الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفشل الامريكي المتعمد في الحرب على الارهاب

يعقوب بن افرات

2007 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


وضع امريكا الهش في باكستان يشير الى تراجع مكانتها في الشرق الاوسط. حالة مشرّف شبيهة بحالة المالكي في العراق، السنيورة في لبنان وعباس في فلسطين. حلفاء امريكا في المنطقة في عزلة، لان الادارة الامريكية معزولة داخل امريكا نفسها.

يعقوب بن افرات

هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 منحت الادارة الامريكية برئاسة جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني، المبرر لشن الحرب الوحشية على العراق والاطاحة بنظام صدام حسين. تحول هذا الاعتقاد الى اجماع، بعد ان انكشفت كل الملابسات المتعلقة بالحرب على العراق، والتي تأسست على ثلاثة ادعاءات ملفّقة، الاول وجود علاقة بين القاعدة وصدام، والثاني حيازة العراق لاسلحة الدمار الشامل، والثالث صفقة اليورانيوم بين العراق والنيجر. منذ ذلك الحين، تم اعدام صدام بينما اسامة بن لادن حر طليق في جبال افغانستان.

إعدام صدام والاطاحة بنظامه تم بفضل التآمر الثلاثي بين امريكا وايران والقاعدة، وكانت النتيجة ان تقاسم كل منها العراق: امريكا بسطت سيطرتها، ايران وسّعت نفوذها من خلال الحكومة الشيعية، اما القاعدة فاستغلت الفراغ السياسي لفرض الامارة الاسلامية في المناطق السنية. غير ان المصلحة المشتركة لهذه الجهات الثلاث بالقضاء على صدام، لم تستطع الحؤول دون الاحتراب الداخلي، الذي تحول الى حرب اهلية شرسة لم تعرف مثلها الحضارة العربية.



بوش وبن لادن

في اكثر من مناسبة اتهم الحزب الديموقراطي الرئيس بوش بأنه لم يكن جادا في حربه ضد القاعدة، ولمح الحزب بذلك الى ان بوش استغل هجمات 11 ايلول لتحقيق هدفين: الاول إدخال الشعب الامريكي لهستيريا وبالتالي زيادة نفوذ اليمين والفوز بالانتخابات للولاية الثانية عام 2004؛ والثاني شن حرب على العراق لتمرير سياسة الحرب الوقائية، وهو مخطط قديم للمحافظين الجدد يهدف الى فرض الجبروت العسكري الامريكي على العالم. ولكن مع الفشل الذريع في العراق وازدياد المعارضة الشعبية في امريكا للحرب، وهبوط شعبية الرئيس، بدأت الحقائق تطفو على السطح، وهي تشير الى فشل كبير في سياسة بوش تجاه العراق وافغانستان.

صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية نشرت مقالا في 18 تموز، حول تقرير استخباراتي عنوانه "تقييم الاستخبارات القومي" يعترف بان "استراتيجية الحرب ضد قيادة اسامة بن لادن في باكستان، فشلت". وحسب هذا التقييم الذي يمثل كافة وكالات الاستخبارات الامريكية وعددها 16، فان "المنظمة الارهابية (القاعدة) زادت من قوتها في العامين الاخيرين". احد اسباب الفشل، كما يشير التقرير، هو اعتماد امريكا على سياسة الرئيس الباكستاني، برويز مشرّف، الذي توصل الى هدنة بين جيشه وبين القبائل في منطقة وزيرستان المحاذية للحدود مع افغانستان.

عن العلاقة بين الامرين نشرت الصحيفة نفسها في 8 تموز تقريرا حول الغاء عملية عسكرية كانت على وشك التنفيذ مطلع 2005، استهدفت قياديين كبار في القاعدة في المنطقة القبلية المحاذية لأفغانستان. امر من وزير الدفاع حينها، دونالد رامسفيلد، اوقف العملية عندما رفض طلبا مستعجلا تقدم به رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.ايه) بورتير غروس.

وكان قرار رامسفيلد نابعا من خشيته من وقوع ضحايا بين الجنود الامريكيين، ولكنه تجنب ايضا افتعال ازمة مع باكستان التي رفضت التدخل الامريكي في المناطق القبلية. وادى القرار الامريكي لاحباط شديد لدى عناصر الاستخبارات، خاصة انه اتاح للقاعدة تطوير قدرتها على تنفيذ هجمات في الغرب انطلاقا من المناطق الباكستانية المذكورة.

وهنا يبقى المجال مفتوحا لأكثر من سؤال حول نوايا امريكا بشأن بن لادن: هل هي معنية فعلا بتصفيته ام تريده شبحا معزولا ومصدر تهديد دائم على سلامة الغرب وعلى أمريكا نفسها؟ كيف يمكن تفسير السهولة التي قامت بها امريكا بتصفية قيادة البعث، في حين مرت ست سنوات وهي تتذرع بعدم قدرتها على الامساك بطريدها بن لادن. هل كانت بالفعل ستمسك به لولا الاعتبارات السياسية التي فرضتها العلاقة مع باكستان؟ لماذا لا تعتقله رغم ان هذا كان من الممكن ان يعتبر انجازا تاريخيا وانتصارا معنويا قد يحسّن موقع حلفائها في كل من افغانستان، باكستان والعراق؟



طالبان والقاعدة تستعيدان القوة

السياسة الامريكية في افغانستان وباكستان ادت في نهاية المطاف الى استعادة طالبان والقاعدة لقوتهما، وجلبت تراجعا كبيرا في مكانة نظام الرئيس مشرّف. بدا هذا في نتائج الهدنة بين الجيش الباكستاني وقبائل البشتون في المنطقة الحدودية. الهدنة التي جاءت بعد ان أخفق الجيش في بسط سيطرته على المنطقة، تمت بشرط ان تمنع هذه القبائل من المقاتلين التسلل من افغانستان لباكستان. ولكن الهدنة لم تمنع من حركة طالبان الاستقرار في هذه المنطقة بل وتوسيع نفوذها فيها.

لم يقتصر نفوذ طالبان على المناطق القبلية، بل وصل قلب العاصمة اسلام اباد. هذا ما انكشف في المعركة الدامية في المسجد الاحمر الذي ضم 15 الف مدرسة دينية منتشرة في كل انحاء البلاد. وتتبنى هذه المدارس النهج الديوبندي، اي الاسلام السلفي الذي تربت عليه عناصر القاعدة وطالبان. 70% من طلاب هذه المدرسة بالذات هم من المناطق الحدودية، وتعتمد الدروس التي يتلقونها على حفظ القرآن والجهاد المسلح بهدف فرض الشريعة الاسلامية في باكستان وسائر البلدان الاسلامية.

هذا الانتشار لم يأت عنوة، بل يعبر عن العلاقة الاستراتيجية التي جمعت الاسلام السياسي بالمخابرات وضباط الجيش الباكستانيين، وذلك منذ الحرب ضد الشيوعية في المنطقة، وفي المعركة المتواصلة ضد الهند. امريكا نفسها قامت بتمويل هذا التيار السلفي في حربها ضد السوفييت في افغانستان، وتعتبر حركة الاخوان المسلمين والسلفيين حلفاءً استراتيجيين لأمريكا في حربهم المشتركة ضد الشيوعية وضد اي حركة او نظام علماني معارض للاستعمار الامريكي ومكافح من اجل نظام ديموقراطي حقيقي واقتصاد يخدم عامة الشعب. الاسلام السياسي يرى في النظام الديموقراطي المؤسس على حرية الفرد عدوا له، وكذلك امريكا التي تخشى من فقدان سيطرتها ونفوذها في العالم.

بدأ هذا التحالف يتزعزع منذ احداث 11 ايلول. تحالف مشرّف مع امريكا جلب عليه معارضة شديدة من جانب الاخوان المسلمين بقيادة قاضي حسين، والاحزاب المقربة من طالبان، بالاضافة الى نواز شريف، الرئيس الاسبق لباكستان، الامر الذي يقلّص من امكانية اعادة انتخاب مشرّف في الانتخابات القادمة.



امريكا وحلفاؤها في عزلة

ان وضع امريكا الهش في باكستان يشير الى تراجع كبير في مكانة امريكا في الشرق الاوسط عموما. ان حالة برويز مشرف شبيهة بحالة نوري المالكي في العراق، فؤاد السنيورة في لبنان ومحمود عباس في فلسطين. ان كل حلفاء امريكا في المنطقة يعانون حالة من العزلة ويدفعون ثمنا باهظا لان الادارة الامريكية معزولة داخل امريكا نفسها، ومنسوب كراهية الشعوب لها قد ارتفع بسبب سياستها الاجرامية التي مزّقت الدول التي تدخلت فيها:

أفغانستان تشهد حربا اهلية بين حكومة كرزاي التي تسيطر بمساعدة حلف الاطلسي على العاصمة كابول، بينما تحولت بقية المناطق الى ساحة حرب مفتوحة. باكستان نفسها دخلت حربا داخلية بين اعراقها المختلفة من بشتون وغيرهم وبين المؤسسة الحاكمة، مما يهدد سلامة وامن البلاد.

المشهد العراقي واللبناني والفلسطيني يدل ايضا على ان الانقسامات الداخلية شلت البلاد، وأدخلتها لدائرة عنف وفقر واعادتها سنوات الى الوراء. في كل هذه البلاد نرى طرفا قريبا من امريكا وطبقة غنية مستفيدة من الشراكة مع امريكا ولا تهتم بمعاناة الناس، وبالمقابل حركات دينية اصولية مستفيدة من وضع الفوضى والفساد والفقر.

لا شك ان ما نشهده من تراجع في مكانة امريكا سيكون له انعكاسات خطيرة على الساحة السياسية الامريكية، قد يكون اهمها هزيمة كبيرة للمحافظين الجدد وزعيمهم جورج بوش الذين استغلوا موقعهم لخوض تجارب سياسة خطيرة مثل الحرب الوقائية، ضرب الامم المتحدة، تأجيج الحروب الداخلية، الاستهتار بكل المعاهدات الدولية وتفضيل رأس المال الكبير على حساب المصلحة الانسانية ككل.

المشكلة ان تركة بوش هي عبارة عن ارض محروقة، سيصعب على اية حكومة قادمة اشفاءها. يجب ان يكون التغيير جذريا لمعالجة اصول هذه الازمة التي تهدد سلامة العالم كله، ولكن السياسات الراهنة واحزابها التي تخدم رأس المال بعيدة جدا عن طرح برنامج يكون على مستوى الازمة التي دخلها العالم بعد سبع سنوات من حكم اسوأ ادارة امريكية شهدها التاريخ.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بو ناصر الطفّار وهالو سايكلبو يلتقيان جمهور باريس في حفل موس


.. بو ناصر الطفّار وهالو سايكلبو يلتقيان جمهور باريس في حفل موس




.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة