الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الكاتب والصحافي اللبناني حازم صاغية

بدرخان علي

2007 / 8 / 16
مقابلات و حوارات


منذ أيّامي اليساريّة والقضيّة الكرديّة تعنيني كثيراً إن بوصفها مشكلة إنسانيّة، أو كمسألة حق في تقرير المصير، أو من الزاوية الأخلاقيّة الناجمة عن دور العرب (والأتراك والإيرانيّين) في قهر الأكراد.
إعداد وحوار: بدرخان علي

الأستاذ حازم صاغية الصحافي والكاتب اللبناني الشهير، من أهم الأسماء التي برزت في الصحافة اللبنانية والعربية خلال أكثر من عقدين ككاتب ومعلق سياسي ومحرر. يفاجئك في كتاباته بأسلوبه الشيق والممتع يخرج عن روتين الكتابة السياسية السطحية الباهتة دون أن يبالغ في الصياغة الأدبية ويذهب في الخيال الأدبي بعيداً.
منذ سنوات وعقود وهو ينتقد "العروبة القومية" حتى أعلن موت العروبة لكن العرب لم يدفنوا ميِّتَهم وقرر بالتالي (وداع العروبة) ومن ثم وضع لهذا الغرض مؤلفات هامة: (أول العروبة 1993)، (تعريب الكتائب اللبنانية 1991)، (ثقافات الخمينية 1995)، (دفاعاً عن السلام 1997)، (العرب بين الحجر والذرة 1992)، (قوميو المشرق العربي 2000)، (الهوى دون أهله 1991)، (وداع العروبة 1999)، (مأزق الفرد في الشرق الأوسط: تحرير،مجموعة من الكتاب)، (بعث العراق- سلطة صدام قياماً وحطاماً 2003)، (تصدّع المشرق العربي2004، بالمشاركة مع صالح بشير).
لديه من الجرأة الكافية لنقد مراحل من سيرته السياسية في كتابه الصادر مؤخراً (هذه ليست سيرة- 2007) ويتحدث فيه عن تلك المرحلة المزدحمة من الشعارات القومية العروبية والسورية والشيوعية وكيف تحول بين تلك الأيديولوجيات...
لم تشغله متابعة الحدث اللبناني والعربي والإقليمي والعالمي عن التفكير والكتابة في الشأن الثقافي...
في مقال له يعود إلى (آذار 1993)، لا يخلو من نقد موضوعي للعروبة السائدة والكردية السائدة على حد سواء، أعلن الاعتذار من الأكراد".. بانتظار أن يتحول الفعل العربي فعلاً ديمقراطياً فإنني عن هذا الفرد الواحد من ملايين أفراد العالم العربي والذي هو أنا لا أملك إلا الاعتذار من الأكراد.."وهو يذكرنا في اعتذاره هذا بموقف المفكر والباحث العراقي الراحل هادي العلوي الذي تبرأ من هوية الطيار العراقي الذي قصف مدينة حلبجة في رسالته الشهيرة "براءة إلى أطفال كردستان"
رغبة من "مجلة الحوار" واستكمالاً لسلسلة اللقاءات التي نجريها بغية فتح حوارات جادة حول الشأن الكردي وقضايا الثقافة والسياسة وكذلك العلاقات العربية-الكردية، أجرينا هذا الحوار مع الأستاذ حازم صاغية الذي رحب بفكرة الحوار منذ البداية..
س1 - الأستاذ حازم صاغية نرحب بكم على صفحات مجلة الحوار، بداية تلمسكم لعدم واقعية الشعارات القومية العربية البراقة. فما الذي دفعكم إلى نقد الأفكار والأيقونات القومية السائدة؟ هل هي ممارسات الحكام العرب أم لاواقعية توجهاتهم؟ السياسة أم الفكر؟ ولماذا هذه الحدة والجذرية غير المألوفة عربياً في نقدكم للعروبة حتى أعلنتم وداع العروبة تماماً؟!
ج- ليس من الصعب ملاحظة كم هي جذريّة وعميقة الهوّة التي نحن فيها، إلا أن نقد أحوالنا لا يزال خجولاً جداً وقاصراً جداً عن اللحاق بما نعانيه على المستويات كافة: الثقافيّ منه والمجتمعيّ، الدينيّ منه والسياسيّ، الاقتصاديّ منه والتعليميّ الخ. في هذا المعنى، تصدر "الجذريّة غير المألوفة" عن أوضاع غير مألوفة، ما يخلق رغبة حارقة في جَلْدها والتصدّي لخرافاتها الحاكمة.
س2 - خلال روايتكم لسيرة "بعث العراق"/سلطة صدام قياماً وحطاماً/ قد يستنتج المرء وكأن حكم صدام يدخل في باب المصادفات التاريخية لا حصيلة اجتماعية سياسية لشيء اسمه "المجتمع العراقي"، وتبدو القومية البعثية وكأنها إرادة ثلة من المراهقين الشعبويين..كيف تسنى لحكم دام عقوداً أن يكون بمعزل عن شروط مجتمعية عراقية وعربية ودولية هيأت له أسباب الاستقرار والاستمرار؟ وما هي المسؤولية العربية عن تلك الحقبة؟
ج- بالعكس تماماً، أظنّ أنني قلت إن البعث وصدّام نتاج علاقات مجتمعيّة معقّدة وشائكة. لكنْ يبدو أن الطريقة السرديّة، شبه الروائيّة، قد ضلّلت بعض القرّاء فأوحت لهم بغير ما قصدته. أما المسؤولية العربيّة، وربّما العالمثالثيّة، عن ذلك فمتعدّدة الجوانب، تتّصل، من جهة، بالعجز عن التوافق مع الدولة ـ الأمّة إلا من طريق الاستبداد، كما تتّصل، من جهة أخرى، بضعف مفاهيم التعدّد والتسامح وقيمة الاختلاف وأهميّة الفرد في ثقافتنا الشائعة.
س3 - في الشأن اللبناني إلى أي مدى يتفق الأستاذ حازم وهو يعيش ويتابع حيثيات الداخل اللبناني عن كثب مع مقولة أن لبنان ساحة لحروب الآخرين؟
ج- العبارة صحيحة وخاطئة في آن واحد: صحيحة لأن "الآخرين" لم يوفّروا لبنان واستخدامه، من دون أيّة روادع أخلاقيّة أو "أخويّة" أو غير ذلك، بما يخدم مصالحهم، وأحياناً مصالح عائلاتهم وطغمهم. وهو ما جعل النزاعات اللبنانيّة أطول وأعقد على الحلّ دوماً. وخاطئة حين يُراد بها أن "الآخرين" صنعوا الخراب اللبنانيّ فيما اللبنانيّون أبرياء كالملائكة. فتناقضات اللبنانيّين فيما بينهم هي ما سمح لـ"الآخرين" بأن يفعلوا ما فعلوه، كما أن اللبنانيّين هم الذين خاضوا، ويخوضون، حروب "الآخرين" بأيديهم وأجسادهم.
س4 - اهتمامكم بالفردانية في الشرق الأوسط، هل هو بمثابة مشروع ثقافي لرد الاعتبار للفرد- الإنسان بمواجهة المشاريع الجمعية التي تقيد الفرد في مجتمعات مغلقة "متماسكة"، وهل يمكن تحقيق ذلك دون تفكيك وتحطيم الفكرة التقليدية عن القبيلة والطائفة والوطن والقومية والشهادة والجهاد...؟
ج- ما لا شكّ فيه أن الانتصار للفرد هو، تعريفاً، اعتداء واع ومقصود على "القبيلة والطائفة والوطن والقومية والشهادة والجهاد". هذا تحصيل حاصل. ذاك أن المجتمع الذي يحترم أفراده لا يشهد، مثلاً، ذاك الإقدام على قتل النفس، المسمّى استشهاداً، فدى للأيقونات المذكورة أعلاه. فإما البشر، منظوراً إليهم كأفراد ومواطنين، وإما "القضايا" التي تُحرق البشر في أفرانها المشتعلة دوماً والتي تطلب الحطب من دون كلل.
س5- متى أثارت القضية الكوردية اهتمامكم كمثقف وكاتب. كيف تم ذلك وماذا تسجلون على الخطاب القومي الكردي وشعاراته وممارسات القوميين الأكراد من زاوية نقدية؟
ج- منذ أيّامي اليساريّة والقضيّة الكرديّة تعنيني كثيراً إن بوصفها مشكلة إنسانية، أو كمسألة حق في تقرير المصير، أو من الزاوية الأخلاقيّة الناجمة عن دور العرب (والأتراك والإيرانيّين) في قهر الأكراد. أما مآخذي على الحركة القومية الكردية فإنها ردّ فعل لم يتحرّر من الفعل، أي أنها استدخلت فيها الكثير من أفكار وسلوكيات جلاّدها العربيّ (أو التركيّ أو الإيرانيّ). إنها تبدي لهفة في الانتقال من موقعها الأقليّ الذي أسبغ عليها أبعادها الديموقراطيّة والإنسانية إلى موقع أكثريّ بعيد في سلطويّته.
س6- في عالم البؤس والحرمان العربي، أي مستقبل ترون للقوميات غير العربية في ظل استبداد مطبق على الجميع، أكثريات وأقليات؟
ج- أظنّ أن القوميّات في المنطقة، أي في الشرق الأوسط، إما أن تسقط معاً، وهذا ما تتطلّبه حلول المشاكل التي هي في معظمها عابرة للقومية، فالمشكلة الفلسطينية تخص قوميتين (وربما ثلاثاً مع دخول الإيرانيّين على الخطّ) والمشكلة الكردية تخصّ عدداً كبيراً من القوميّات، والمشكلة اللبنانيّة باتت كذلك، ومثلها المشكلة العراقيّة...وإمّا أن تتحلّل وتتفسّخ إلى عناصرها الأهليّة الأولى، أي الطوائف والأديان و الإثنيّات والمناطق، وهذا يعني الحروب الأهليّة الدائمة والمنتشرة. وللأسف، فإن الاتّجاه الثاني يبدو هو الغالب.
س7- يُشبّه بعضٌ دعوةَ الأكراد المستمرة للحوار العربي- الكردي كعلاقة حب من طرف واحد، وقد ذكرتم في مقال قديم (...أن "الحوار" العربي- الكردي يكرر دائماً تلك المحاورة السريعة بين أبي تمام وصديقه الذي اعترض عليه: لماذا لا تكتب الشعر الذي يفهم؟ فأجابه العباسي الكبير: لماذا لا تفهم الشعر الذي يكتب؟) ما الذي تغير على هذا الصعيد وكذلك العلاقات العربية الكردية أم مازالت الحال هي هي؟
ج- أعتقد أن الكلام في الحوار يلزمه، على الأقلّ، طرف واحد قويّ ونبيل يستطيع أن يطمئن الطرف الأضعف. أما حين يكون الطرفان ضعيفين، كلّ بطريقته، فالحوار يغدو مستحيلاً، والمباراة بالتطرّف هي التي تسود.
س8- كتابكم الجديد "هذه ليست سيرة" هل قصدتم من عنوانه أنه سيرة جيل لبناني وعربي بأكمله لا سيرتكم فقط؟ وما تعليقكم على نقد موجه إليكم بخصوص تلك التنقلات السريعة بين أحزاب وأيديولوجيات متباعدة (قومية ناصرية- قومية سورية- شيوعية) ومن ثم هجرها كلها؟
ج- هو "ليس سيرة" لأسباب كثيرة ذكرتها في مقدمته، أهمّها أن السيرة شخصيّة تعريفاً، تتحدّث عن العلاقات العاطفيّة والصداقات وغير ذلك من أمور حميمة، فيما الكتاب اقتصر إلى حدّ بعيد على رصد التحوّلات السياسيّة والأيديولوجيّة لصاحبها الذي هو أنا. أما المنتقدون، فأظنّ أني قلت بصدق كيف كنتُ أكتشف الحقيقة بالتدريج وأتراجع حين أصطدم بها. أما هم فيبدو أنهم عارفون سلفاً بكلّ شيء.
س9- الأستاذ حازم نختتم هذا الحوار بسؤال مهني، كيف توفقون بين التعليق الصحافي اليومي وتأليف كتب مهمة في الشأن الثقافي والسياسي وأيهما تفضلون؟
ج- أنا مضطرّ إلى التوفيق بينهما، لأن الصحافة أعيش منها والكتب هي ما أحبّ. هل أنا مضطرّ بعد هذا إلى أن أقول أيّهما أحب أكثر؟
س10- كلمة أخيرة لقراء مجلتنا؟
ج- ألاّ أكون قد أصبتُهم بالملل. في هذه الحالة أعتذر منهم.

* عن مجلة "الحوار" العددان 54-55 ،شتاء وربيع 2007.مجلة ثقافية فصلية حرة تصدر في قامشلي -سورية منذ عام 1993تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي –الكردي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة