الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا هذا الرواج والاهتمام بالديمقراطية (1)

نبيل حاجي نائف

2007 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لم تجد الديمقراطية في تاريخها كله رواجاً وتضخيماً مثلما وجدت في عصرنا هذا, لقد كان بعض المفكرين الغربيين منذ عهد اليونان كثيري النقد لها ، بل ورفضها أحياناً . وفي عصرنا يقوم الكثيرين بالدعاية الواسعة لها والتمجيد بها , وصار الكثيرين يصورونها كالبلسم الشافي لكل مشكلات المجتمع السياسية وغير السياسية .
فالديمقراطية في جوهرها طريقة في اختيار الحكام و الحكم , إنها أداة عملية لضمان الأمن الداخلي والحرية الشخصية . فليست هي بهذه المثابة معصومة ولا مضمونة . كما يجب أن لا ننسى أنه كثيراً ما تحقق قدر من الحرية الثقافية والروحية والتقدم في ظل حكم مطلق أكثر مما تحقق في بعض الديمقراطيات .
فالديمقراطية هي النظام السياسي الاجتماعي الذي يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأ المساواة بين المواطنين ومشاركتهم الحرة في صنع القرارات والتشريعات التي تنظم الحياة العامة .
وقد تطور مفهوم الديمقراطية عبر المراحل التاريخية ليصبح نظاماً سياسياً واجتماعياً يرصد له المفكرون السياسيون خصائص أساسية ، منها:
1 ـ وجود سلطة مرجعية عليا للدولة المتمثلة في الدستور والقانون الأساسي , وتقوم الأغلبية المنتخبة بإدارة أمور البلاد التشريعية والتنفيذية.
2 ـ حرية الرأي والتعبير , وإظهار رغبات وإرادة الأفراد , ماذا يريد كل منهم , والسعي لتحقيق ما أمكن منها ضمن الخيارات والقوانين والدساتير الموجودة .
3 ـ التعددية السياسية وتشكيل الأحزاب.
4 ـ مبدأ تداول السلطة .
إن من أهم عوامل وأسباب نشوء الديمقراطية , السعي لممارسة الحرية الفردية , وكذلك السعي لتحقيق المساواة والعدالة بين الأفراد , وإن لكل فرد ولكل جماعة الحق بالعيش كما تريد , ولكن ليس لهم الحق في فرض طريقتهم أو رؤيتهم في ذلك على الآخرين , وهذا الشرط من أهم شروط تحقيق الديمقراطية .
أن نزاهة وشفافية الانتخابات والاستطلاعات أهم خصائص الديمقراطية وبغيابهم تفقد الديمقراطية وظيفتها ودورها الأساسي .
فالانتخابات أو الاستطلاعات النزيهة الحرة هم الوسيلة التي تظهر رغبات وتوجهات الأفراد . فإذا لم يكونا نزيهين وصادقين وتم التلاعب بهم عن طريق التزوير أو بواسطة الإعلام الكاذب و الإرهاب الفكري والنفسي ,عندها تخلط الأمور وهذا له نتائج سيئة و كارثية إن كان على تطور ونمو غالبة الأفراد أو على تطور ونمو الدولة .
فبواسطة الديمقراطية يمكن تحقيق الآلية الفعالة في تكيف الأفراد مع بعضهم ومع بنية المجتمع بكافة مؤسساتها , وبما يحقق نمو وتطور كل من الأفراد والبنية المجتمع , فالديمقراطية التي تستخدم النزاهة والصدق والشفافية في سبر وإعلان رغبات وتوجهات الأفراد والمؤسسات , تقوم عن طريق التغذية العكسية التصحيحية الجارية لتفاعل العلاقات الاجتماعية والسياسية بين القيادة والأفراد , بتصحيح التوجهات لتحقيق رغبات وأهداف الأفراد بما يناسب كافة بنيات أو مؤسسات الجماعة أو الدولة ويحقق النمو والتطور لكلاهم .

ويقول البعض أن أولى أشكال الديمقراطية ظهرت في جمهوريات الهند القديمة والتي تواجدت في فترة القرن السادس قبل الميلاد . فمفهوم الديمقراطية في اختيار الحكام قديم وقد حدث تطور كبير له
وإن مصطلح الديمقراطية بشكله الإغريقي القديم- تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد والديمقراطية الأثينية عموماً يُنظر إليها على أنها من أولى الأمثلة التي تنطبق عليها المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي .
كان نصف أو ربع سكان أثينا الذكور فقط لهم حق التصويت، ولكن هذا الحاجز لم يكن حاجزاً قومياً و لا علاقة له بالمكانة الاقتصادية فبغض النظر عن درجة فقرهم كان كل مواطني أثنيا أحرار في التصويت و التحدث في الجمعية العمومية.
وكان مواطنو أثينا القديمة يتخذون قراراتهم مباشرة بدلاً من التصويت على اختيار نواب ينوبون عنهم في اتخاذها , وهذا الشكل من الحكم الديمقراطي الذي كان معمولاً به في أثينا القديمة يسمى بالديمقراطية المباشرة أو الديمقراطية النقية , وبمرور الزمن تغير معنى "الديمقراطية" و ارتقى تعريفها الحديث كثيراً منذ القرن الثامن عشر مع ظهور الأنظمة "الديمقراطية" المتعاقبة في العديد من دول العالم ..
لما بعثت الديمقراطية مرة ثانية في القرن الثامن عشر في أوروبا كان من المتعذر أن تكون ديمقراطية مثل ديمقراطية أثينا بسبب الازدياد الكبير في عدد السكان، وصعوبة اجتماعهم. ولكن بدلاً من أن يقال إن الديمقراطية بمعنى حكم الشعب غير ممكنة الآن، فلنبحث عن نظام حكم آخر يتناسب مع واقعنا.
لم يكن يوجد في عام 1900 نظام ديمقراطي ليبرالي واحد يضمن حق التصويت وفق المعايير الدولية، ولكن في العام 2000 كانت 120 دولة من دول العالم الـ 129 أو ما يوازي 60% من مجموعها تعد ديمقراطيات ليبرالية . استنادا على تقارير مؤسسة بيت الحرية وهي مؤسسة أمريكية يزيد عمرها عن 64 عاما، هدفها الذي يعبر عنه الاسم والشعار هو نشر "الحرية" في كل مكان ، كانت هناك 25 دولة في عام 1900 أو ما يعادل 19% منها كانت تطبق "ممارسات ديمقراطية محدودة"، و 16 أو 8% من دول العالم اليوم. وتشير إحصاءات بيت الحرية إلى أن عدد الملكيات الدستورية في عام 1900 كان 19 ملكية أي ما يعادل 14% من دول العالم، وكانت الدساتير فيها تحد من سلطات الملك و تمنحها للبرلمان المنتخب، و لا توجد الآن ملكيات دستورية. وكانت دول أخرى تمتلك و لا زالت أشكالاً متعددة من الحكم غير الديمقراطي .
تتطلب الديمقراطية وجود درجة عالية من الشرعية السياسية لأن العملية الانتخابية الدورية تقسم السكان إلى معسكرين "خاسر" و "رابح".
لذا فإن الثقافة الديمقراطية الناجحة تتضمن قبول الحزب الخاسر و مؤيديه بحكم الناخبين وسماحهم بالانتقال السلمي للسلطة و بمفهوم "المعارضة الموالية". فقد يختلف المتنافسون السياسيون من الناحية النموذجية و لكن لابد أن يعترف كل طرف للآخر بدوره الشرعي ، و من الناحية المثالية يشجع المجتمع التسامح و الكياسة في إدارة النقاش بين المواطنين.
وهذا الشكل من أشكال الشرعية السياسية ينطوي بداهةً على أن كافة الأطراف تتشارك في القيم الأساسية الشائعة , وعلى الناخبين أن يعلموا بأن الحكومة الجديدة لن تتبع سياسات قد يجدونها بغيضة ، لأن القيم المشتركة ( الدساتير والقوانين والأنظمة ) تضمن عدم حدوث ذلك.
وتعتمد كل أشكال الحكومات على شرعيتها السياسية ، أي على مدى قبول الشعب بها، لأنها من دون ذلك القبول لا تعدو كونها مجرد طرف في حرب أهلية ، طالما أن سياساتها و قراراتها ستلقى معارضة ربما تكون مسلحة.
والفشل في تحقيق الشرعية السياسية في الدول الحديثة عادة ما يرتبط بالانفصالية و النزاعات العرقية و الدينية وليس بالاختلافات السياسية ، إلا أن ذلك لا ينفي وجود أمثلة على الاختلافات السياسية كالحرب الأهلية الإسبانية وفيها انقسم السكان إلى معسكرين سياسيين متخاصمين.
إن الانتخابات الحرة لوحدها ليست كافية لكي يصبح بلد ما ديمقراطياً , فثقافة المؤسسات السياسية و الخدمات المدنية فيه يجب أن تتغير أيضاً ، وهي نقلة ثقافية يصعب تحقيقها خاصة في الدول التي اعتادت تاريخياً أن يكون انتقال السلطة فيها عبر الوراثة أو ضمن العشيرة أو عبر العنف .
وهناك العديد من الأمثلة المتنوعة كفرنسا الثورية و أوغندا الحالية و إيران التي استطاعت الاستمرار على نهج الديمقراطية بصورة محدودة حتى حدثت تغييرات ثقافية أوسع وفتحت المجال لظهور حكم الأغلبية.
لا خير في أن تكون هناك هيئة تشريعية منتخبة بحرية ، دون أن تكون هناك صحافة حرة تنقل أخبار نشاطاتها . وإذا لم يتم مساءلة الحكام والحكومات ومحاسبتهم وتنحيتهم إذا كانوا فاسدين، فسرعان ما ستأتي حكومة فاسدة وسيئة و متسلطة .
وعلى النقيض من ذلك، فإنه حيثما يمكن طرح الأسئلة، وحيثما توجد آراء سليمة ومتنوعة، وأينما أمكن فضح المتعجرفين والمتكتمين على الأسرار، يكون الاتجاه عندئذ نحو وجود حكومة مسؤولة قابلة للمحاسبة ، حكومة أفضل .
وعلى صعيد آخر ينبغي القول إن الديمقراطية الليبرالية نمت وتطورت هي وأسسها الفكرية والنظرية وآلياتها العملية في أرض معينة وعلى خلفية ظروف تاريخية عاشتها المجتمعات المسيحية الغربية كما في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ، فكان لزاماً أن نطرح هذا السؤال:
هل كان بالامكان أن تنمو الديمقراطية بنفس الأسس والآليات في مكان آخر ولدى شعوب أخرى لها عقائدها وقيمها وحضارتها المختلفة ؟
فالديمقراطية كمنهج اجتماعي هي وسيلة تتغير عناصرها و أولوياتها ومنهجها من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، ولكن هدفها يبقى هو تحقيق العدالة و رغبات ودوافع الأفراد بالإضافة إلى استمرار ونمو وتطور المجتمع ( أو الدولة ) ككل وكمؤسسات .
إن أساليب الديمقراطية كثيرة , فالمرشحون لمناصب القيادة والإدارة الذين سوف ينتخبهم الشعب يطرحون برامجهم ومشاريعهم وأهدافهم , وتكون ضمن خيارات تتيحها الأنظمة والقوانين , وبعد نجاحهم في الوصول إلى القيادة وإدارتهم الحكم , يجري تقييمهم وبناءً على النتيجة , ويبقوا أو يتم تغييرهم .
ورغم تحقق هذه في العديد من أنظمة الحكم الديمقراطية الغربية إلا ن النظام الاقتصادي الرأسمالي لم يستطع إلغاء المعضلات الديمقراطية التي تنشب عن امتلاك القلة الغنية أو المنفذة لوسائل الإعلام والتأثير على الرأي العام وعلى المقترعين وبالتالي على صنع القرارات بمختلف الوجوه والوسائل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوري من محكمة باريس؟ | ا


.. مربعات سكنية بأكملها تم نسفها .. إسرائيل تقصف غزة وتواجه حما




.. -قرع طبول الحرب-.. إسرائيل وحزب الله في سيناريو مواجهة | #ر


.. الاتهامات الإسرائيلية تنهال على نتنياهو.. ودعوات لرفض إلقائه




.. قراءة عسكرية.. الاحتلال يعلن إصابة 14 جنديا في غزة