الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باراك القديم الجديد

برهوم جرايسي

2007 / 8 / 13
القضية الفلسطينية


أثارت تصريحات رئيس حزب "العمل" الإسرائيلي، وزير الحرب، إيهود باراك، في نهاية الأسبوع الماضي زوبعة سياسية محدودة، باعتبار، ما وصفه المحللون الإسرائيليون، أنه أصبح يميل إلى اليمين الوسط في الخارطة السياسية الإسرائيلية، بعد أسابيع من توليه رئاسة حزب "العمل"، المحسوب وفق المفاهيم الإسرائيلية، على "اليسار الصهيوني".
وكان باراك قد أطلق عدة تصريحات ونقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، يقول فيها، إنه لا يمكن التوصل إلى حل مع الفلسطينيين في ظل قيادتهم الحالية، وأن ما يقوم به رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، من اتصالات ولقاءات مع الجانب الفلسطيني ما هو "إلا فقاعات هوائية"، ثم ينتقل للحديث عن عدم وجود أي فرق بين حركتي حماس وفتح، وليعلن رفضه لإزالة الحواجز العسكرية في الضفة الغربية المحتلة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل حقا "أصبح" باراك يميل إلى اليمين الوسط في إسرائيل، أم أنه بات يعبر عما يجول في داخله بصراحة أكبر، وهل ما يقوله باراك اليوم يختلف من حيث الجوهر، أو لنقل يخالف التطبيق الفعلي لحزب "العمل"، حين كان على رأس الحكم في إسرائيل.
بداية هناك حاجة للعودة إلى الماضي القريب، إلى فترة دخول باراك الحلبة السياسية، حتى قبل أن يخلع بزة الجنرال، وهو من كان رئيسا لأركان الجيش، ومن قبل تولى مهام عسكرية "رفيعة"، فقد عُرف عنه، وكما يصرح هو بين الحين والآخر، أنه كان يتولى أخطر العمليات الدموية التي يقوم بها الجيش، بدءا من سلسلة الاغتيالات في العاصمة اللبنانية بيروت في سنوات السبعين الماضية وغيرها.
وفي سنوات التسعين الماضية، انخرط باراك في المسار التفاوضي مع القيادة الفلسطينية، والأطراف العربية المختلفة، بصفته عسكريا، وهذا ما سرّع دخوله إلى الأجواء السياسية، قبل أن ينهي ولايته في الجيش كرئيس أركان، التي حين أنهاها كانت البلاد والمنطقة تعيش حالة من الانفراج السياسي النسبي، وكغيره من العسكر، فإنه كان من البديهي أن يتوجه إلى "بيت سياسي" يلائم هذه الأجواء، وكان في حينه حزب "العمل".
ففي النصف الثاني من سنوات التسعين، كان حزب "العمل" يبحث عن مخرج لأزمته الناشئة في أعقاب هزيمته الانتخابية المفاجئة وبفارق ضئيل في العام 1996، ومن جملة الخيارات التي كانت بيد الحزب هو التشبث من جديد بجنرال "رفيع" ليقود الحزب، الذي عُرف عنه دائما أنه حزب الجنرالات.
كذلك فإن وسائل الإعلام والأجواء العامة في إسرائيل، التي بدأت تتخوف من انهيار جديد للأوضاع الأمنية، وأمام الأزمات التي خلفتها حكومة بنيامين نتنياهو في حينه، بدأت أيضا، تبحث عن "حبل الخلاص"، الذي يعيد لها الأمن من جهة، ويدفع من جديد العملية السياسية، وكان الجنرال باراك "الاسم الأنسب" لهذه المهمة، وهذا ما سهّل عليه الانقضاض على زعامة حزب "العمل".
في تلك السنوات تقنّع باراك بمواقف ذات توجه "سلامي" نسبي، لتسهيل مهمته في قيادة الحزب، وعلى الرغم من ذلك فقد وقع في بعض المواقف التي كشفت الحقيقة المتخفية لديه، مثل رفضه بداية ان يشمل برنامج الحزب للانتخابات البرلمانية في العام 1999 بندا يوافق على إقامة دولة فلسطينية، وفقط بعد تهديد ما يسمى بـ"جناح الحمائم"، وافق باراك على ذلك.
ولكن هذه الموافقة لم تقف عائقا أمام تطبيق فعلي لتوجهاته، فحقا لم يوقف باراك الاتصالات مع الجانبين الفلسطيني والسوري، لا بل اندفع إلى مفاوضات سياسية مكثفة أحيانا، ولكنها على أرض الواقع لم تفض إلى شيء، فنذكر أن المفاوضات مع سورية وصلت إلى درجة الحديث عن أنه تم التوصل إلى حل كافة القضايا، وأن الخلاف تمركز فقط على "بضع مئات" من الأمتار في جنوب هضبة الجولان السورية المحتلة، وهو ما "فجر الخلاف".
أما على المسار الفلسطيني، فقد سمعنا الكثير عن مفاوضات "كامب ديفيد" في صيف العام 2000، وما تبعها من مفاوضات في طابا، وسمعنا أن إسرائيل موافقة على الانسحاب من 96% من أراضي الضفة الغربية، وحتى وصل الحديث إلى درجة قبول إسرائيل بعودة 130 ألف لاجئ فلسطيني إلى مناطق 1948، ولكن ما رأيناه على أرض الواقع في فترة باراك، هو اشتداد النشاط الاستيطاني بنسب غير مسبوقة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك رأينا انفجارا وعدوانا إسرائيليا، اندلع في خريف العام 2000، ولا يزال مستمرا.
وفي هذه النقطة بالذات نشير إلى أنه مع توالي الأحداث فإن الكثير من المعلومات والتفاصيل الدقيقة تسقط، على الرغم من أهميتها، ومن بينها، أن أكثر من روّج لاحتمال وقوع انفجار أمني بين الإسرائيليين والفلسطينيين كانت إسرائيل نفسها، التي كانت تدعي أن الفلسطينيين كانوا يعدون العدة لانتفاضة جديدة، على خلفية فشل المفاوضات.
ولكن في الحقيقة وهذا ما أكدته المعطيات وما كشفه المحللون والمراقبون الإسرائيليون، أن إسرائيل هي التي كانت تستعد لهذا العدوان منذ فترة طويلة، ولنكن واقعيين أيضا، فللأسف الشديد، فإن الجانب الفلسطيني وقع في هذا الشرك بسرعة، رغم أنه كان عليه أن ينظر للمدى البعيد، ويعمل على وقف الانفجار بعد أيام من وقوعه، وهذا ما كان متاحا في حينه، ولكن هذه قضية تحتاج لمعالجة تفصيلية أخرى.
كذلك فإن باراك نفسه هو أول من طرح مصطلح "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام"، مع مغادرته رئاسة الحكومة في شباط (فبراير) من العام 2001، وهو المصطلح، أو "المبدأ" الإسرائيلي، الذي تشبث به رئيس الحكومة التالي، أريئيل شارون، وبنى عليه سياسة إسرائيل بدعم أعمى من إدارة جورج بوش الأميركية.
لقد بقي باراك حوالي ست سنوات خارج الحلبة السياسية، ولكن طيلة هذه السنوات التي انشغل فيها باراك بمشاريع اقتصادية جعلته من أثرياء إسرائيل، وحين كان ينطق بالسياسة، فإنه لم يكن ينطق بغير هذه التوجهات اليمينية، وهو يشعر الآن أن الأجواء السياسية في إسرائيل التي لا تزال تميل لليمين الصهيوني تساعده على ذلك، ولكنها لن تساعد على عودة حزبه إلى مركز الصدارة في الحلبة السياسية.
وهذا ما ينقلنا إلى حزب "العمل" نفسه، الذي يُعتبر في الحلبة السياسية الإسرائيلية "زعيم اليساري الصهيوني"، ولكن هذا اليسار يبقى صهيونيا، ولا يخرج عن إطار الأيديولوجية الصهيونية، خاصة وأنه الحزب المؤسس لإسرائيل، وصانع أكبر حروبها الاحتلالية.
وما يميز هذا الحزب على الساحة الداخلية، هو أنه لكونه حزبا حاكما، أو يتناوب على الحكم، فإنه يستقطب مجموعات يسارية صهيونية ذات توجه سلامي أكثر، ومنها ما ينخرط في صفوفه، وهذا ما يسهل مهمة الحوار معه، على الرغم من أن القيادة التقليدية لهذا الحزب لم تكن بوضع مخالف من حيث الجوهر عما يقول باراك اليوم.
ولكن هذا لا ينهي الرهان على تغيير موازين القوى في داخل إسرائيل، خاصة وأن تصريحات باراك لا يمكنها ان تنقذ حزبه من أزمته، لا بل ستورطه أكثر، لأنه في وضعية كهذه، فإن أوساطا واسعة من الناخبين ذوي الميول اليسارية ستبتعد عن الحزب، ولربما أن "تبقى في البيت ولا تشارك في العملية السياسية"، أما مصوتو اليمين، فإنهم يفضلون "النسخة الأصلية" للتوجهات اليمينية، أي أحزاب اليمين نفسها، ولهذا فليس من المستبعد أن يبحث باراك في الفترة القادمة عن مناسبات لتعديل أو تخفيف ما صدر على لسانه، ولكن من حيث الجوهر فإن باراك سيبقى على حاله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم