الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية الحلقة (8) تجميد اللغة وتجميد طريقة التفكير

ثائر العذاري

2007 / 8 / 11
الادب والفن


أنت تعلم أن بامكانك أن تقلب صفحات دواوين الشعر وموسوعاته لتقرأ شعرا من أي عصر من عصور الأدب العربي ، فتفهمه وتشعر به ، كأنه قيل اليوم ، تستطيع أن تفهم المهلهل وخلجات جليلة وعبثية امرئ القيس وغيرهم ، فهل تظن أن هذه سمة حميدة في اللغة العربية تدل على غناها وخلودها وقدرتها على الحياة في كل العصور ؟ لا تغالط نفسك وواجه الحقيقة لنتمكن من تشخيص العلل والبحث عن العلاج , ففكرة البحر الذي في أحشائه يكمن الدر محض أسطورة أو مغالطة نهرب بها من مواجهة حقيقتنا ، لأننا اذا علمنا أن اللغة نتاج الحاجة الحياتية فلا يمكننا تصور لغة تجمد على حالة واحدة أكثر من الف وخمسمائة عام.
وكل ما في الأمر أن الأرث الشفاهي جعل اللغة تلزم شكلها الذي جاءت عليه في المرويات لأن أي خروج على هذا الشكل يعد كفرا بقدسيتها(المرويات) ، لكن ازدواجية أخرى كان العربي مضطرا أن يعيشها ابتداءا من القرن الثاني للهجرة ، اذ كان عليه أن يتحدث بلسانين ؛ الأول هو اللسان المقدس الذي عليه استخدامه في حلقة الدرس وممارسة الطقوس الدينية ، والثاني هو اللسان الذي فرضته المدنية ويتطلبه تطور الحياة وحاجاتها المتجددة ، فأطلق على الأول اللغة الفصيحة ، وأطلق على الثاني لغة العامة.
من المعلوم أن لغة القرآن الكريم هي لغة قريش المكونة في معظمها من لغة البادية ، فجاء القرآن ليكون اعجازا في البلاغة اعتمادا على اللغة التي يفهمها العرب جميعا ، فكانت مغالطة الرواة في اقناع الناس بان هذه اللغة التي جاء بها القرآن المعجز هي أفضل لغة وأفصح لسان ، والحقيقة أن هذا الاستنتاج ينطوي على مغالطة واضحة ، اذ لا علاقة بين تكريم اللغة وتكريم القرآن الكريم ، فكون القرآن معجزا لا يأتي من بنائه من اللغة العربية ، بل من كونه كلام الله الذي يستطيع بقدرته أن يأتي بكتاب معجز بأية لغة يشاء.
هل تتصور ان بامكانك منع كائن حي من النمو ؟ طبعا لا ، فهذا غير معقول ، وهكذا كان حرص الرواة على (سلامة اللسان الفصيح) قد أدى الى تجميد لغة المرويات التي فرضوا على الأدباء والمفكرين أن يستخدموها كما هي ، مما أدى الى أن تكون الآداب عبارة عن استنساخ سمج عن بعضها ، وفي المقابل كان هناك لغة أخرى تتفاعل مع الحياة وتتطور نحوا وصرفا ومفردات لتلبي الحاجات اليومية للعربي، فكانت محاولات الرواة القمعية تتخيل امكانية تجميد اللغة الا ان محاولاتهم لم تنتج الا صورة فوتوغرافية للغة الجاهليين، أما اللغة الحقيقية فهي التي كانت تتطور في الظل .
المشكلة الكبرى تكمن في أن هذه اللغة المتطورة كانت ومازالت لغة ممنوعة محرمة مقموعة ، وأكاد أجزم أن هناك آلافا من الشعراء الذين قالوا الشعربلغة العامة عبر العصور غير أننا لم نسمع بهم وضاع شعرهم وضاعت أخبارهم بفعل ذلك المنع . والمفارقة الكبرى تكمن في أن الأديب الذي وضع أدبه بلغة العامة كان مضطرا لان يسلك سبيل الشفاهية لأن كتابة أدبه محرمة عليه.
أخيرا أريد أن أسألك سؤالا قد يبدو غريبا ولست واثقا من اجابتي عليه، فانت تعلم أن اللغة وسيلة التفكير ، وان أفصح لغة عربية هي لغة الأعراب (البادية) ، فاذا كان علينا حسب ما تفرضه قدسية اللغة أن نكتب بها، واذا كانت الكتابة ضربا من التفكير ، فهل يعني ذلك أننا مازلنا نفكر بعقلية البدوي؟

وبقية الحديث آتية اذا لم أكن قد أزعجتكم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر