الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية (10) الشفاهية والخطاب الشعري

ثائر العذاري

2007 / 8 / 16
الادب والفن


في هذه المقالة سوف ننظر في الخطاب الشعري لشاعر كبير عاش في القرن الرابع الهجري ، في عصر ازدهار الكتابة والكتاب , بل ان الشاعر كان قد كتب ديوانه بنفسه ونقحه وحفظه لرواته , انه (المتنبي) , وليس لي طبعا أن أدعي اني سألم بكل ما يتعلق بالموضوع وانا أتحدث عن مالئ الدنيا وشاغل الناس, فأنا أبحث الموضوع من زاوية واحدة لاغير , هي أثر تقاليد الشفاهية في شعره.
ليس غريبا عندي أن أرى شاعرا يعيش في القرن الرابع لكنه يفكر بطريقة الشاعر الجاهلي من حيث رؤيته لمفهوم الشعر , وربما كنت محظوظا اذ أجد في ديوانه بيتا يصرح فيه بهذا.

وما الدهر الا من رواة قصائدي اذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

فهو يصرح انه ينظم قصائده لتروى , وقد سبق لنا القول في مفهوم الرواية ولا نريد اعادته هنا, أما الدهر فهو من رواة قصائده وليس الراوي الوحيد , لأنه أراد أن يقول أن سلسلة الرواة ستستمر مع الدهر ولن تنقطع أبدا.
تعال ننظر في واحدة من أشهر قصائد الشاعر:

واحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالي عنده سقم
مالي أكتّم حبا قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم
قد زرته وسيوف الهند مغمدة وقد نظرت اليه والسيوف دم

الهندسة الصوتية في قصيدة المتنبي القائمة على الذائقة الشفاهية سر من أهم أسرار خلود شعره , وان لك أن تلاحظ حرصه على تكرار حرف الروي في حشو أبياته بطريقة لافتة، وفي هذه الأبيات , وهي الثلاثة الأولى من القصيدة يمكننا رصد تكرار (الميم) مرتين في كل صدر، طبعا باستثناء صدر البيت الأول , فالميم الأخيرة فيه لازمة لانها جزء من نظام التقفية التقليدي.
والآن انظر الى عدد حروف معينة في البيت الأول بين الصدر والعجز:

الحرف الصدر العجز
الباء 2 1
القاف 2 1
الألف 2 1

واذا انتقلنا الى البيت الثاني سنلاحظ أن اصوات الميم والحاء والباء والدال قد جاءت باعداد متساوية بين الصدر والعجز، وبامكاننا طبعا ان نؤشر الكثير من الظواهر المشابهه في هذه القصيدة وغيرها.
وقد انشغلنا سنوات عدة في محاولة ايجاد علاقة بين هذه الهندسة الصوتية وبين أجواء القصيدة النفسية , غير أني أؤمن اليوم أن لا علاقة من هذا النوع على الاطلاق وان كل ما يقال عن علاقة الصوت بالمعنى في الشعر العربي ليس الا محض انطباعات شخصية غير مبنية على أسس علمية مقنعة.
هذا الآهتمام بتنظيم الأصوات في القصيدة له تبرير واحد لا غير , هو ان الشاعر لا يرى القصيدة فنا كتابيا , ولا يستطيع الخروج من رؤية الشعر على انه نشاط صوتي شفوي.
ان عبقرية المتنبي تتجلى أكثر ما تتجلى في التنظيم الصوتي لشعره على مستوى الصوت المفرد أو الكلمة أو العبارة , انظر مثلا الى هذه الأبيات من واحدة من قصائده المعروفة الأخرى:

ما لنا كلنا جوٍ يا رسولُ أنا أهوى وقلبك المتبولُ
...........
كلما رحبت بنا الروض قلنا حلب قصدنا وأنت السبيل
لك مرعى جيادنا والمطايا واليها وجيفنا والذميل
نحن أدرى وقد سألنا بنجد أطويل طريقنا أم يطول
وكثير من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل

ثمة ظاهرتان تقفان وراء فخامة هذه الأبيات؛ أما الأولى فهي بنية الآبيات على أساس الرواية ففي البيت الأول حديث الى الرسول الذي لا نسمع له صوتا ، وفي البيت الثاني والثالث حديث الى الروض المغيب هو الآخر دون أن يعطيه الشاعر فرصة الاجابة , كما تقضي تقاليد الرواية الشفاهية. اذ لا وجود لحوار هنا رغم استخدام الشاعر الفعل (قلنا) , فالمتحدث واحد والمستمعون كثر(الرسول والروض).
وأما الظاهرة الثانية فهي بنية التوازي (أنا وهو) أو (أنا وأنت) القائمة في كل بيت من أبيات القصيدة تقريبا:
1- الرسول أنا
2-أنت(الروض) نحن (قصدنا)
3-أنت (لك) نحن (وجيفنا)
4- هو (نجد) نحن
5-هو (رده) نحن (السؤال)

هذه البنية ليست في الحقيقة الا استنساخا آخر لفكرة طرفي الحياة الشفاهية (متحدث – مستمع)
وللحديث بقية قصيرة فقد شارفنا على النهاية
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر