الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستماع والإقناع

صبحي حديدي

2003 / 10 / 7
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية يمكن للمرء أن يقرأ النصّ الكامل للتقرير ذي العنوان الطريف "تبديل الأذهان، كسب السلام"، والذي يسير عنوانه الفرعي على نحو يخلو تماماً من الطرافة: "توجّه استراتيجي جديد للسياسة العامة للولايات المتحدة في العالم العربي والمسلم". وهذا التقرير، كما بات معروفاً، هو ثمرة أبحاث "مكثفة" واستقصاءات "معمّقة" وجولات ميدانية "منيرة"، قامت بها مجموعة استشارية خاصة شكّلها الكونغرس في حزيران (يونيو) الماضي، وباركها البيت الأبيض، ورصد لها ميزانية ضخمة.
المجموعة برئاسة إدوارد دجيرجيان، المساعد الأسبق لوزير الخارجية والسفير الأسبق في سورية والدولة العبرية، وأمّا الأعضاء الـ 13 (ونزعة التشاؤم المسبق لم تكن الحافز وراء هذا العدد بالذات، على الأرجح!) فهم من الخبراء ذوي الباع الطويل في السياسة والاجتماع والثقافة والاقتصاد والاتصال والعلاقات العامة وعلم النفس. ولكي تتخفّف المجموعة من سلسلة الشكوك المعتادة التي تقترن بتشكيل لجان من هذا النوع، ضمّت المجموعة إلي عضويتها عدداً لا بأس به من العرب والمسلمين، بينهم فقيه كبير ــ ولاعب حواة لا يُشقّ له غبار ــ في شؤون الشرق الأوسط هو البروفيسور المصري مأمون فندي (عند سقوط تمثال صدّام حسين قبل أشهر، كتب صاحبنا يذكّر بأغنية "الأطلال" ويخبر قرّاءه الغربيين أنّ الصرح الذي كان من خيال فهوى، ليس سوى الرئيس المصري الراحل عبد الناصر!).
ومجموعة العمل هذه هي آخر ما تفتّقت عنه أذهان العاملين في دائرة الإتصال بوزارة الخارجية الأمريكية، وضمن ما يطلق عليه دهاقنة العلم هناك تسمية "دبلوماسية الجمهور"، أي شنّ الحملات الدبلوماسية التي تتوجّه إلى شوارع الشعوب أكثر ممّا تتوجّه إلى قصور الحكّام. وكانت السيدة شارلوت بيرز، المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأمريكي، هي التي تشرف على دائرة طويلة عريضة منهمكة في سبر شوارع العرب والمسلمين، والوقوف على أهواء الأجيال الشابة بصفة خاصة، وإجراء استطلاعات رأي حول مختلف القضايا التي تهمّ مصالح الولايات المتحدة. وبالطبع، كان ويظلّ في طليعة اللائحة ذلك السؤال الحارق الكبير: لماذا تكره الشعوبُ الولايات المتحدة... كلّ هذا الكره؟
ونقول "كانت السيدة شارلوت بيرز" لأنها لم تعد تشغل هذه الوظيفة اليوم، واستقالت قبل أسابيع لأسباب صحية يعلم الجميع أنها ذريعة تخفي الأسباب الحقيقية التي تدور حول فشل الدائرة الذريع، وانتقال خططها واستراتيجياتها من باب مسدود إلى آخر، إنْ لم يكن علي يد البنتاغون أو مكتب التحقيقات الفيدرالي أو وزارة العدل أو معتقل غوانتانامو، فعلى يد الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه. وليست خلاصات تقرير دجيرجيان وصحبه سوى إعادة إنتاج للخلاصات التي بلغتها بيرز، والتي تختصرها هذه العبارة الوجيزة الدالة: "الولايات المتحدة فشلت في الاستماع، وفشلت في الإقناع"!
وعلى سيرة ثنائية الاستماع/الإقناع هذه، يُعدّ "راديو سوا" ثمرة أخرى من ثمار المشروع الشهير مبادرة 11/9 ، والذي تشرف عليه وزارة الخارجية بالتعاون مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. وهذه الإذاعة الأمريكية، التي تبثّ باللغة العربية وتحلّ محلّ القسم العربي في "صوت أمريكا"، كانت قد انطلقت في 22 آذار (مارس) الماضي وأعلنت أنّ هدفها الإستراتيجي هو الوصول إلى 80 مليون عربيّ، أعمارهم تقلّ عن 30 سنة. وهي تسعى إلى تصحيح الصورة التي يحملها العرب والمسلمون عن أمريكا، ومكافحة تيّارات العداء لأمريكا علي اختلاف عقائدها ومنطلقاتها.
وإذا كانت ذروة الذكاء في منهاج عمل راديو سوا هي التركيز علي الأغنيات والبرامج الخفيفة والرياضة والطقس والإتصال مع المستمعين والتخفيف ما أمكن من البرامج السياسية واعتماد نشرات أخبار قصيرة سريعة، فإنّ بؤرة الغباء هي الإنطلاق من الفلسفة القديمة/الجديدة: افتراض الجهل المطبق لدى شعوب العالم، والإيمان تالياً بأنّ تثقيف الشعوب (وترفيه أجيالها الشابة بصفة خاصة!) كفيل بتصحيح الوضع واستبدال صورة الأمريكي البشع بصورة الأمريكي الطيّب.
وليس أدلّ على مآلات هذه الإذاعة، ومعها مآلات دبلوماسية الجمهور بأسرها عملياً، من هذا الحكم القاسي الذي تطلقه مجموعة دجيرجيان على "راديو سوا" تحديداً: "بحاجة إلى هدف أكثر وضوحاً من مجرّد بناء جمهور عريض من المستمعين"، وممّا يثير القلق أنّ استراتيجيتها لا تشير أبداً إلى أهداف مثل "تبديل الأذهان" أو "تحسين المواقف" أو "شرح السياسات". ولكن كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف إذا كان نورمان ج. باتيز، عضو مجلس الأمناء ومالك تسعة أعشار إذاعات أمريكا العابرة للقارّات وصاحب ومنفّذ فكرة "راديو سوا"، يروّج لهذه الإذاعة كمَن يروّج لبنطال جينز؟
وفي الأساس، كيف لأيّ نافخ أن يملأ قربة مثقوبة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة