الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا والشيطان

عبد الفتاح مرتضى

2003 / 10 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من المؤكد ان اصحاب الديانات وخصوصا الملتزمون بالتعاليم السماوية والبعض الآخر الذي لا يلتزم لكنه متأثر بشكل ما  بهذه التعاليم ، جميعهم مؤمنون أن هناك قوة اخرى مناقضة لله في الإسلوب والمبدأ والهدف، اي انها تعمل على النقيض مما يدعو له الله تعالى سواء في العدالة او في الخلق الكريم او في كل اسس وقوانين المجتمع الإنساني بل وحتى الحيواني (الكائنات الحية كلها دون تفريق).لذلك فان معظم الشعوب والجماعات والفرق والطوائف تنظر الى الشيطان نظرة شريرة بل ووصل الامر للذين لا يؤمنون بدين ما ، وصلوا الى قناعة أن الشيطان وأتباعه سواء من البشر او من جنس آخر ،هم شرّانيون ويمثلون وجه الشر في الحياة .
 بشكل عام فقد اصبح الشيطان وأتباعه يمثلون جانب الشر في الحياة الإنسانية ، ونلاحظ ذلك ببساطة في مجتمعنا العراقي، حينما يسيء أحد الاشخاص سواء كان كبيراً في السن او صغير، عندما يوغل في الإساءة والشر ندعوه بتلبسه بروح شيطانية. بشكل عام ،ان الشيطان هو القاسم المشترك لكل الذين يؤمنون بأن مصدر الشر آتٍ منه لا محال، أذن أصبح الشيطان علامة تدعو لنبذه وأعماله وأفكاره وأسلوبه من قبل الناس الذين يؤمنون بالخير والسعادة للبشرية ،بل وصل الأمر الى عدم إيذاء الحيوان والنبات كونهما من خلق الله ،وإن الإساءة اليهما هو فعل شيطاني ويُغضب الخالق .
في الجانب الآخر من المعادلة ، لدينا أميركا .. إنَّ أربعون سنة من العداء السوفيتي  الشيوعي لأميركا والغرب ، جعل كل الذين يؤمنون بهذا المبدأ السياسي ، يؤمنون بالسليقة أن أميركا هي الشرّ ألأكبر ، ولا تختلف عن فعل الشيطان بالذات . وحتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتجربته البائسة ، نرى انه مازال هناك من يؤمن بأن أميركا مصدر الشر!!
لا نريد أن ندَّعي بأن أميركا ليست مصدر الشر، فنحن لا يمكن أن ننسى ماحصل من كوارث ومازلنا نحصد نتيجة مازرعته أميركا في بلدنا العراق من حكم دموي ، وساندته وأغمضت العين عنه لأكثر من أربعين عاماً ، لذلك لا يمكن أن نعتبر أميركا هي مصدر خير.. من هنا حاول أصحاب المبدأ الشيوعي الإستفادة من هذا المبدأ في كسب إهتمام الآخرين بإتجاه معاداة اميركا ..
نعود الى أوضاعنا في العراق خلال أكثر من أربعين عاما.. الصدفة وحدها هي التي أنقذت حياة إثنين من أقاربي بعد إنقلاب 8 شباط الدموي ، حينما حكم عليهما بالإعدام كونهما شيوعي وقاسمي.. وكان إنقلاب عارف نهاية 1963 ، قد أنقذهما حيث ان قرار تنفيذ ألإعدام كان في صبيحة نفس اليوم الذي حصل فيه الإنقلاب(وقد زرتهما في المعتقل في مبنى شرطة العشّار وكان لي من العمر ست سنوات)، وبدلاً من إستلام جثمانيهما، فقد إنطلقا خارج الزنزانة مسرعين تجاه هواء الحرية الذي ظهر فجأة لينقذ رأسيهما.. أحدهما ظل في العراق والآخر فر بجلده من العراق الى حيث الإمبراطورية التي يؤمن بانها مصدر الخير للبشرية، ونقصد بها الاتحاد السوفيتي..
 في عام 1969 عاد الى العراق بعد ان قدَّم إلتماساً لحكومة البعث الجديدة – القديمة ،وبالفعل عاد وقد قرّر ألاّ يشترك بالعمل السياسي مرة اخرى. لكني أذكر( وكنت صغيرا حينها بعمر 13 عاماً) حين قال كلمة منذ أوّل يوم حضوره ، موجِّهاً كلامه الى إخوتي وأخوالي.. انتم الشيوعيون العرب وبالذات العراقيون جميعكم اغبياء !! وأنا أصِف حزبكم بالحزب الغبي !! لم أكن أعِ حينها ماذا تعني الشيوعية والشيوعيون ،ولماذا وصفهم بهذا الشكل، لكني كعادتي اجمع ملاحظات الآخرين وأحتفظ بها لحين إكتشاف معانيها في يومٍ ما..
 إن ماحصل في ثورة تموز 1958 وماحاوله الشيوعيون من استلام مقاليد السلطة ومن ضمن الوثائق التي ذكرها د.عبد الخالق حسين في كتابه القيِّم ( ثورة 14 تموز 1958 العراقية ) ، يؤكد بلا شك الطابع الذي إنتهجه الحزب الشيوعي العراقي في محاولة إنتهاز الفرص للحصول على السلطة ..وللحقيقة نقول ان القاعدة الشعبية العريضة التي كان يمتلكها الحزب الشيوعي في الخمسينات او فيما بعد لم تكن تعتمد 1..% على إيمان هذه الجماهير( وبالذات الفلاحية منها) لأهداف ومباديء الحزب الشيوعي ،لكنها كانت تؤمن ببعض الأهداف التي كانوا يطرحوها عليهم في ظل وضع مرّ وقاسٍ كان يعيشه العراقيون في ظل الوضع الملكي الذي يسميه البعض زوراً بالنظام الملكي الدستوري. وهو وإن كان يملك دستوراً(وضعه البريطانيون!!) لكنه لم يكن يطبقه وكما ذكره الرصافي ( علمٌ ودستورٌ ومجلسَ أمّةٍ   كل عن المعنى الصحيح محرّف) ، والوقائع التأريخية تثبت بإبتعاد النظام الملكي عن اي شيء اسمه تطبيق الدستور، بقدر ماكان الهدف هو الحفاظ على السلطة وإبقاء العلاقات مع بريطانيا(سلطة ألإحتلال) بأي شكلٍ من خلال الوصي عبد الاله ورئيس الوزراء نوري السعيد. وفي ظل الأوضاع القائمة إبان الحكم الملكي ، كانت اي دعوة مضادة وتدعو للأفضل ، فهي بالتأكيد ستجد لها إستجابات كثيرة من أبناء الشعب ، خصوصا اذا ماعلمنا ان كوادر الحزب الشيوعي العراقي لم تكن تتعامل مع هذه الجماهير على وفق المباديء الايديولوجية التي يؤمنون بها بقدر ماكانوا يستغلون الظروف الموضوعية المطروحة والتعامل معهم بشكل عاطفي . وهذا مانراه واضح ايضا في الجانب الديني ، حيث تستغل العواطف وتُستنفر أكثر ممّا هي إستنفار للعقل والمنطق ، مما يجعل الجماهير تُساق بسهولة الى هذه الجهة او تلك وفق تغيرات الجانب العاطفي لديهم . وهذا ماحدث للحزب الشيوعي من كسبٍ لعشرات الآلاف من الناس البسطاء خلال الخمسينات من القرن الماضي بشكل خاص .وقد توضحت حقيقتهم عندما حاولوا الإنقلاب على عبد الكريم قاسم. حتى انه حين تم تجميد الحزب سواء في فترة حكم قاسم او ماحصل من مذابح لهم ولقواعدهم بعد شباط 1963 لم يكن لهم من ناصر لهم من هذه الجماهير الواسعة التي كسبوها في الخمسينات .
رغم كل ماحصل للحزب الشيوعي العراقي في شباط 1963 على يد البعثيين من مذابح ومجازر، إلاّ اننا نرى أن نفس القيادة البعثية التي حضرت عام 63 قد عادت في 68 والقيادة الشيوعية تعود مرة اخرى للتعامل معها وكانها لم تتعض مما حصل في 63 ، وهذا مايؤاخذ عليه الحزب الشيوعي لأن هدفه الأساس الوصول الى السلطة بأي شكل من الاشكال ، حتى وإن تحالفت مع الشيطان، ونقصد بالشيطان هنا...صدام ..
ورغم ان الشيوعيون قد وقّعوا في إتفاقيات الجبهة عام 75 على عدم إقامة أي نشاط سياسي لهم في الجيش والأمن والشرطة بشكل خاص، تبعه بعد ذلك الإعلام والتربية والتعليم والقانون، إلاّ أن إكتشاف خلية شيوعية في الجيش عام 78 أعطت المبرر الكبير لصدام لضرب الحزب الشيوعي بأكمله وليس فقط العناصر التي تم الكشف عنها..
وبعيداً عن سياسات صدام وما ينفّـذه من خطط سواء خاصة لشخصه او تجنيده من قبل اميركا واسرائيل لتنفيذ مخططاتهما سواء في العراق او المنطقة، فإن هذه كانت كافية لصدام ليعلن حربه على الحزب الشيوعي والتي إستمرت الى ماقبل سقوطه في 9 نيسان 2..3 ..بل وصل الأمر أكثر من ذلك الى ألإتفاق مع بعض القيادات الكردية في تصفية عناصر الحزب الشيوعي المتواجدة في مناطقهما ،كما حصل مع جلال الطلباني عام 1983 ..
من كل هذا اعود الى كلمة هذا الرجل من اقاربي الذي ذكر عام 69 ان الشيوعيون العراقيون اغبياء بعد مروره بتجربة اربع سنوات داخل الاتحاد السوفيتي وتنقله بعد ذاك في اوروبا الغربية ، ليكتشف ويقارن بين التجربتان والتي جعلتنا نكتشف ان ماكان يطرحه الشيوعيون من اهداف معلنة غير التي يخفونها، حتى انهم كانوا يعلنون اشياء تختلف حتى مع مبدأهم الأساسي وهو الإيمان بالله والديانات المختلفة .إلاّ أن هذا المبدأ يتعارض مع الشارع العراقي ، فكانوا يخفون هذا الأمر عن الجماهير الشعبية ،إلاّ أنهم أعلنواها بصراحة بعد ثورة تموز 58( ماكو مهر بس هالشهر  ذبوا العمايم بالنهر )!!، ولربما كان هذا أحد الأسباب لعزوف الشارع الجماهيري الشعبي عن مساندة الشيوعيين سواء عام 59 عند محاولتهم الإنقلاب على قاسم او في المذابح التي حصلت بعد شباط 63 ، وحتى ما حصل عام 78 من تصفية كاملة للحزب على يد صدام ونظامه.وسر الغباء هذا انهم يحاولون تطبيق التجربة السوفيتية بالكامل في العراق ، وهذا ماتم بوضوح من خلال مناقشاتي مع الكثير منهم خلال الثلاثون سنة الماضية بأننا لا يمكن نقل تجربة دولة اخرى الى بلدنا ، ويمكننا ان نناقش مافعله ستالين ومايمكن ان يحصل في العراق لو تم الحكم بيد الحزب الشيوعي وفعلوا مافعله ستالين بالإتحاد السوفيتي في حينه..
إن أستخدام الجانب العاطفي في التأييد الشعبي له منافع آنية لكنه لا يأت بنتائج إيجابية في النهاية حينما يجد الجد وتنكشف الحقيقة، وهذا ماحصل للشيوعيين بعد تموز 58 عندما كشفوا عن وجوههم الحقيقية فإنحسرت الجماهير الشعبية التي أيّدتها في الخمسينات والى يومنا هذا..وهذا مايحصل ايضا مع الأديان والطوائف والمذاهب بل وحتى الأحزاب الأخرى حينما تتوجه للجماهير باسلوب عاطفي لكسب تأييدهم لمسألة ما (وقتية)الاّ ان هذه الجماهير سرعان ماستكتشف زيف إدعاءاتهم عندما تتحكم بالمنطق العقلي في كشف الامور على حقيقتها فتكون النتيجة نفور من هذه الجهة او تلك..وهذا مايفعله الكثير ممن هم محسوبين على الجانب الديني في كسب التأييد الشعبي من خلال إستنفار طاقاتهم الإنفعالية(اي العاطفية)وليس طاقاتهم العقلية(اي المنطقية) وهو نفس الموضوع الذي نعود به لعنواننا..اميركا والشيطان..
فما زال البعض ممن يؤمنون بماركسية الاتحاد السوفيتي يؤمنون بأن اميركا هي العدو الاكبر حتى وان قدمت لهم الحرية والديمقراطية على طبق من ذهب..فهم لا يؤمنون بالحوار مع الآخر بل بفرض آرائهم بالقوة، ومن يعترض فهو خائن وعميل وووو..الخ من السمفونية التي نسمعها منذ خمسون عاما ومازلنا..فما دامت هذه الفكرة(اي العدو الاستراتيجي..اميركا  ولربما غدا اوروبا من يدري !!)متأصلة في عقولهم ونفوسهم فهم لا يمكن ان يتغيروا حتى وان عاشوا في كنف هذه الدولة الشيطانية..شعارهم :من هو ضدي فهو خائن ، عميل ، متخاذل ، استعماري ...الخ.
كذلك هناك ممن يدّعون العمل بالجانب الديني ، والذين يستغلون الدين لمآرب شخصية ويستنفرون الجماهير الشعبية عاطفياً في التصدي سواء للشيطان او العدو(اميركا احد هؤلاء الاعداء الاساسيين)لا فرق ..وفي كل هذا وذاك فإن معظمهم غايتهم ليست تحقيق اهداف الجماهير انما لتحقيق اهدافهم الشخصية جدا الا وهي الوصول للسلطة على حساب الجماهير..
قلنا في رأي سابق ان الحضارات القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية وغيرها ، ماهي الا حضارات ديكتاتورية إستعمارية لا تختلف ابدا عن الاستعمارات التي نشأت في القرون الوسطى ،حين هبت دول اوروبا الغربية لإحتلال العالم بدعوى الإستكشافات الجغرافية ، والتي هي في الحقيقة إحتلال بشع وإستعمار حقيقي لكل المناطق التي وصلوا اليها..فاذا كنا نتغنى بحضاراتنا القديمة وماقدمته للبشرية من علوم مختلفة وإنجازات مذهلة ، فما هو الفرق بينها وبين الحضارة الأميركية الحالية؟!!
إنّ الشيطان لأصحاب المباديء الدينية هو العدو ألأكبر..وأميركا لأصحاب المذاهب الدنيوية هي العدو ألأكبر..وكقاسم مشترك فإن اميركا هي الشيطان..
إن بعض الذين يدّعون الإيمان الديني (ظاهرياً) هم متساوون مع اصحاب المذاهب الدنيوية ..اذن اين موقع الجماهير الشعبية(المُستضعَفة...الكادحة..)من مخططات هاتين الجماعتين؟!!
ان بعض القيادات الدينية الرزينة العقلانية كما يمثلها السيد السيستاني والحكيم وغيرهما، ذكروا انه من الممكن التعاون مع اميركا لضمان الحصول على اهدافهم من اجل حرية الجماهير ..فاذا كان التحالف مع اميركا هي عمالة وخيانة ، فماذا نقول للذين تعاملوا وتحالفوا مع صدام والبعث؟!!!وألأدهى من ذلك ان البعض منهم قام فعلاً بالتحالف مع صدام والبعث حتى قبل سقوطه بأشهر قليلة ..فهل تغير صدام لكي نضع ايدينا بيديه الملطختين بدماء مليوني عراقي؟بالتاكيد لا..وهل تغيرت اميركا لنضع ايدينا بيدها؟بالتاكيد لا ..فكلا الجانبان لهما مصالحهما الخاصة واهدافهما العليا والتي بالتاكيد لا تتفق مع هؤلاء..وكما قالها السيستاني والحكيم:ان التعامل مع اميركا يكون بحذر شديد مقابل عدم التنازل عن اهدافهم فيما يخص المجتمع وحريته ومستقبله واستقلاله..لكن..حين يتم التعامل مع صدام فبالتاكيد انه موقف آخر يختلف جذريا عن التعامل مع اميركا..
ان المنطق العقلي للتعامل مع جهات شيطانية يتطلب الحذر الشديد وعدم التنازل في سبيل مبدأ شخصاني جداً ، بل يجب التنازل في سبيل مبدأ الجماهير الشعبية الواسعة وليس الفردانية ، وهذا ماحصل للاسف للذين تعاملوا مع صدام قبيل سقوطه ..على خلافه نجد تعامل الحكيم مع اميركا في سبيل الجماهير الواسعة وهذا عين الإختلاف بين الجانبين..
نحن لا ندّعي بأن أميركا نقية وطاهرة ، ولكن في نفس الوقت لابد من النظر الى مخططات اميركا سواء في العراق او المنطقة او العالم بشكل عام..ماذا تطمح؟إنها ألإمبراطورية الوحيدة الآن في هذا العالم ، فليس التنازل لها هو الصحيح كما ان التصدي وجهاً لوجه معها ايضا غير صحيح(إستخدام العنف مثلاً)..هنا نحتاج الحكمة والحذر في التعامل معها.أذكر قولاً لجورج برناردشو الفيلسوف البريطاني الشهير حيث قال : اذا أعطيت الشيطان حقه هزمته..اي ان الشيطان او اميركا كلاهما يحاولان الوصول الى اهدافهما عبر الناس للوصول الى اهدافهما، فاذا تعارضت معهما يبقى الكسب ألأكبر للأقوى بالتأكيد واحياناً كثيرة تدخل الحيلة والمكر كإحدى الوسائل للوصول الى الأهداف ..فاذا أرادت أميركا ان تُسقط نظام صدام وتقيم فعلاً ( كما إدّعت ) حكماً ديمقراطياً في العراق هو بالتأكيد لا يختلف او يتعارض مع مجمل فئات المجتمع العراقي ..اما بقاءهم في العراق كدولة محتلة وسلبها لخيراته فبالتأكيد هذا يتعارض مع مجمل اهداف الشعب العراقي..ومن هنا فان التصدي لإسقاط النظام او تغيير نظام الحكم من ديكتاتوري همجي عشائري طائفي ، الى نظام حكم ديمقراطي تعددي حر ، فان هذا الهدف لابد ان تجمع كل الطوائف العراقية دون استثناء..ان التمسك بهذا الهدف للجميع هو ألأهم لأنه من خلاله يمكن للجميع من الإدلاء بأصواتهم دون خوف او ردع..وهذا ماكان مستحيلاً في زمن صدام سواء قبل السقوط او لو كان باقياً وتعامل معه البعض بإدّعاء محاولة تغيير اسلوبه..
من المعروف ان ألأشخاص وليس ألأنظمة حينما يستقروا على نمط معين في حياتهم لا يمكن تغييرهم بسهولة ، خصوصا اذا علمنا ان صدام قد قارب السبعين من العمر، فهل يمكن لشيخ له كل هذا العمر الذي قضاه على اسلوب واحد في حياته في القتل والتدمير والتسلط والإرهاب..ان يتغير؟!!!
بينما الأنظمة يمكن ان تتغير بسهولة ، فإن لم يكن اليوم فبعد سنة او اثنتان او ثلاثة او اربع ، حيث يمكن تغييرها بأشخاص آخرين يمكن ان يكونوا افضل او اسوأ، خصوصا اذا توفرت جو الحريات والديمقراطية في بلدنا العراق..من هنا اؤكد ان التعامل الحذر مع اميركا لتحقيق عراق ديمقراطي هو الحل ألأفضل للعراقيين وللأميركان على حد سواء..
اما فيما يخص جلاء القوات المحتلة عن العراق وتسليم السلطة بيد العراقيين الآن ، فبالتأكيد انه مطمح لكل العراقيين الشرفاء بلا استثناء ، ولكن للأسف ، فان دعوات البعض منهم تدعو لنقل السلطة فوراً..وان تكون منتخبة ..وانا أسأل:لمن تُسلم السلطة الآن؟ووفق اي قانون ودستور يتم الانتخابات الان؟
انا شخصياً أحد آلاف العراقيين الذين تركوا العراق بوثائق سفر مزورة ..فاذا كنت انا الشخص البسيط الذي استطعت الحصول على وثائق مزورة وباسم مزور(مستعار)واستطعت به الإفلات من الموت المجاني الصدامي ، فماذا يمكن لأركان النظام ان يفعلوا بالحصول على عدة وثائق مزورة ؟وان يمتلك الواحد منهم عشر وثائق مزورة يلف بها العالم او العراق او اي مكان آخر ويمكنهم بذلك إخفاء شخصياتهم الحقيقية والعيش بأمان  دون حساب؟
فمن يضمن تسليم السلطة للعراقيين الآن ؟الا يمكن لهذه العناصر الصدامية ان تكون متواجدة الان في العراق وتنتظر مثل هذه الفرصة ، او الذين كانوا يتاجرون بالاموال التي سرقها صدام وعائلته سواء داخل العراق او خارجه وهم مازالوا حتى اللحظة يمتلكون هذه الملايين، ويمكنهم الاستفادة منها في التأثير على الوضع السياسي العراقي(شراء الذمم)!!؟
 انا استغرب احيانا من الدعوة لإقامة إنتخابات فورية !! ألا يستطيع الشخص الذي يمتلك عشر هويات مزورة بأسماء مختلفة (وهناك اكثر من مليون عراقي مفقود تجعل التعرف على صاحب الاسم مستحيل) ان يشاركوا في الانتخابات لإعلاء من يشاؤون ؟
ان من يدعو لإنتخابات فورية له واحد من هدفين : إما أنه يتصف بالغباء او يدعو لعودة أرامل صدام مرة اخرى..
إنّ الإنتخابات تتطلب إجراء إحصاءً دقيقاً وشاملاً للعراقيين داخل وخارج العراق ، وان يكون للعراقيين هويات غير قابلة للتزوير لكي يدلي الشخص بصوته مرة واحدة لا عشر مرات .وهذا بالتأكيد يحتاج الى زمن للاستعداد لذلك ، كما رأيناه في اعوام 77 ، 87 ، 97  حينما كان هناك احصاء عام للسكان وكيف كانت الاستعدادات تبدأ قبل سنتين من موعد الاحصاء رغم توافر كل الادلة تقريبا لدى السلطة وكل مستمسكات الادارة لإجراء الإحصاء السكاني العام.. فمن يضمن اليوم مثلاً انني لا امتلك عشر هويات مزورة باسماء مختلفة وادلي بعشر اصوات مرة واحدة وفي اماكن مختلفة ؟!!
اذا اردنا ان نعتبر ان اميركا هي الشيطان فلا بأس، ولكن لا نتواجه معها وجهاً لوجه بهذا الشكل اي استخدام العنف ، وفي نفس الوقت عدم التسليم بكل شيء لها وبالتالي الإنصياع لكل ماتريده كما حصل مع نظام صدام او بالاحرى من بعض الجماعات السياسية التي انحنت امام صدام فكانت النتيجة ماحصل للعراق ..ومانراه اليوم ان الحل الوحيد والأمثل للعراق الجديد هو في الاستفادة من هذا التغير الذي حصل والتعامل معه بشكل سلمي لغرض اعادة بناء العراق ومجتمعه الذي تم تفتيته من قبل النظام الصدامي، والتعامل بالمنطق وليس بتأثيرات العاطفة مع جماهير الشعب في كل المجالات، لكي نثبت مصداقية ماندعو له، فالعاطفة يمكن ان تتغير من حين لآخر بينما الموقف العقلي هو ثابت ...


د.عبد الفتاح مرتضى

كنـدا  أيلول – 03 - 2003

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي