الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشفاهية .. الداء المستعصي في الثقافة العربية(11) الشفاهية والخطاب الشعري

ثائر العذاري

2007 / 8 / 14
الادب والفن


دعني أنتقل بك الآن الى شاعر من العصر الحديث , من عصر الحداثة العربية، اذا جاز استخدام مثل هذا الاصطلاح..انه (بدر شاكر السياب).
على الرغم من ان السياب يعد رائد الشعر الحديث, وعلى الرغم من محاولاته الواعية للإفلات من سطوة الموروث , فان تأمل أعماله الشعرية يوصلنا الى ان التقاليد الشفاهية كانت ذات سلطة أقوى مما نتصور, وسأضرب لك مثلا من قصيدة يتضح فيها هذا الأمر بجلاء(غريب على الخليج).
هذه القصيدة مكتوبة باسلوب (تيار الوعي) فهي مجموعة من الصور المتدفقة التي لا يربط بينها سوى فكرة (التداعي الحر الفرويدية):
.............
البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون
والبحر دونك يا عراق
بالأمس حين مررت بالمقهى سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانة
..................

عند هذه النقطة يستمر الشاعر في سرد عدد كبير من الصور المتتابعة التي تمثل العراق كما هو في ذاكرة القناع المتكلم.
ما نريد الاشارة اليه هنا أن هذا المقطع الطويل من القصيدة مبني على توجيه الخطاب مباشرة الى العراق (سمعتك يا عراق وكنت..) , غير أن هذا المخاطب مغيب تماما في بنية الخطاب ، فهو لا يتحدث ولا يجيب ولا نعرف شيئا عن رد فعله, انه لا يظهر الا كما يراه المتكلم.
وفي مقطع آخر من القصيدة ذاتها:
.....................
زهراء أنت .. أتذكرين
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أيد تطاع بما تشاء, لأنها أيدي رجال
.....................

زهراء هذه هي الشخصية الثانية المهمة التي يوجه المتكلم الخطاب اليها,ولكنها كما في الحالة السابقة , مغيبة تماما رغم مخاطبتها بالضمير (أنت) , أي انها مستمع سلبي لا يمارس غير التلقي من غير أي تفاعل ايجابي.
هاتان الحالتان تمثلان شكلا قياسيا من أشكال التقليد الشفاهي فعلى الرغم من أن الشاعر الحديث تعلم الفصل بين شخصيته الحقيقية وشخصية القصيدة فهو لما يزل يرى المتكلم في قصيدته سيد الخطاب الذي يتحدث وينتظر من المخاطبين الاستماع المخلص من غير ممارسة دور ايجابي في الحوار.
في عام 1956م حدث ما يعرف بالعدوان الثلاثي على مصر, وفي ذلك الوقت كانت هناك موجة من الشعور القوي تسود في الشارع العربي , كان رد فعل السياب غريبا وغير متوقع اذ كتب قصيدة منها:

يا حاصد النار من أشلاء قتلانا منك الضحايا وإن كانوا ضحايانا
كم من ردى في حياة,وانخذال ردى في ميتة وانتصار جاء خذلانا
إن العيون التي طفّأت أنجمها عجّلن بالشمس أن تختار دنيانا
..............

في ذلك الوقت كانت المعركة الأدبية بين السياب وزملائه وبين المتزمتين للشكل التقليدي على أشدها, ومع ذلك ترى السياب يعبر عن موقفه من العدوان الثلاثي بهذه القصيدة (الرنانة) , عودة صارخة الى الشكل التقليدي لا يمكن فهمها الا في ضوء بحث الشاعر عن الشكل الصوتي الذي يعبر أصدق تعبير عن فطريته، هذا الشكل الذي يضع المستمع تحت تأثير النظام الصوتي المنضبط ويحمله على التجاوب والطرب , من غير أن يكون له حق التفكير أو التأمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر