الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاجتثاث بالحوار

خالد صبيح

2003 / 10 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



تصدر بين الحين والاخر هنا وهناك دعوات،  يحرك اغلبها الحرص والنوايا الحسنة، تطالب بايقاف او منع نوع من الطروحات والافكار لانها منتمية للفكر القومي العروبي الشوفيني او مرتبطة بالنظام الفاشي تحاول تقديم افكارها وتدافع احيانا عن النظام المنهار. واذا كانت هناك ضرورة عملية، سياسية واخلاقية، تدعو لمنع النشاط السياسي لحزب البعث لارثه التخريبي ولروحيته المشبعة بالعنف والقسوة والكراهية فان امر منع او التضييق على دعاة الفكر القومي العروبي بالحضور وممارسة حريتهم الفكرية ينطوي، برايي، على خطأ جسيم، لان عملية اجتثاث  لفكر وعقلية النظام والبعث الفاشيين، وللفكر العروبي والشوفيني، لاتتم بالمصادرة والقمع، الاسلوبان اللذان اعتمدهما هذا الحزب في مجمل ممارسته السياسية، وانما بالحوار. وهذا ليس لان حزب البعث  ككيان يستحق الوجود والحضور وانما لاثر هذه الممارسة( الحوار) التربوي على القوى التي تطرح نفسها بديلا شاملا عن هذا الحزب ونظامه. فاجتثاث هذا الحزب وفكره واثار ممارساته يتم بالضبط في نقض تام لكل ممارساته ومنها واهمها هي المنع والمصادرة. وباتاحة الفرصة لهذا التيار لقول ماعنده سيسهم في فضح وتهافت منطقه ويشهر افلاسه( فخطابه لايقنع دجاجة) بالاضافة الى ان الحوار يتيح للاطروحة البديلة حيزا من اختبار الجدارة والصقل والتطوير. ونقض هذا الفكر هو ايضا مدخل لدحض الفكر القومي والعنصري والطائفي الموجود في ثنيات الخطاب الوطني البديل لانهما من خميرة مشتركة، كما ان حجج من قبيل انه منعنا وان الصحف والمنابر العربية والعروبية صادرت راينا ومنعتنا من اعلان حضورنا هي حجج منفعلة وعاطفية وتقع في مطب خطيئة تمهيد الطريق لتكرار الممارسة القمعية، المشبع بها اصلا المزاج العام، الفردي والجماعي، والتي ستنغرس وتكون لها ركائز عميقة ومتجذرة في بنيتنا النفسية والعقلية الجمعيتين. والواقع الحالي ومايشهده من ارباكات لدى الكثيرين، افرادا وقوى سياسية، يمثل انعكاسا وامتدادا لذهنية التحريم والقمع والمصادرة التي مورست بشكل واسع وبشع طيلة فترات الحكم البعثي الفاشي. ثم ان هذه الدعوات ، وان تغلفت او اتسمت بدوافع الحرص، تكرس عقلية الثار والرد على الاخر باساليبه وبهذا تكون من غير ان تدري تدافع عنه وتشرعن ممارساته.  واذا كان هذا الطرح حاليا وفي تلك الظروف يحمل مبرراته فانه ان تكرس، كاسلوب او طريقة لمعالجة الخلافات، سيطول اراء وقوى اخرى لاتمت بصلة للنظام والبعث ولخطابهما، لان منطلقه المبدئي ثابت وهو قائم على منع المختلف لممارسة حضوره كوسيلة للقضاء عليه والغاء شرعية وجوده. ونحن نشهد فعلا في الكثير من الممارسات لدى التيار الوطني المعارض للنظام الفاشي الان نوعا من التحفظ والميل الى مصادرة الراي الاخر، فما ان يطرح راي مختلف ومخالف حتى تنطلق دعوات لمنعه والتضييق عليه بحجة تجاوزه على المقدسات والرموز والقيم( ولامقدس، بتصوري، غير النقد) وهذه الرموز والقيم طبعا متحركة ورجراجة وليس لها قيمة او شكل محدد فهي تتلون حسب منطلق وسعة او ضيق افق الطرف المعني. وما حرب المواقع الالكترونية الاخيرة ،التي مانزال نشهد فصولها والمثارة من شخص راغب بالشهرة ( و قد حصل عليها) الا شكل من اشكال ممارسة القمع وتسييد الرأي الواحد.  وياخذ المقدس هذا اشكالا متعددة، فمرة يكون الدين او بعض تعاليمه ومرة اخرى المجتمع وقيمه
او الجزء المرعب منه( قضية حرية المراة) ومرة عراقة حزب وجماهيريته ومرة رموز ثقافية او سياسية الخ. وبينما تنطلق الاصوات في زعيق  احتجاجي ازاء هذا الراي او ذاك  لا نسمع اي احتجاج ضد المدائح الرخيصة والفارغة، المكرسة( بكسر الراء) لقيم بالية، لهذا الطرف او الشخص او ذاك. وحتى لايأول الكلام على غير محمله فانا اميز هنا بين الاساءة والنقد. وعموما يشترط بالطرح الناقد ان يكون موضوعيا في دوافعه وجادا في منطلقاته ويعتمد اسلوبا هادئا يراعي ادب الحوار ولا ان يتحول الى تقصيات في السير الشخصية والعائلية والبحث عن جريمة ودسيسة وتشمم روائح الحسد والغيرة في كل مايقال، بالاضافة طبعا الى الشخصنة البغيضة. كما ينبغي ان تكون الاساءة مرفوضة بذاتها وليس لانها مست هذا الطرف او ذاك الشخص.
اننا في اقامتنا حوارا مع اي مختلف عنا نمارس نوع حيوي من المران على روحية التقبل للاخر- عقدتنا المستعصية-  بدون خوف او عقد وفي ذات الوقت نطور من اطروحتنا البديلة ومن ذواتنا. ففي النقاش  والحوار فقط يحقق المرء والمجتمع تطوره ورقيه. في الحوار وحده نستطيع ان نقارب بين خطونا المشترك وان نحقق مساعي التوحد او خلق مجتمع متجانس يقوم على احترام مكوناته واحترام الحقيقة التي هي ملكية شاملة ولدى الجميع شيء منها. 

السويد
5-10-2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي