الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة من الواقع - من قتل الجايجي ؟؟

عبدالجليل الكناني

2007 / 8 / 16
الادب والفن



رجل لا يملك شيئا سوى يدين تعدان الشاي , ولسان حلو يعطي لشايه طعم المحبة وحلاوة الترحاب. لم يكن وسيما غير أن مرآه يبعث على الارتياح , وينمي الفرح بتصاعد مع كلامه المعسول المفعم بالمودة , فتراه جميلا محفزا على فهم جديد للجمال يتناغم مع الروح المتعبة الباحثة عن الأمان والمودة والرحمة . يسقيك من روحه ووجدانه , لا ترى في عينيه وانفراج شفتيه ألمه , فهو ابتسامة دائمة وعفوية لا تشوبها الشكوك والظنون تزول عندها الفوارق الوهمية التي يصنعها الواقع المزيف . أبو أموري , حين رأيته أول مرّة ظننت أن بيننا معرفة سابقة وأنني لازدحام ذاكرتي المجهدة قد نسيته فقابلته بما قابلني به من مودة وألفة فكانت قبلات صادقة حميمة وكان مضيافا خدوما سهل اللقاء لين المعنى . لا أعرف كيف فاجأني بفنجان قهوة وأنا في موقع العمل قائلا :- أعرف أنك تحب القهوة .
إذن هو يعرفني , سألت عنه فقالوا لي :- لا هو جديد ... أجير يومي ... حالته المادية متعبة ... يسكن في غرفة واحدة مع زوجته وأطفاله ... ليست ملكة بل هو مؤجر ... بخمسين الف دينار شهريا ...
وماذا بعد ؟؟
كانت وحدة التوليد الغازية القديمة عصية .. ما إن نكتشف خللا ونزيلة حتى يعيقنا آخر .. أعطال متنوعة .. تسبقها وتتلوها دعوات وآمال الجميع من العاملين والمهندسين وكل يرى فيها بصيص شمعة , قد ينّور ليل إنسان متعب في زمن يسود فيه الألم ويشح فيه الفرح ويبحث فيه المرء عمّا يعزز وجوده ويضفي على اسمه معنى , في أن يكون أهلا لما هو عليه , لما يجب أن يكون عليه وتكررت زياراتنا المتتالية , ليلة نبيت في بيوتنا وواحدة أو اثنتين قرب عليلنا , نغذيه من طاقة أجسادنا وفكرنا , ونبحث عن كوامن العلل , وكان ابو أموري معنا في شاية وطعامه ودعواته وابتساماته التي تعزز فينا ثقتنا , وتعطي لوجودنا وإصرارنا ديمومة جادة من أجل إنجاز المهمة , نرى في وجهه وابتهالاته كل من بحاجة إلى النور , إلى ليلة دافئة مضيئة يقضيها مع عائلته . فبات الأمل يكبر مع تقدمنا بالعمل وتقدم وحدة التوليد في مراحلها , التي جعلنا نجتازها واحدة تلو الأخرى . وفي يوم توجهنا من الناصرية الى السماوة إلى حيث الوحدة الغازية, يوم كنا نرى فية ثمرة الجد وقد أينعت ووثقنا من أن قطافها قد حان .
كانت المسيرات الراجلة تسد الطرقات الخارجية , مسيرات نساء ورجال , شيب وشباب وأطفال
منهم من يرتدي السواد ويرفع أعلاما سوداء . ومنهم من آثر أعلاما بيضاء أو ملونة , حمراء أو خضراء أو صفراء وكل الألوان التي تراها مغروسة على جوانب الطرقات وحول الخيم والمسقفات المتواضعة الممتدة على طول تلك الطرقات لا تفصلها سوى مئات من الأمتار أو أقل أحيانا حيث تنتشر قدور الطهي وتتوزع حينا كراسي من البلاستك وتفرش الارض بالبسط والحصران وحيث الأيادي التي تمتد بالدوارق المختلفة للعصائر المعدة على عجل في براميل أو قدور كبيرة وبأواني للتمر الذي لم يؤكل منذ عام , حيث يصيح الرجال ( المعازيب ) ملء اصواتهم الجهورة :- عظم الله أجوركم ..عظم الله أجوركم ... تناولوا الشراب واذكروا عطش الحسين .. تناولوا التمر فهو طعام أمير المؤمنين .....
ومع أننا لم نكن , في واقع الحال , ننشد أجرا , مما ينشد الآخرون , في الغالب , إلاّ أننا كنا نرافق المسيرة , إنما لسنا راجلين , بل بسيارة ( بيك اب ) وآمالنا معلقة بتلك ( الوحدة الغازية ) الجاثمة في السماوة , لعلها تسلك طريقها لتصب في بحر المنظومة الكهربائية الآيل للجفاف , لعلها تنير بيتا أو تدفيء عائلة أتعبها البرد والظلام .
لم يكن الوصول سهلا , فالمشاة كانوا يضيقون طرق السيارات بامتدادات عجيبة , ليست لها بداية , ولكن نهايتها واحدة تصب في كربلاء حيث المرقدين الشريفين . امتدادات شريطية تتبعثر حدودها , أجساد تفترش الأرجاء المحيطة بالشوارع , أو تصطادها خيمة تروى بعصائرها الضمأ .
حتى وصلنا السماوة , ومن هناك , ودون قسط من الراحة , يدفعنا الأمل الكبير بإنجاز المهمة , استقبلنا الجميع إلاّ ( أبو أموري ) .. كان أول الغائبين حضورا في ذهني فترحابه وشايه ودعواته تعزز فينا الثقة وتشدّ الأزر
- أبو أموري ذهب إلى كربلاء , مشيا
اتصلنا به بواسطة النقّال , سمعنا صوته :- أنا اجتزت الديوانية ...
كنا نتابع عملنا ونتابع مسيرة ( أبو أموري ) الراجلة ... عثرات وانفراجات , يتجه أبو أموري صوب الحلة , عثرات وانفراجات وانفراجات , اجتاز أبو أموري الحلة ..
حتى اليوم التالي .. المحاولة التشغيلية التي بدت لنا الأخيرة .. سيتوج جهدنا وجدّنا بالنجاح , صاح الحاضرون .. يا ألله .. عسى أن لا يخيب ظننا
ربطت الوحدة بالمنظومة
تقافز الجميع فرحا .. رحنا نقبل ونهنيء بعضنا ..
تذكرته رجل واحد لم يشاركنا الفرح .. أبو أموري .. اتصلت به :- أين أنت ؟؟
جاءني صوته :- أعرف... أنا هنا أمام ضريح الحسين .. أدعوا لكم
أدام أبو أموري اتصاله بي .. حتى اذا تأزم موقف هنا في الناصرية أو موقف هناك في السماوة , كنّا , أو كان هو في الغالب يتصل بنا ... وفي آخر مرّة سمعت صوته بها , كنت قد اتصلت به لأنني لم استطع الاتصال بمن هو أقرب منه الى موقع وحدتنا الغازية, حيث تصعدت الأحداث وصارت مغادرة البيوت شبه مستحيلة , فسمعته يقول :- نحن صامدون .. الوحدة بالعمل .. اسمع .. اسمع صوتها وهي تهدر .. اسمع أصوات الرصاص ....
...........
تم أرساله:
2007 – 8 – 4
17:51:32
ذلك ما ورد من وقت الرسالة التي أرسلها لي أبو أموري . أما مضمونها فلم يكن يحتوي سوى حرف ( د )
قلت لزوجتي :- أنها رسالة من (ابو أموري ) ولكنها لا تحمل سوى حرف ( د )
قالت :- اتصل به فهو يذكرك دائما
- غدا سأتصل به , ليس لدي الآن رصيد كاف

في ذات الليلة وبعد رسالته ( الدالية ) بساعة أو أكثر بقليل .. كان أبو أموري في الطريق الى بيته بصحبة زوجته وأطفاله .. وفي عتمة الليل ,
صاح به أحدهم :- أنت سمير ؟؟
التفت أبو أموري ...!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور