الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين العقلاني

مهدي النجار

2007 / 8 / 11
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



تأليف/ مصطفى ملكيان
ترجمة/ عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف
منشورات/ مركز دراسات فلسفة الدين- بغداد
عرض:مهدي النجار
عن سلسلة كتاب الشهرية التي يصدرها مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد نطالع كتاب "التدين العقلاني" للمفكر الايراني المتنور مصطفى ملكيان، يبحث فيه الكاتب عن فهم جديد للدين يتسم بالعقلانية، وفحوى البحث انه يدرس الدين دراسة خارجية أي من خارج الدين وليس من داخله ويستنتج في مقدمة بحثه بعض السمات أو المميزات للدين العقلاني أو للتعقل الديني، وهي سمات عامة توخى من استعراضها تسلسلاً منطقياً، فأول الامر يمثل التدين العقلاني "فلسفة حياة " شاملة الا ان فلسفة الحياة هذه لا تعني ان التدين العقلاني له حتمياته وأوامره ونواهيه لكل حركات وسكنات البشر، وانما هو تدين يمنح جميع تصرفات الانسان وحالاته – مهما صغرت- معانيها السامية، فتكون حياته على حد تعبير أحد المتصوفة سجدة طويلة، أي انها بمجملها عملية متجهة صوب هدف ديني محدد، ويمكن القول: ان جميع ثناياها متجهة نحو هذا الهدف



.
اما السمة الثانية فيرى ملكيان بأن المتدينين ديانة عقلانية لا يعتبرون انفسهم "أصحاب الحقيقة" وانما يفهمون تدينهم بمعنى انهم "طلاب حقيقة"، فتدينهم لا يعني انهم امتلكوا الحقيقة بل انهم شرعوا بطلبها، وانطلقوا في حركة سلوكية للوصول اليها، وبعبارة أدق، لايدخلنا التدين مملكة نضمن فيها الأمن والفلاح لانفسنا، مهما فعلنا ومهما كانت تصرفاتنا ومواقفنا، بل الصحيح هو أننا عند دخول الدين نشرع بطلب الحقيقة والكدح اليها ولا نمتلكها دفعة واحدة، ولعل معظم الذين انجرفوا في تدينهم الى التعصب والتحجر، توهموا انهم أصحاب الحقيقة. وفي السمة الثالثة يؤكد مصطفى ملكيان على الممارسة النقدية والفهم العميق لهذه الممارسة، فالتدين لا يعني التسليم الاعمى والاستغناء عن الادلة والبراهين، ونبذ النقاش والتمحيص، والانشداد الشبقي الى طائفة من المعتقدات والعبادات والمناسك والقيم الاخلاقية، إذ الصواب هو حفظ السمة النقدية للتدين. لباب القول هو أن التدين العقلاني تدين يصاحبه تفكير نقدي يتحاشى تصيد العيوب والهفوات، فهو نسق فكري رسالته ان يرتبط الالتزام العقائدي لدى الإنسان بعلاقة طردية مع متانة الشواهد والادلة على العقيدة المنظورة. ويتطرف ملكيان في السمة الرابعة يرى الكون محكوماً بنظم أخلاقية في منتهى الدقة، ومعنى ان يرى الإنسان العالم ذا نظام اخلاقي، هو بعبارة مبسطة ان نعتقد بأن أي ذرة خير أو شر يستحيل ان تضيع سدى في هذا الوجود، وبالتالي كلما كان تديننا عقلانياً كلما شعرنا بالامان والطمأنينة.
يشير ملكيان في السمة الخامسة للتدين العقلاني الى ضرورة ضبط النفس فالمتدين العقلاني لا ينهار أمام نزواته العابرة، وانما يتحلى بنوع من ضبط النفس والتحكم بميوله ورغباته وهذا الضبط الذاتي ليس الا حسابات عقلانية دقيقة تقول للانسان: ان اللذات العاجلة التي تتبعها ندامة مقيمة يجب ان تترك، والصعاب الزائلة التي تتمخض عن يسر ونعيم دائم لابد ان يتبادر اليها. ان ضبط النفس يبرعم في الإنسان المتدين حالتي "الخلوص" و "الرياضة" فالمتحكم في نفسه ونوازعه يهمه الاخلاص والنقاء. ويقصد بالخلوص إزالة كل ما يتعارض مع التسامي الروحي للإنسان. وفحوى الرياضة أو الحياة الرياضية هو ان يلتفت المتدين العقلاني في مقام العمل وفي مقام ترويض الباطن إلا ان من المستحيل الوصول لغاية ايجابية من دون متاعب وبلا ثمن، وعلى حد تعبير اسبينوزا: أطهر الأشياء في العالم أشدها مرارة".
تتابع السمة السادسة خروج المتدين العقلاني التدريجي من "سيادة الآخر" الى "سيادة الذات" حيث نجد ان التدين في مراحله الأولى لابد ان يكون تقليدياً تبعياً فيتبع الإنسان تعاليم الباري بشكل تقليدي، من دون ان يعرف الحكمة فيها.
بيد انه في مراحل لاحقة سيحاول التوافر على عمق ديني وفحص وتمحيص لمبادئه العقائدية، يكشف له اسرار الدين وآثاره، الى درجة انه سيقتنع بها مباشرة، ويبلغ تدريجياً مرحلة الايمان بها حتى لو لم تنزل من قبل الله.
أما الفكرة في السمة السابعة فهي ان المتدين العقلاني يعي جيداً تعذر نحت براهين عقلية لصالح أي من الدعاوى الدينية، ويعترف بهذه الحقيقة، فلانسان الصادق يقر، أنني بالرغم من تديني والتزاماتي الروحية والسلوكية، لكنني في الوقت ذاته لا أستطيع اثبات أي من القضايا الدينية اثباتاً عقلياً، غير ان هذا التعذر لا يسلب مني طمأنينتي أو ايماني. هذه نقطة مهمة جداً لخصها الكاردينال نيومن بقوله : "شيئان تجتمع فيهما الطمأنينة مع عدم الطمأنينة الايمان الديني والحب". ما تشير اليه السمة الثامنة للتدين العقلاني هي نزعته الإنسانية فيحتم على صاحب هذا التدين خدمة ابناء جلدته لمحض اعتبارات انسانية، وبعيداً عن أية حواجز قومية أو وطنية أو دينية أو فئوية أو ...الخ. وقد ورد في الحديث القدسي "الناس عيالي أنفعهم اليهم، أحبهم إلي" وبتعبير الشاعر الايراني: "أعشق كل العالم لان كل العالم من المعشوق" ويقرر القرآن الكريم في وصفه للرسول انه "رحمة للعالمين" ولم يقل رحمة للمسلمين أو رحمة للمؤمنين. المتدين العقلاني يرى ان الإنسان بما هو انسان جدير بالاحترام وباسداء الخدمة والمساعدة له. وينقلنا مصطفى ملكيان في سماته للتدين العقلاني الى السمة الأخيرة والتي تتعلق بتحاشي الوثنية فمثلنا ان الانبياء والائمة ليسوا هم الله ولا تصح عبادتهم، كذلك الدين لا يمثل المعبود الكبير، ولا يصح توثينه وعبادته. الدين ليس الله بل هو منزل من قبل الله. والصواب هو عبادة الله دون الدين. خلاصة القول: إن الإنسان إذا أرتبط مع عالم الدين، أو أي انسان آخر، بالعلاقة التي يجب ان تربطه بالخالق، فقد عبده واتخذه وثناً، فالله وحده هو الذي "لا يسأل عما يفعل" فالمتدين العقلاني بتعبير دانتي يقلّم دائماً غابة حياته من الآلهة المزيفة. وهذه ممارسة عقلانية بلا جدال، يقول بها

المتدين المتعقل، خاضعاً لله وحده.
لقد منعنا من عبادة كل ما سوى الله، حتى لو كان ديناً أو مذهباً دينياً أو شخصية دينية، وامرنا ان نقلم باستمرار غابات حياتنا من الاصنام والآلهة المزيفة، فهل نحن فاعلون؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر