الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتنياهو حضيض سياسي جديد

برهوم جرايسي

2007 / 8 / 17
القضية الفلسطينية


"فاز" رئيس حزب الليكود الإسرائيلي اليميني، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء الأخير، بولاية جديدة في رئاسة الحزب، في انتخابات، لربما تكون الأولى من نوعها في الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة، بعد أن أجمع المراقبون على أنها صورية متسرعة، نتيجتها معروفة مسبقا، وتفتقر إلى المنافسة الحقيقية.
فقد سارع نتنياهو إلى إجراء انتخابات داخلية لرئاسة الليكود، في موسم العطل الصيفية، وهي فترة تتجنبها الحلبة السياسية، ولا تبادر إلى أي حسم فيها، إلا أن نتنياهو أراد أن يحسم رئاسة الليكود بأسرع ما يمكن، لكي لا يبقى في خانة "المرشح" لرئاسة حزبه قبل أي انتخابات برلمانية قادمة، خاصة وأن الحزب المنافس الأساسي لليكود، حزب "العمل"، قد اختار رئيسه ومرشحه لرئاسة الحكومة، إيهود باراك.
كذلك فإن نتنياهو أراد من الإسراع بهذه الانتخابات، عدم فسح المجال أمام منافسه الأساسي في الليكود، وزير الخارجية الأسبق سلفان شالوم، لتوسيع قاعدته الشعبية في الحزب.
وقد تذرع نتنياهو بأن إسرائيل مقبلة على انتخابات برلمانية مبكرة، بعد صدور التقرير النهائي للجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، رغم أن المراقبين يتوقعون أن تأخير صدور هذا التقرير إلى النصف الأول من العام القادم 2008، وبالتالي فإن الأزمة التي يتوقعها نتنياهو ستتأجل هي الأخرى، علما ان الانطباع الأقوى هو أن هذه الأزمة المتوقعة لن تؤدي بالضرورة إلى انتخابات مبكرة لا يرغبها غالبية النواب في الكنيست، وإنما قد تسفر عن تغيير رئيس الحكومة، بآخر من حزب "كديما" الحاكم.
أما السبب الحقيقي الذي يكمن وراء إسراع نتنياهو لإجراء هذه الانتخابات، هو أنه يخاف من حملة انتخابية حقيقية، يكون في طرفها المقابل سلفان شالوم، الذي رفض المنافسة في هذه الانتخابات وانسحب منها، موجها انتقادات حادة لنتنياهو.
وخوف نتنياهو من حملة انتخابية يعود إلى إمكانية فتح أوراقه وملفاته السابقة حين كان رئيسا للحكومة، من ربيع العام 1996، وحتى ربيع العام 1999، فخلال هذه الفترة دمّر نتنياهو العملية السياسية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني، ولم يُحدث أي تقدم مع الجانب السوري، وساهمت سياسته في التراجع عن الكثير من الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الحكومة السابقة برئاسة يتسحاق رابين، هذه الإنجازات التي تحققت بفعل الانفراج السياسي الذي أعقب مسار أوسلو، وفتح أبواب عربية كثيرة على إسرائيل.
وحتى على الصعيد الداخلي، فإن فترة نتنياهو فتحت الأبواب على وسعها أمام جهات الفساد المالي، وسمعنا في تلك الفترة عن تقارير للشرطة الإسرائيلية تتحدث عن تغلغل المافيا في جهاز الحكم في إسرائيل، وعمّق تدخل وسيطرة سلاطين المال، من الخارج والداخل، على السياسة والاقتصاد في البلاد.
كذلك فإن نتنياهو الذي عاد إلى دائرة الحكم في العام 2003، وزيرا للمالية في حكومة أريئيل شارون، انتهج سياسة اقتصادية، اصطلح على تسميتها في إسرائيل: "سياسة خنازيرية"، وجه فيها ضربات قاصمة للشرائح الفقيرة والضعيفة، واتسعت دائرة الفقر في إسرائيل منذ ذلك العام وحتى اليوم بنسبة 40%.
أما على الصعيد السياسي، فإن نتنياهو تميز بالقفز المتواصل بين المواقف السياسية المتناقضة، طالما أنها تدفعه دائما نحو القمة وتثبّته عليها، فقد خاض الانتخابات لرئاسة الحكومة في العام 1996، وهو يشن حملة شعواء على المسيرة التفاوضية مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهجوما مكثفا على الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولكن بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة تراجع عن الكثير من وعوده الانتخابية لليمين، وتوجه مضطرا للتفاوض مع الرئيس عرفات، الذي وصفه نتنياهو لاحقا "بالصديق".
بطبيعة الحال فإن نتنياهو لم يغير جلده في تلك الفترة، فعلى الرغم من أنه أبرم اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني، مثل اتفاق الخليل وغيره، إلا أنه في المقابل فإنه دمر المسار الطبيعي لتلك المفاوضات التي كان يجب أن تنتهي في العام 1999 بإبرام حل دائم.
وبعد خلعه عن رئاسة الحكومة في انتخابات العام 1999، انتقل نتنياهو كليا إلى معسكر اليمين المتشدد، الذي لم يسارع إلى استقباله واحتضانه بسبب نهجه في رئاسة الحكومة، ولكن هذا المعسكر لم يجد مفرا من اللجوء إلى نتنياهو في أعقاب تنفيذ ما يسمى بـ "خطة فك الارتباط"، التي تضمنت إخلاء مستوطنات قطاع غزة.
وحتى موقف نتنياهو من هذه الخطة كان متقلبا، وقد أيدها بداية بصمت، ولكنه قرر "في الدقيقة التسعين"، الانتقال إلى الموقف المعارض كليا لها، عندما أيقن أن هذه فرصته للانقضاض من جديد على رئاسة الليكود، والإطاحة بأريئيل شارون، لأن هيئات الحزب كانت، ولا تزال، واقعة تحت سيطرة اليمين المتطرف وعصابات المستوطنين، على الرغم من أن هذه الجهات لا تمثل، حقيقة، غالبية جمهور مصوتي الليكود، وهذا ما ثبت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي سبقها انشقاق في الليكود، قاده رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، وحوّل الليكود إلى حزب برلماني صغير نسبيا، له 12 مقعدا من أصل 120 مقعدا، ويأتي في المرتبة الرابعة برلمانيا.
اليوم يعلن نتنياهو أن معركته للعودة إلى رئاسة الحكومة قد بدأت، مبهورا بنتائج استطلاعات الرأي المتلاحقة في إسرائيل، التي تمنحه المرتبة الأولى بين "نجوم" السياسة الإسرائيليين، من حيث الشعبية، رغم أنها لا تمنحه أكثر من 30%، ولكن ليس بالضرورة أن هذه المعركة الانتخابية قد بدأت فعلا في إسرائيل.
وقد نسمع من نتنياهو لاحقا خطابات سياسية متناقضة، فيها نوع من "المغازلة" لجمهور "سياسة الوسط" في إسرائيل، ولكن في نهاية المطاف فإن فوز نتنياهو برئاسة الحكومة سيعيد إلى طاولة حكومته الأحزاب والكتل البرلمانية التي تمثل عصابات المستوطنين واليمين المتطرف، التي ستمنع حتى مجرد الحديث عن أي مفاوضات سياسية أو أفق سياسي للمنطقة برمتها.
لقد قاد نتنياهو إسرائيل إلى حضيض سلطوي على مختلف الصعد، وبالذات على الصعيد الداخلي، بدءا، وأساسا، من وضع ركائز تعميق فساد السلطة، وصولا إلى تدمير الأفق السياسي وتجويع شرائح واسعة في الشارع الإسرائيلي، وأمام هذه الحقائق التي يعرفها الإسرائيليون، فإن اللجوء من جديد إلى نتنياهو كزعيم لهم، بزعم انه تغيّر، إنما يعكس حالة التخبط التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي في سعيه للبحث عن مخرج لأزماته المتراكمة، بدءا من القضايا الحياتية اليومية والقضية السياسية المركزية، وحتى مصير الكيان على المدى البعيد، على ضوء القلق المتنامي لدى قادة إسرائيل والحركة الصهيونية من العامل الديمغرافي، "وتخوفهم" من أن يتحول اليهود إلى أقلية، وبالتالي تنتهي إسرائيل "كدولة يهودية"، كما يريدونها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس