الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولم يزل الفاعل مجهولا !!

زهير كاظم عبود

2007 / 8 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم تكن الشاحنات الأربع التي انطلقت محملة بالوقود من أجل توزيعها على المواطنين الأيزيديين، ولم تكن تلك الشاحنات قد نزلت من السماء، فقد كانت مملوكة لأشخاص ويقودها سواق، وتم تحميلها من المستودعات الخاصة بتوزيع المنتجات النفطية، ومن ثم سارت تباعا الى النقاط المحددة لها، ومرت على العديد من نقاط وسيطرات التفتيش، ويقينا أن هناك من قرأ اوراقها والأوامر الصادرة لها بالأنطلاق الى تلك المواقع.
وحين دخلت الى ساحاتها المحددة للتفجير، لم تكن البهائم التي تقودها لاتعرف مداخل ومخارج تلك القصبات.
ولهذه الشاحنات أرقام ولهذه الشاحنات سجلات في دائرة المرور، ولهذه الشاحنات قيود في مخازن تعبئة الوقود، ولهذه الشاحنات مالكين مسجلة بأسماؤهم، وتتوفر معها ومع البهائم التي انتحرت معها العديد من الأدلة والقرائن التي تكشف ليس عن هوية البهيمة الذي انتحر، وليس عن نوع السيارة الحوضية التي كانت مملوءة بالوقود والمتفجرات، وإنما تكشف عن الجهة والأشخاص الذين خططوا لتلك العملية، سواء أكانت القاعدة أو التكفيريين أو البعثيين الصداميين، وسواء كانت أيران أو أمريكا أوأخوة عرب أو أكراد أو تركمان، فأن الأمر لايعفي الجهات المسؤولة عن كشف الحقيقة خلال مدة لاتتجاوز عدد أصابع اليدين، لتضع النقاط والحروف.
لم يعد احد يصدق ذلك المجهول الذي يقترف الاف الجرائم البشعة، ويرتكب تلك الأفعال الشنيعة ثم لايتعرف عليه أحد.
هل أن المحاصصة الطائفية والمصالح السياسية تطغي على الضمائر فتكتم الحقيقة عن الناس ؟
هل إن الصراع على المناصب والكراسي يعمي الأبصار ويشل الوجدان ؟
هل أن الحقيقة تبقى مقيدة ضد مجهول في نظر الناس ومعروف ومكشوف في نظر جهات أخرى ؟
أين صارت الرجولة والشهامة وتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الذاتية ؟
كيف يتم بيع أرواح الناس تحت مزاعم عديدة ومتنوعة لكنها واحدة بالنتيجة ؟
هل حقا أن قتلة العراقيين مجهولين ولانتعرف عليهم ؟ أو من الصعب إن نتوصل الى وجوههم ومراجعهم وأماكن يتسللون اليها، وبيوت تمدهم بألآت القتل والذبح، وبيوت تتستر عليهم وتطعمهم وتمدهم بالماء والعدد من أجل إن يستمر قتل العراقيين.
صهاريج من الوقود التي يفتقدها العراقي ويصارع من اجل الحصول على كمية لسد احتياجات عائلته، يحصل عليها القتلة وتقودها البهائم المفخخة من اجل القتل، ولاأحد يعرف من أين يتمكن هؤلاء الحصول على تلك الصهاريج ؟ ولا كيف تمت تعبئتها بالوقود ؟ ما زالت فرق الانقاذ تبحث بين الانقاض عن الضحايا. وبنتيجة البيوت الفقيرة المبنية من الطين، تهدمت تلك البيوت على ساكنيها، ويقوم عمال الانقاذ باستخدام ايديهم للحفر بحثا عن الناجين او المصابين او الجثث الراقدة تحت الأتقاض،أو لأنقاذ ما يمكن أنقاذه، خشية ان يتعرض احد المطمورين تحت الانقاض إلى الموت بسبب طبيعة بناء تلك المنازل البسيطة.
وبنتيجة تلك الأعمال الأجرامية والأرهابية، قُتل اكثر من 250 شخص في عدد من الهجمات المتتالية بصهريج نفط و3 سيارات مفخخة في بلدتي القحطانية والعدنانية القريبتين من الحدود السورية والتي يسكنهما اكراد من أبناء الأيزيدية المسالمين.
في الوقت الذي بدأت تتفاقم الجرائم ضد أبناء الديانة الأيزيدية والمسيحية والمندائية في العراق، متزامنة مع محاولة أنتشار الإرهاب والتنظيمات الأجرامية والصدامية، لم تلق تلك الجرائم ذلك الاهتمام الكافي والمتناسب مع حجم تلك الجرائم في البحث عن الجناة، وتشخيص مراجعهم وهوياتهم، ولم تلق تلك الجرائم الا الاستنكار المعنوي والخجول الذي لايلبث إن يتبخر مع انقضاء نهار دموي جديد على العراق.
لم يزل العراق يعطي من فلذات كبده يوميا، في قوافل من الشهداء، ويقينا ستنتصر أرادة الإنسان والخير والمحبة على تلك العقول المغلفة بالشرور.
يقينا أن مقترفي تلك الجرائم مهما كانت هويتهم الطائفية إنما يخونون العراق ، وباقترافهم تلك الجرائم لايعبرون عن خستهم وخطورتهم الإجرامية، إنما يعبرون أيضا عن خسة من يوظفهم ويتستر عليهم، واستهداف أبناء تلك الديانات لم يكن دون قصد، فقد عرف أهل العراق أبناء الديانات المسيحية والمندائية والأيزيدية عراقيون أصلاء، وهم أبناء الديانات المسالمة والمتسامحة، ولم يظهر أي تطرف أو شذوذ من أبناء تلك الديانات، كما لم يظهر أي رد فعل متهور منهم ضد أي متطرف، كما عرفهم العراق محبين للسلام وداعين له ومتمسكين به، ولهذا لم يجد القتلة ذلك الاصطفاف المسلح والمواجهة التي ترتقي لمستوى الحماية من الأجرام المنتشر اليوم في العراق.
وإذا كان الإرهاب يطال المواطن العراقي، وإذا كانت المجموعات الإجرامية تتوحد مع تلك التنظيمات الإرهابية، فأن المواطن الأيزيدي والمندائي والمسيحي يطاله الإرهاب مرتين مضاعفتين، المرة الأولى باعتباره عراقيا متمسكا بعراق ديمقراطي وفيدرالي، والثاني باعتباره من أبناء الديانات العراقية العريقة والأصيلة غير الإسلامية.
وإذا كان في العراق مكونات اجتماعية مختلفة منذ أن نشأ الإنسان على أرضه، فأن هذه المكونات تشكل ملح العراق وحياته التي لايحيا بدونها، أذ لايشكل الاختلاف الديني أو القومي أو المذهبي درجة في المواطنة، ولايمكن وبأي شكل كان أن يجري الذي جرى على ابناء العراق من غير أبناء الإسلام، ودون ابناء العراق جميعهم وعلى اختلاف دياناتهم وقومياتهم لن يكون العراق الموحد.
ونشعر كما يشعر معنا الحريصين على تكاتف العراق وإحلال المصالحة والسلام، وانتصار الحق والقانون على فلول الإرهاب والأجرام، بأن تقصيرا كبيرا من لدن جميع المسؤولين عن هذه الصفحة المشينة في التاريخ العراقي، إذ لم يتم الكشف عن تلك الأيادي الآثمة والمجرمة التي تعرضت لأبناء تلك الديانات بالقتل والتشريد أو الإجبار على تغيير الدين، ولم يتم التعمق في التحقيق لمعرفة هويات القتلة ومن يقف وراءهم، ولا تم إعلان القبض على فلولهم وعناصرهم الموبوءة، ولا تم الالتفات الى تلك الجرائم التي وصلت الى درجة التعرض الى رجال الدين والكنائس ودور العبادة، وصاحب كل هذا صمت مريب من رجال الدين لايليق بمن يكن للعراق المحبة والخير أن يسكت، فالسكوت في معرض الحاجة الى القبول رضا، ولا نعتقد إن سويا يمكن إن يرضى ويقبل على ما يجري من جرائم ضد ابناء الأيزيدية والمندائية والمسيحية.
وثمة سؤال يطرح نفسه، لماذا الذي يجري ضدهم وفي هذا الوقت بالذات ؟ ومادام الأمر يتطلب من العراقيين التوحد والاصطفاف ضد فلول مجموعات الأجرام والإرهاب الذي يطال جميع أبناء العراق ويريد أحالة حياتهم ومستقبلهم الى جحيم، ويسعى الى حجب مستقبلهم وحلمهم في دولة القانون، ومادام الأمر صار في مواجهة بين ابناء العراق وأعداء العراق، فلم هذه الجرائم التي يندى لها الجبين الإنساني، والتي لاتعبر الا عن أرواح متلبسة بالشر والأجرام، والتي لاتكتفي بالقتل أو بشرب دماء الناس، وهذه الخطورة التي ربما شاهدها بعض في أشرطة مصورة، لمجاميع إرهابية تقتل وتمعن وتطرز بالرصاص أجساد حتى بعد إن سكنت أرواحها وانتقلت الى بارئها تشكو ظلم الإنسان، من يتمعن في تلك المشاهد يتأكد بأن المجرمين سيعاودون جرائمهم التي أصبحت زادهم وصيرورتهم، حتى ضد أهاليهم فقد أدمنوا القتل ولن توقفهم النصائح والمناشدات ولا الاختلافات الطائفية والتطرف الديني الأعمى، ولهذا فأن من يصطف مع أعداء العراق إنما يخون شعب العراق.
أين نحن مما يجري على أبناء الديانات غير الإسلامية في العراق ؟ وماذا قدمنا ؟ وكيف سنقبل التعامل مع تلك الجرائم التي اعتدنا إن نوجهها ونلصقها بعناصر إجرامية مجهولة.
ماهو دور الحكومة ؟ وكيف سيمكن إن نذكر للأجيال العراقية القادمة هذه الصفحة التي سجلها التاريخ العراقي بأحرف سوداء.
أن ابناء المسيحيين والمندائيين وأبناء الأيزيدية ليسوا عاجزين عن رد الشر، ولم يتوجهوا لتكوين ميلشيات مسلحة أو مجموعات تحمل الأسلحة وتكتنز المتفجرات، ليس عجزا أو خوفا، إنما حرصا على هويتهم وتأريخهم ومبادئهم وقيمهم التي تربوا عليها، وحين يضطرهم الدفاع الشرعي لسلوك هذا الطريق، فأن التزامات أخرى تفاقم السعي لإحلال فرص السلام والتوحد بين العراقيين، ونشعر أن حالات الأجرام التي ترتكب من قبل تلك العصابات حري أن يتم الأعلان عنها والكشف عن هويات مرتكبيها ومن يخطط لها ويحرض عليها ، ليتعرف اهل العراق على تلك النماذج المجرمة والقذرة التي تريد بالعراق كل العراق السوء والشر.
وإذا كان السكوت عن عمليات التهديد والرعب والأرهاب بالخطابات والرسائل قد تم السكوت عنها من قبل المسؤولين، وإذا كانت عمليات الترحيل وقطع الأرزاق وأخلاء البيوت والمحلات التجارية قد تم التغاضي عنها، فأن حالات الإجرام المرتكبة بحق البشر مدانة ويجب إن تكون العقوبة صارمة و في مكانها المتناسب مع خطورتها، في مراحل التحقيق الأولي أو الابتدائي، وان تلقى من السلطة التنفيذية ومن القضاء العراقي الردع والعقوبة المتناسبة مع الظرف والزمان الذي تم فيه ارتكاب تلك الجرائم.
ولايعقل إن يتم قتل الإنسان بسبب ديانته العراقية، ولايقبل إن يتم قطع أرزاق الناس بسبب ديانتهم، ولايمكن إن يحمل ذرة من ضمير وعقل من يرتكب تلك العمليات الإجرامية، وعلى هذا الأساس ينبغي التوحد ليس في الصوت، إنما بالعمل في إيقاف تلك الجرائم، ووضع الحد الحاسم لها.
بأنتظار أن يتم كشف الحقائق والتوصل الى الفاعلين الحقييقيين ومن يقف خلفهم، و[انتظار أن تكون تلك الأرواح البريئة سببا لأهتمام الحكومة والمسؤولين بتلك المجموعات البشرية المسالمة، و[انتظار أن نتعرف على الفاعل مهما كانت قوميته أو جنسيته أو مذهبه أو دينه.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات