الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هنا تأتي المعارضة

بدر الدين شنن

2007 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


اعتادت جهات عديدة ، في الداخل والخارج ، بما فيها نسبة لابأس بها من المعارضة ، على التعاطي مع المشهد السوري المعارض ، وفق رؤية فوتوغرافية ذات بعد واحد . متخذة من عدد المنظمات والأحزاب والهيئات المنخرطة في المعارضة مؤشراً على حجم وفعالية الحراك المعارض من أجل التغيير الوطني الديمقراطي ، ومطلقة محدداتها لقوة أو ضعف هذا الفريق أو ذاك في المعارضة ، حسب حجم حضوره الإعلامي المتاح له ، وحسب تاريخية الزعامة فيه .
وإذا ما اقتحم السؤال سياق الموضوع ، عن أسباب الضعف بشكل عام أو خاص ، كان مشجب القمع جاهزاً لتعليق الجواب عليه ، وذلك دون أي اهتمام بمدى علاقة هذا الحراك بمحيطه الاجتماعي وخلفياته الاقتصادية ، ما أدى ويؤدي ، إلى تجاهل مصادر قوة المعارضة الحقيقية الشعبية الواسعة ، وإلى تحديد الصراع بين المعارضة والنظام على أنه صراع بمثابة لعبة سياسية بين فريقين . وتالياً ينظر إلى موازين القوى بين الطرفين ، فتبدو المعارضة هي الأضعف العاجز عن مواجهة النظام الشديد القوي ، الأمر الذي يضعها أمام مخرج وحيد للتعويض عن ضعفها وهو اللجوء إلى الخارج . وهنا تغدو مسوغات هذا اللجوء أدلوجة التغيير .. ويصبح التغيير عملية معقدة مرتبطة قدرياً ، بشكل أو بآخر ، بمصالح وخيوط وآليات الخارج

وعندما تأتي المتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة برياح معاكسة غير متوقعة ، التي تثيرها العثرات الميدانية وقواسم المصالح المشتركة بين اللاعبين الكبار ، وتستدعي لحظة الحقيقة الفاصلة بين مرحلتين متميزتين للحراك المعارض ، ويتطلب الأمر تقييم ما مضى ، يعلق الضعف على مشجب الخارج ، ويطرح السؤال الملتبس ، من اين تأتي المعارضة ؟ .. ويقدم الجواب على ذات الخلفية .. ليعيد المشهد إلى المربع الأول ، الذي وإن اتسم في بدايات الحراك المتجدد في مرحلة ربيع دمشق بشجاعة كوكبة من النخبة الثقافية ، فإنه كان مشحوناً بأخطاء ، أو بخيارات خاطئة ، لعبت دوراً كبيراً في نشوء حالة الضعف والعجز لاحقاً ، يمكن اختزالها بأربعة . أولها ، اعتماد الحراك على النخبة الثقافية .. والسياسية . ثانيها ، انتقال عدد من القوى من اليسار إلى الليبرالية . ثالثها ، تضخيم دور الخارج في التغيير . رابعها ، عدم إعطاء مسألة الديمقراطية بعداً اجتماعياً واضحاً بتبني مطالب الطبقات الشعبية المعاشية ، وإهمال تفعيل دور القوى الاجتماعية ، وخاصة الطبقات الشعبية الحامل الحقيقي لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي

وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج ، أنه لم يعد من الجائز التمسك بعقلية وآليات ثبت فشلها . بمعنى عدم البقاء في حالة العجز والارتهان لارتدادات مفاعيل الخارج في الداخل ، وا ستمرار تجاهل شروط وقوانين المجتمع السوري الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومصادر قوى التغيير الفعلية . مع الأخذ بعين الاعتبار ، أن عهد حافظ الأسد لم يفرض الاستبداد في البلاد وحسب ، وإنما نتيجة بناء الجيش والدولة وفق معايير ومصالح أمنية وفئوية معقدة ، فرض إنتهاء عهد التغيير ، بمعنى التغيير في النظام والدولة ، بالانقلاب العسكري ، كما كان سائداً في الأربعينات والخمسينات في القرن الماضي . في أبعد الاحتمالات قد يتحرك العسكر لإجراء تغيير في أشخاص النظام كما حدث في الستينات بإطار النظام نفسه . وأن المتغيرات الدولية المتلاحقة وردود الأفعال والكوارث التي تخرج عن السيطرة فرضت إنتهاء عهد التغيير بالقوة من الخارج . الأمر الآخر هو أن التغيير الوطني الديمقراطي ليس فعلاً انقلابياً لاستبدال سلطة بسلطة أخرى ، لأنه إذ يشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية ودستورية هو فعل ثوري بكل معنى الكلمة .. فعل تغيير شامل لنظام استبدادي شامل . والفعل الثوري له متطلباته وشروطه ، التي باتت خاضعة لمفاهيم العلم وقوانينه ، وأولها أن يأخذ الشعب قضيته بيديه .. وأن يبدع هو تمرده وانتصاره
والأمر الأهم ، أن ما يبدو للبعض الآن تراجعاً في زخم الحراك الوطني الديمقراطي ، إنما هوامتداد لمناخات المربع الأول الخاضع لجدلية داخل / خارج المشوهة في عملية التغيير . ماتراجع حقاً أو فشل هو مشروع بوش " الديمقراطي " المنافق ، الذي جاء به إلى المنطقة لتغطية احتلاله للعراق واستعمار الشرق الأوسط . إن الشعب السوري ليس بحاجة لنصير ديمقراطي إمبريالي الهوى ، فهو ، قبل أن يولد السيد بوش ، قبل الاستقلال وبعده ، معروف بأصالته بتمسكه بالحرية وبالديمقراطية ، وقد خاض نضالات ضارية مشهودة ضد الاحتلال ومن ثم ضد الانقلابات العسكرية الديكتاتورية من أجل الحرية والديمقراطية . وقبل أن يدخل السيد بوش معترك السياسة تأسس التجمع الوطني الديمقراطي في سوريا عام 1979 ، وأصدر مشروعه الديمقراطي ، الذي جاء تتويجاً لتحول الأحزاب المنضوية في إطار التجمع إلى الديمقراطية بديلاً " للتقدمية السلطوية " التي شوهت مفاهيم الحرية والديمقراطية والتقدم ، والذي عبر عنه بيان التجمع في آذار 1980 من أجل إنقاذ سوريا من عثارها الدموي وإقامة نظام بديل وطني ديمقراطي

من هنا ، فإن البحث عن مصادر قوة لعملية التغيير ، مهما احتاج ذلك من وقت ، ينبغي أن يتركز على قوى الداخل التي لها مصلحة في التغيير ، أي القوى المقموعة المتضررة من سياسات وقمع النظام . ومن قراءة الوضع الاقتصادي ، الذي وضع أكثر من 60 % من الشعب تحت خط الفقر الأدنى والأعلى ، ودفع البلاد إلى أسوأ نمط اقتصادي ، الذي يتجلى بالنهب المنظم للمال العام ، والسيطرة المافيوية على الاقتصاد ، وا ستئثار أقلية سلطوية بمعظم فائض القيمة في الناتج الاجمالي الوطني . ومن قراءة معاناة الحرية ، يمكن معرفة كم من الطاقات المليونية الاجتماعية والسياسية والشعبية الهائلة تشكل العمق الجماهيري الاستراتيجي واليومي لعملية التغيير ، وتشير إلى أنه من هنا بالضبط تأتي المعارضة التي لاتقهر .

على أن شرط الاقتران بهذه الطاقات يقضي بتجاوز ما أشرنا إليه آنفاً من أخطاء أو خيارات أضعفت القوى التي تصدت لعملية التغيير لفترة ليست بقليلة . والمطلوب بالدرجة الأولى في هذا الصدد انتقال معاكس من اليمين إلى اليسار بالمعنى السياسي الاجتماعي . وهذا لايعني القطع المطلق مع الخارج ، وإنما توسيع وتقوية العلاقة معه ، لكن المطلوب أولاً تحديد من هوالخارج الصديق لقضايانا الوطنية والإنسانية ، الذي تعنيه همومنا بصدق وشرف ، والذي يطمح مثلنا لتغيير عالم الظلم الإمبريالي المتوحش ، الذي يسحق بأعصاب باردة حياة ملايين الناس الأبرياء سنوياً قتلاً بحروبه الدموية وجوعاً وأمراضاً بجشعه ولؤمه ليحقق سادته الثروات والكنوزالطائلة ، وإيجاد عالم بديل تسوده الحرية والسلام والعدالة في توزيع أساسيات الحياة .. اللقمة الكريمة والدواء والأمان والفرح .

وأمام ا ستحقاقات عملية التغيير الوطني الديمقراطي العسيرة والملحة تؤكد التجربة التاريخية ، أنه شتان ، مابين تجمع رموز وقيادات نخبوية ، مهما بلغت من الصدق والشجاعة ، التي يمكن تحديدها حجومها رقمياً بالمئات ، وبين تجمع جماهير مليونية مضطهدة متمردة في فعل المعارضة .. لسبب بسيط جداً ، وهو أنه إذا كان الاستبداد قادراً على إنهاء معارضة تجمع الرموز والقيادات النخبوية بالاحتواء أو الاعتقال ، فإنه عاجز عن احتواء وقهر معارضة تضم في آن النخب الثقافية والسياسية الشجاعة وملايين المضطهدين في لقمة عيشهم وحرياتهم وأمنهم في يومهم وغدهم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل


.. إيران.. تعرف على مواقف جليلي وبزشكيان في ملفات السياسة الخار




.. مقابلة خاصة مع نائب وزير الخارجية التركي ياسين أكرم سرم


.. أوضاع الشرق الأوسط وحرب غزة تحظى باهتمام كبير في قمة شانغهاي




.. نتنياهو بين ضغط عائلات المحتجزين وتهديدات ائتلافه اليميني