الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض المثلث ... اسود

نزار حيدر

2003 / 10 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

سماه صدام حسين المعزول ،هذا الذي بات يعرف اليوم بالمثلث السني ، المحافظات البيضاء تمييزا لها عن المحافظات الأربعة عشر التي انتفضت ضده في العام 1991 إبان حرب تحرير الجارة الشقيقة الكويت ، والتي أطلق عليها النظام السابق اسم المحافظات السوداء .
وأنا اسميه بالمثلث الأسود ، لان من يمارس القتل والتخريب ويزرع الموت والدمار ويرعب الأبرياء والآمنين ويوظف العنف والإرهاب في هذه المنطقة ، لا ينطلق من كونه سنيا أو حتى مسلما ، وإنما هي زمر صغيرة كانت المستفيدة الوحيدة من سلطة نظام صدام حسين المقبور ، ماديا ومعنويا ، فلما انتهى عهده شعرت أنها خسرت كل شئ وفقدت كل الامتيازات ، وهي تحاول بأعمالها التخريبية أن تثبت وجودها وتشعر الحلفاء بأهميتها لعلها تستطيع أن تفتح قنوات اتصال للحوار معهم ، تعيد من خلاله مكانتها وموقعها المناسب في النظام الجديد إلى سابق عهدها كأمر واقع .
في البدء تسترت بشعار مقاومة الاحتلال فبرر لها البعض أعمالها ، وعندما بدأت تستهدف محطات الكهرباء والماء وأنابيب ضخ البترول وعناصر الشرطة العراقية والمراكز الشعبية المأهولة بالسكان ودور السينما والمساجد والمراقد المقدسة وعدد من الشخصيات العراقية كان من أبرزهم الشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم ، بهت هذا البعض واسقط في يده ، إذ لا يعقل أن يوصف من يفجر سيارة مفخخة في حي شعبي بأنه مقاوم أبدا ، كما انه من غير المعقول اعتبار المسجد هدفا اميركيا ينبغي الهجوم عليه لطرد الاحتلال من العراق ، ومع ذلك فلازالت فضائيات العربان تسميها مقاومة ، تلك التي سكتت عن جرائم النظام السابق ، فهي إذ تخصص كامل الوقت لمجهولين ملثمين تعرضهم على شاشاتها كمقاومين يتحدثون عن خططهم البطولية لطرد المحتل من البلاد ، لم تخصص إلا ثوان معدودة للحديث عن المقابر الجماعية والدمار الهائل والسجون الرهيبة التي خلفها سيدهم صدام حسين ، الرمز القومي والبطل العربي والقائد الضرورة المتخفي الآن بلباس النساء والهائم على وجهه في الصحراء والذي يبيت ليلته في حضيرة رفاقه من الحيوانات كما يتناقل العراقيون هذه الأيام .
إن أية رصاصة يطلقها اليوم ـ مقاوم ـ في العراق ، هي بمثابة مقاومة ضد سيادة العراق ، وان المستفيد الأول منها هو الاحتلال الذي يسوقها كدليل على ضرورة بقائه في العراق ، كما أن اكبر المتضررين منها هو الشعب العراقي ، لان الرصاصة في هذه الحالة تعرقل استتباب الأمن الأهلي ، وهي بالتالي تعرقل عملية إعادة البناء  وكذلك عملية نقل السلطة إلى العراقيين وإقامة مؤسسات النظام الجديد ، ما يعني كل ذلك استمرار الاحتلال .
إن العراقيين لم يستنفدوا بعد سبل المقاومة السلمية وأساليب التحدي الايجابي للاحتلال ، فلازالوا يعتقدون أن هنالك فسحة من العمل يمكنهم ممارسته لتقليص مدته ، ولذلك عارضوا كل أنواع العمل المسلح وممارسة العنف .
إن من يطلق الرصاص اليوم في العراق فئات معزولة فشلت في توسيع رقعة نشاطها التخريبي بالرغم من مرور أكثر من أربعة اشهر ، إذ لازال نشاطها محصورا فيما يسمى بالمثلث السني لأنها فشلت في كسب التأييد الشرعي والوطني والواقعي لنشاطها التخريبي ، إنها فشلت في الحصول على أي غطاء لتبرير ما تقوم به ، وان كانت قد نجحت في نشر الرعب والموت وافق الدم الأحمر في الاتجاهات الأربعة .
إنها أقلية معزولة لا تمثل العراقيين أبدا ، مهما حاول المغرضون والمتصيدون بالماء العكر النفخ في نارهم وتضخيم أعمالهم ، فلقد استنكر أعمالهم علماء المسلمين في العراق ـ سنة وشيعة ـ كما استهجنتها كل الأحزاب السياسية العراقية بكل مشاربها وتوجهاتها الفكرية .
كذلك رفضها الشارع العراقي بكل شرائحه ، بالرغم من الدعم الإعلامي الهائل الذي تتلقاه هذه الزمر المخربة والإرهابية من إعلام العربان سئ الصيت .
هذا يعني أن هذه الزمر لا تصغي لا إلى رأي الشرع ولا إلى رأي الشارع كما أنها لا تصغي إلى صوت العقل والضمير والمصلحة العليا ، فمن أين تستمد موقفها ومشروعيتها إذن سوى أن تكون نفوس مريضة استسلمت للشيطان ؟
ترى لماذا لا يحترم إعلام العربان رأي الأغلبية الساحقة من العراقيين والرافضة لهذا النهج الدموي وتتبنى موقف زمر نكرة عندما تعلن مسؤوليتها عن هذه الأعمال ؟
 أين الديمقراطية في التعامل الإعلامي مع القضايا والأحداث إذن ؟
لقد قال العراقيون كلمتهم في الاحتلال في أكثر من مناسبة ، فاتفقوا على المقاومة السلمية والايجابية لحين تهيئة الأرضية المناسبة والمطلوبة والحقيقية لإنهائه ، وسيذهب العراقيون إلى أكثر من ذلك عندما يشعرون بان الاحتلال بدا بالفعل في عرقلة نقل السلطة إليهم من خلال وضع العصي في عجلة العملية الدستورية مثلا أو أية خطوة استراتيجية أخرى تسبق عودة السيادة .
إن الحالة تشبه إلى حد بعيد حالة العراق إبان الاحتلال البريطاني للعراق في العام 1917 ، فوقتها لم تستعجل المرجعيات الدينية قرار الكفاح المسلح إلا بعد أن استنفدت كل الخيارات السلمية ، ولذلك امتد الاحتلال ثلاث سنوات قبل أن تجيز المرجعية آنئذ ممثلة بالإمام المجدد الشيخ محمد تقي الشيرازي للعراقيين استخدام القوة للحصول على حقوقهم من المحتل ـ بريطانيا العظمى آنذاك ـ .
ترى لماذا يستعجلون العراقيين ؟ وبلادهم تتربص بها قوى ناهبة ووحوش ضارية أبرزها عصابات القتل والإرهاب ؟
 إن المستعجل على رؤية العراق خارجا من سلطة الاحتلال ، عليه أن يمكن العراقيين من إتمام المهام الاستراتيجية المطلوبة لنقل السيادة والسلطة إليهم ، أما أن يعرقل مهام الاميركيين في العراق ، فهذا يعني عرقلة صريحة لعملية إعادة البناء وعلى مختلف الأصعدة ومنها الصعيد السيادي والسياسي .
كان بامكان هؤلاء الذين يدعون المقاومة تعبئة الشارع العراقي سياسيا وإعلاميا لصالح مشروعهم ألتغييري الرامي إلى طرد الاحتلال أو ينفذوا عصيانا مدنيا شاملا مثلا قبل أن يختاروا الرصاصة ، لنتأكد من أن هذا الشارع بالفعل يعارض الاحتلال على طريقتهم ، ولكننا لم نسمع حتى الان أن تنظيما حقيقيا معروفا أعلن مسؤوليته عن تنفيذ أية عملية مقاومة مزعومة ، فكل الذين شاهدناهم على شاشات العربان نكرات لم نسمع عنهم من قبل أو إرهابيون متسللون من وراء الحدود .
أين كانت هذه الزمر يوم كان نظام صدام حسين المقبور يقتل الإنسان العراقي على الظنة ويعدمه على الشبهة ؟ حتى ملا ارض العراق بالمقابر الجماعية ؟
لقد ظلت هذه الزمر معزولة في مناطق ضيقة ومحصورة بالرغم من كل محاولات التوسع والانتشار في مناطق العراق المختلفة ، وهذا اكبر دليل وانصع برهان على رفض الشارع العراقي لأسلوبها المستهجن والذي رفضه حتى علماء وعشائر ووجهاء وأحزاب محافظات الموصل والرمادي وصلاح الدين ومدن الفلوجة وتكريت وغيرها .
لقد حاولت هذه الزمر أن تثير الفتنة الطائفية بين العراقيين بعد أن فشلت في جر الشارع العراقي وراءها وتبني اسلوبها الإرهابي المدمر ، فراحت وبشكل مفضوح وخسيس تزرع القنابل والمتفجرات في مساجد الشيعة تارة وفي مساجد السنة تارة أخرى والهجوم على صلوات المسلمين تارة ثالثة ، مما أدى إلى مقتل وجرح عدد من الأبرياء ، إلا أن وعي العراقيين هذه المرة كذلك كان لهم بالمرصاد مما أدى إلى إفشال خطتهم وفضح أسلوبهم الرخيص ونزع القناع عن وجوههم وتعريتهم أمام الملا ، فبدلا من أن تؤدي أعمالهم الإجرامية إلى إشعال فتيل الصراع الطائفي ، التحم المسلمون واتحد المصلون في صلواتهم المشتركة لنشهد الملايين من السنة والشيعة يؤدون صلوات الجمعة المشتركة في شوارع بغداد والكاظمية والاعظمية وغيرها .
ترى هل أن هنالك دليل انصع من هذا على فشل هذه الزمر الإرهابية وعزلتها في المجتمع العراقي؟
ويبقى إعلام العربان يصر على موقفه مع كل دليل جديد .
إنهم يريدون عرقلة كل ما من شانه استقرار العراق وعودة سيادته وسلطته إلى أبنائه ، ولذلك فهم مع الاحتلال يخدمونه مع سبق الإصرار ، لأنهم يعرفون جيدا أن الاحتلال سوف لن يلملم أغراضه ويجمع معداته ويطوي أجندته ويرحل عن العراق بإطلاق رصاصة طائشة هنا أو زرع قنبلة هناك ، إنما سيرحل فقط عندما يثبت العراقيون اتحادهم وصحة أجندتهم وإصرارهم وعزيمتهم على الاعتماد على أنفسهم من خلال مشروعهم السياسي المستقل ، وكل هذا بحاجة إلى الحكمة والتاني والصبر والتعاون بعيدا عن القتل والعنف والإرهاب والاثارات اللامسؤولة .

[email protected]

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة