الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة عيد ميلادك أيتها الجميلة

أحمد الخمسي

2007 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



دلال،

قبل ربع قرن كانت الجيوش الصهيونية تجتاح لبنان في محاولة سحق شامل للثورة الفلسطينية. كانت أمك حاملة بك وهي تقضي مدة حبس مدة ثمانية أشهر بتجديد غير متوقف للحراسة النظرية. وكان أبوك قد تدرب من قبل على أن يصبح زوجا لزوجة مناضلة معتقلة من أجل الاعتراض على زرع الحرس البوليسي في الحرم الجامعي. بعدما أمضى بدوره قبل ذلك حصته من حسن السيرة النضالية (الاعتقال في درب الشريف واغبيلة).

وكنا نحتاج إلى رفع التحدي المعنوي أمام الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية. لم يكن أمامنا سوى تغليب مقترح دلال، تيمنا بقائدة عملية تل أبيب سنة 1978، أربع سنوات قبل ميلادك. فسميناك دلال وقد ولدتك أمك في اليوم الخامس بعد استفادتك في بطنها من السراح الموقت رفقتها. بعدما تقدم الدفاع المكون آنئذ من طرف الأساتذة أحمد اكديرة والأمين العام للمؤتمر القومي العربي الإسلامي حاليا خالد السفياني.

دلال،

إنها حاجة نفسية ذهنية شخصية خاصة، أن أحس بملحاحية الكتابة بمناسبة عيد ميلادك.
حاجة استحضار مسيرة فردية وجماعية، ثقافية وسياسية، جرت معها تبعات مصيرية على صعيد الحياة المادية.

في بعض الأدبيات اليسارية الفوضوية بداية القرن 19، كان القول بكون التعفف عن الحياة صفة تبرجز، تعبيرا عن ثورية نفسية. لكن الثقافة التدبيرية التي تلقينا محليا ربطت بين الاكتفاء الذاتي وبين القدرة على البقاء. بمقتضاها كلما كان الجشع المادي كلما ارتمت النفس وراء ما يسقط في الحتف المدمر, ولكي لا يختلط الفهم، فالكلام هنا بصدد التعفف عن المال الذي لا يتناقض مع الإقبال على الحياة.

ولربما كان السلوك رد فعل عن التنشئة الاجتماعية ضمن المجتمع الأمي الذي اتجه نحو العيش دون موجه عقلاني سوى استهلاك الحياة وانتاج عواملها المادية بلا زاد ثقافي. يترك الناس المعنيين لمصائرهم المحتومة، مثل الحجارة المتدحرجة في مجرى مائي غير معروف المصب. وكان الاكتفاء بترديد ذكر المنبع كافيا لرفع سقف التحديات المشروعة.

ولربما كانت الأزمة العائلية ضريبة مألوفة على الصعيد الاجتماعي المصغر طيلة الستينات والسبعينات، لسياسة عامة قوامها التركيز على السلطة. مقابل ترك الناس لشؤونهم اليومية، مجردين من أي سلاح توجيهي لأنفسهم ولأبنائهم. مما كان ينبئ عن أنانية النخب التي سادت ثقافتها الشمولية، إن لفائدة الغرب أو لفائدة الشرق. وهي ثقافة النفس المتمركزة بشدة حول الذات. إذ كانت النخب تتبوأ المواقع التي تنتصب عند المنابع المالية. وهي مراكز القرار القضائي والإداري والاقتصادي. مقابل ثرثرة ايديولوجية عن المساواة. كانت الأزمات تأتي في عز الاستقرار مثل عواصف الصيف المدمرة فجأة.

أو لربما كان السيل الديمغرافي القروي نحو "المدن" الحرفية الصغيرة المكون الثاني لنفس الفيض الديمغرافي الذي عرفه المجتمع المغربي بناء على التهيؤ الرأسمالي لكسب معادلة الإنتاج بثمن زهيد. مقابل التقديم السلعي للمنتوجات التقنية المدنية. دون أي تكوين أو إعداد تعليمي "للمستهلكين" و"المنتجين". فقط عبر عقاقير التلقيح بالتطبيب العصري المنظم عبر خريطة طريق وأجندة. وهذا لم يمنع بقاء الموت متربصا بمصائر العائلات والأبناء والبنات الصغار منهم بالتحديد عرضة التدمير النفسي والتيه بين الصدف لا أكثر. لقد توفيت جدتك فجأة بسبب الكوليرا المرافقة للجفاف الصيفي. أما أبوك فلم يظفر بهاتف لحضور جنازة والدته. تلك عقدة أخرى! أإ-ا لم تراني ميتا ممدا هل تصدق يوما أن أباك الطيب الجسور قد مات؟ أعفيك مسبقا من ألم هذا الخيال المقرف.

° ° °
دلال،

وردا عن كل هذه المستويات المنعكسة في النفس ضمن التأمل اليومي المكتئب، كان الاختيار الفلسفي الملتجئ لأحضان أمنا الأرض/الطبيعة الحل الجذري الممكن والضروري في نفس الوقت. عبره تمت القراءة المتأنية الإستراتيجية للأوضاع العامة. وبه تم الاستشفاء المطلوب من تبعات الأزمات والتي كانت تحز الأمعاء مثل أقسى الأوجاع السامة.

كان التخلص العملي والعقلاني من الثقافة السائدة في شكلها الأعمى والمجرد من الوضوح الاستراتيجي، بداية وضوح استراتيجي بديل. وكان في نفس الوقت علامة على قطيعة جيل مع جيل. فبدأ مسلسل الثورات التفصيلية الجزئية. وضمنها القطائع مع الجاه والمال والسلطة وكل شكلانية من شكلانيات الوصول الفردي بدل التقدم الجماعي. كان التضامن الأممي والانتماء القومي خزانا للإمتلاء النفسي من الخارج. كلما هدنا النكوص والتفريغ القيمي من الداخل.

وشيئا فشيئا، أصبحنا نسعى للإقبال على الحياة عرضا (بسكون الراء)، بديلا للسعي نحو حفظ العمر، كما يسعون هم، لحفظ النفس والعرض والعقل والدين والمال طولا. مقابل اليوم الآخر الذي لا يبقى له من محل لديهم، من كثرة ما راكموا من مال وعرض. لا هم زهاد ولا هم فقراء مشبعين باليوم الآخر.

ونحن من فصيلة أخرى، نتحداهم في عقر دارهم كنا، هنا والآن. محبة الآخر والزهد في المال والآخرة. مقابل الإقبال على الحياة نفسها، بدل شراهة المال والنفاق الاجتماعي وتداول الدين بالمزاد اليومي وتمريغه في وضاعات الأرض.

نذهب طرا نحو المعاني. ويلبسون الدنيا ظلال المعاني والاستعارات. كأن السماء تمطر فقط عذابا وغلظة تجاه المستضعفين. ليكرروا ما انتهجته الحركة الوطنية من جمع للمال والجاه والديماغوجيا في نفس الوقت.

أنا لا أتحدث هنا عن حركات الشعوب التي تصعد زفيرا من عمق القهر وعذابات الشعوب. أنا أتحدث عن الايديولوجيا الزائفة. وعن القيم الخائفة. وعن القواميس المسكوكة خصيصا لصياغة موازين القوى على الصعيد الدولي.

نعم، قلت أعلاه، أننا كنا نملأ كؤوسا من التضامن الأممي والالتزام القومي، عندما تفرغ تفريغا من المحتوى الإنساني كل دقيقة عبر المعيش اليومي.

كان نمط العيش المتداول له مدير أعمال ينظم أولوياته. تلكم الدولة. وكنا أنصارا لنمط عيش مغاير في الدنيا والآخرة. وكان تصورنا عن نمط الوجود يفضي إلى القطيعة التامة مع المهترئ من الموروث. أما التزامنا القومي فكان يكرس المضئ من الموروث. في الفلسفة حتى. وبين الصحابة. وفي ثنايا فقه الأصول. لم نعد نكترث بما تركه آباؤنا الأولون. لننزع عنا كل شكل من أشكال الشرك بالعقل. وكل أنواع الجاهليات المعلنة والمضمرة. أصبحت "أفئدتهم هواء". فبحثنا عن الاوكسجين لاكتساب القابلية للحياة في نظام عربي كان يسّاقط يوما عن يوم.

ورغم اقتناعنا بمحتوى ما حلله وركبه فريديريك أنجلز حول الدولة والأسرة والملكية الخاصة، فقد ائتلفت حياتنا في بوثقة الأسرة. ممارسة لسلوك المسؤوليات واستكمالا لسلوك القناعات الذي لا يستوي دون تكامل بين العقل الخالص (المبادئ) والعقل العملي (أخلاق الممارسة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة