الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجموعات مناهضة العولمة في المنطقة العربية واقع وآفاق

سامي حسن

2007 / 8 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إذا أردنا تكثيف لوحة العالم خلال العقد الماضي، نقول أنها تميزت بالنقاط الأساسية التالية:
- نهاية الحرب الباردة بهزيمة " المعسكر الاشتراكي" وانتصار المعسكر الرأسمالي الامبريالي بزعامة أمريكا، وإعلان ولادة طوراً أو شكلاً جديداً للامبريالية هو العولمة المتوحشة.
- الصراع بين مراكز المعسكر الامبريالي ( أمريكا، أوروبة، اليابان) على الأسواق ومصادر الطاقة والمواقع الاستراتيجية في سياق إعادة صياغة واقتسام العالم الجديد، وبروز الصين كطرف جديد في هذا الصراع.
- تراجع اليسار- باستثناء بعض المناطق في أمريكا اللاتينية- وعدم قدرته على مواجهة العولمة (الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، الثقافية...) وأدواتها (البنك وصندوق النقد الدوليين، منظمة التجارة العالمية، المؤتمرات والقمم الاقتصادية...) والنتائج المترتبة على سياساتها ( انتزاع مكتسبات الطبقة العاملة، إفقار الشعوب، ارتفاع معدلات البطالة، الحروب ، ...)
في ظل الظروف الدولية آنفة الذكر ونتيجة لها، بادرت الشعوب للدفاع عن مصالحها، من خلال الحركات الاحتجاجية - ضد منتدى دافوس ومنظمة التجارة العالمية والحروب الامبريالية... - المنسقة - سياتل، بورتو اليغري، ...- معلنة ولادة الحركة العالمية المناهضة للعولمة التي بينت في تعريفها عن نفسها في بورتواليغري بأنها " تلتزم بمناهضة العولمة الليبرالية الجديدة والحرب والعنصرية ونظام الطوائف والفقر والبطريركية وكل أشكال التمييز والإقصاء، سواء أكانت اقتصادية أم أثنية أم اجتماعية أم سياسية أم ثقافية أم على أساس النوع والجنس".
ولقد لعبت هذه الحركة بالفعل دوراً أساسياً في تنبيه الشعوب إلى الشرور والكوارث والأزمات التي تسببها العولمة المتوحشة وسياساتها الليبرالية الجديدة، ونجحت من خلال نشاطاتها في تشكيل رأي عام مناهض للحروب والعنصرية ومناصر لنضال الشعوب من أجل التحرر. ولكنها وإن نجحت في التحول إلى قوة مزعجة للعولمة وأدواتها المختلفة " القمم والمنتديات الاقتصادية، البنك وصندوق النقد الدوليين،..."، إلا أنها لم تستطع حتى الآن التحول إلى قوة ندية معرقلة لها، وربما يكون من أسباب ذلك نجاح معسكر العولمة في اختراق هذه الحركة ومنع تجذرها، وعدم ارتقاء الأحزاب اليسارية عموماً إلى مستوى هذه الحركة، وفشل صياغة علاقة تكاملية كفاحية بينهما.

حركة مناهضة العولمة في المنطقة العربية:
تشكلت مجموعات لمناهضة العولمة في عدد من البلدان العربية ( مصر، سورية، المغرب، لبنان، تونس...). وبالرغم من بعض التباينات، يمكن القول أن النقاط المشتركة بين هذه المجموعات هي:
- تعتبر نفسها جزءاً من الحركة العالمية لمناهضة العولمة وامتداداً لها ( رؤيتها، أهدافها، نشاطاتها...)
- تعمل لمواجهة انعكاسات العولمة والسياسات الليبرالية في بلدانها
- ترافقت ولادتها مع الحرب على العراق والانتفاضة الفلسطينية الثانية، وارتبط نشاطها الجماهيري وانتشارها وانحسارها بشكل كبير بهذين الحدثين.
- المؤسسين لهذه المجموعات كانوا بشكل عام من النخب السياسية اليسارية غير المنضوية تحت أطر حزبية
لقد لعبت هذه المجموعات دوراً في التعريف بالعولمة ومخاطرها، والكشف عن السياسات الليبرالية الجديدة لأنظمتها والدعوة لمواجهتها. كما وثقت من خلال اللقاءات الدولية علاقتها مع الحركة العالمية لمناهضة العولمة، وساهمت في نقل وترويج نشاطاتها. وبالاضافة إلى مشاركتها في الحركات الاحتجاجية ضد الحرب على العراق، والتضامن مع الشعب الفلسطيني، فقد شارك بعضها في نشاطات أخرى تتعلق بالمطالبة بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الأقليات وخريجي الجامعات (سورية) وبمواجهة الخصخصة ودعم نضالات الطبقة العاملة (المغرب)
ولكن هذه المجموعات تعاني اليوم من عدد من الاشكاليات، بل يمكن القول أنها في أزمة كبيرة تتجلى بما يلي:
1- تراجع نشاطها الجماهيري، وضعفها في مواجهة السياسات الليبرالية الجديدة ( الخصخصة، رفع الدعم،...) وحصر عملها في مجال المواقع الالكترونية وإصدار النشرات والبيانات وحضور اللقاءات الخارجية
2- فشلها في توطين خطاب مناهضة العولمة، وتحويله لخطاب جاذب للقطاعات المتضررة من العولمة (عمال، فلاحين،....)
3- هيمنة حالة من الاحباط والسلبية في صفوفها، وخروج العديد من النشطاء منها
4- حصول خلافات مهمة في صفوفها وبسرعة غير متوقعة.
بناء على ما سبق، لابد من التفكير والبحث في الأسباب التي أدت بهذه المجموعات إلى ما وصلت إليه؟ ولمقاربة الأزمة وفهمها، أرى ضرورة الخوض في العناوين التالية:

أدوات التغيير، هدف أم وسيلة؟
لكل هدف أداة يجب أن تتناسب وهذا الهدف، فحصاد مسكبة قمح يحتاج لمنجل فقط، أما حصاد المساحات الكبيرة فيحتاج إلى حصادة. هذا هو المنطق، وهكذا يجب أن تسير الأمور. ومع ذلك تستطيع الحصادة أن تأخذ في طريقها مسكبة القمح، ولكن تخيل أن تشتري أو تستأجر حصادة فقط من أجل مسكبة القمح هذه؟ إنها الخسارة بعينها؟! وفي نفس الوقت بإمكان عشرات ومئات المناجل أن تحصد مئات الدونمات ولكن بجهود مضاعفة وبشروط صعبة، والأهم بوقت طويل.
أي أن أداة التغيير ( حزب، مؤسسة، جمعية...) هي وسيلة لتحقيق هدف معين وبتحقيق هذا الهدف ينتفي مبرر وجودها، وفي حال وجدت أهداف جديدة نفحص هذه الأداة إن كان بامكانها التصدي للمهام الجديدة. ولكن هذه الأداة هي في نفس الوقت هدف، لأنها كي تقوم بدورها كأداة لا بد من تصميمها بشكل جيد، وبعد التصميم، تحتاج إلى صيانة دائمة، وإلا تآكلت، وضعف أداءها، بل وربما تصبح عائقاً أمام إنجاز الهدف، وعندها يصبح تغيير الأداة هدفاً بحد ذاته. فهل وصلت مجموعات مناهضة العولمة إلى الحد الذي صار استبدالها ضرورة؟



في مفهوم التوسع:
مما لا شك فيه أن عدد الأشخاص المطلوب توفرهم لانجاز مهام محددة يرتبط بطبيعة هذه المهام، وبغض النظر إن كان زيادة عدد أعضاء حزب أو مجموعة هو هدف بحد ذاته يجب العمل عليه باستمرار وبلاحدود، أم كان الحضور الفكري للحزب أو المجموعة هو الهدف فإن ما يجدر قوله أن مفهوم التوسع هو من القضايا التي لا بد من إعادة التفكير بها اليوم، وخصوصاً في ظل ثورة الاتصالات؟ فقبل هذه الثورة كان التوسع الأفقي ضرورياً للتفاعل مع الناس ( الاستقطاب، إيصال الوثائق والنشرات والبيانات...... ). فجاءت الانترنت والفضائيات لتحل جزءاً مهماً من هذه القضية، فبإمكان أي حركة أو مجموعة الوصول إلى مئات الآلاف من الناس بل واستقطابهم وتحريضهم من خلال المواقع الالكترونية ، وكذلك الفضائيات ( لا يمكن بعد اليوم إغفال التأثير النوعي لبرنامج أو لخطاب زعيم سياسي على الجماهير، ومن منا يستطيع القفز فوق دور مشهد اغتيال محمد الدرة في نزول الملايين في العالم إلى الشوارع) والسؤال الذي يطرح نفسه هنا إلى أي درجة لا تزال الحاجة قائمة للتوسع وفق المفهوم القديم؟ وكيف يمكننا النظر إلى الاشكالية التي وقعت بها المجموعات المدنية ومنها مجموعات مناهضة العولمة التي وجدت نفسها في لحظات المد أمام أعداد غير مهيئة من ناحية بنيتها التنظيمية لاستيعابها؟! هل المشكلة في عدم إبداع بنى تنظيمية دييناميكية لهذه المجموعات، أم أن هذه الاشكالية هي نتيجة طبيعية وحتمية لهذا النمط من العمل وهذا النوع من الأدوات؟

إشكالية طبيعة المجموعات المناهضة للعولمة:
يعتبر البعض أن الخلل في تحديد طبيعة هذه المجموعات ومهامها ( هل هي مجموعات سياسية أم ثقافية، أم.....) هو من الأسباب الرئيسية لأزمتها؟ وبحسب هؤلاء فإن ما يميز الحزب عن المجموعة المدنية (غير السياسية) هو أن الأول يطرح على جدول أعماله مهمات تشمل كل مستويات البنية الاجتماعية لا سيما السياسية منها وعلى رأسها السلطة، ويجمع بين أعضائه أيديولوجية مشتركة، وله بنية تنظيمية هرمية متماسكة، بينما لا تشترط المجموعات المدنية ذلك، وباختصار يرى هؤلاء أن الخروج من الأزمة يتطلب حصر نشاط هذه المجموعات في المجال الثقافي التحريضي والتبشيري، والتصدي العملي للمشاكل المحلية ( الخصخصة، البطالة،...) والابتعاد عن المهمات السياسية التي أثبتت التجربة عدم قدرة هذه المجموعات على التصدي لها. بينما يرى البعض أن المشكلة لا تكمن في المهمات المطروحة، بل في الظروف الموضوعية (سقوط بغداد، القمع،...)، والذاتية( خلل في الهيكلية التنظيمية، تقاعس الناشطين، الخلافات الداخلية...).
هنا نتساءل: ماذا لو أن الحزب السياسي الذي يحمل أيديولوجية موحدة لم يستطع لأسباب عديدة – القمع مثلاً- التصدي لمهامه العديدة والمتنوعة ؟ هل يكف عن كونه حزباً سياسياً؟ وكذلك الأمر بالنسبة للمجموعات، فهي لم تستطع التصدي لمهمات محلية محددة لنفس الأسباب وليس لأنها شتتت ونوعت مهامها؟ فهل تحل نفسها بسبب فشلها هذا؟ وماذا لو قررت الأنظمة حظر نشاط هذه المجموعات؟ هل تخضع لهذا القرار أم تنتقل للعمل السري؟ وهل طبيعة نشاطها وبنيتها تتوافق مع هذا الانتقال ؟
ثم، ألا يمكن اعتبار المجموعات المناهضة للعولمة بالفعل أحزاباً سياسية طالما أنها تطرح مهاماً متعددة تتناول فيها السلطة بشكل أو بآخر، ويتبنى أعضاؤها مجموعة من الأفكار هي بمثابة الأيديولوجيا؟. ومن جانب آخر نتساءل: إذا كانت التجربة العملية تبين بشكل واضح أن إمكانيات العمل محصورة بمهمتين أو ثلاثة، فلماذا حشو البرنامج بعدد من المهمات التي لا يمكن العمل من أجلها؟.

استخلاصات ليست نهائية:
- في سياق البحث عن إجابات، أرى أنه يجب حصر المهمات بالواقع والإمكانيات، وهو حصر غير نهائي بل خاضع لتطورات الواقع، الذي ربما يطرح في المستقبل مهمات جديدة يجب عدم التردد في التصدي لها بغض النظر إن كنا حزباً أم مجموعة مدنية. وهنا أجد نفسي أمام إشكالية: هل تمتلك حالة بنيت لانجاز مهام محددة ديناميكية التحول بما يتناسب مع المهام الجديدة؟ جوابي نعم ولا؟! نعم، لأن ليس هناك ما يمنع ذلك، والشواهد كثيرة (الخضر في ألمانيا، المبادرة الوطنية الفلسطينية في فلسطين...) ولا، لأن نتائج هذه التجارب غير مشجعة، بالإضافة إلى أن عملية التحول الحقيقية تحتاج إلى وقت، ربما يساوي تشكيل حالة جديدة من نقطة الصفر.
- إن حصر المهمات بالواقع والامكانيات في ظل أنظمة الاستبداد – التي لن تسمح بالعمل على مهمات تمس بشكل فعلي مصالحها وجوهرها الرأسمالي- يعني التصدي لمهمة واحدة هي العمل البحثي وإعداد الدراسات، وهو يعني في حال موافقة المجموعات على ذلك، تحولها إلى ما يشبه مراكز دراسات، وعندها يصبح من لديه إمكانيات نظرية باحثاً وباقي النشطاء مساعدين له؟!
- إذا كان بإمكان الحركة العالمية لمناهضة العولمة التصدي لظاهرة العولمة- بأشكالها وانعكاساتها وتجلياتها المختلفة - بفعالية في الدول " الديمقراطية" ، فإن التصدي لهذه المهمة من قبل مجموعات مناهضة العولمة في الدول التي تهيمن فيها أنظمة الاستبداد- لا بد من الاشارة هنا إلى واقع التخلف والاستقطاب الديني والطائفي والعشائري الذي يلعب دوراً كبيراً في إعاقة عمل وتطور الحركات اليسارية والديمقراطية والعلمانية ...... ودون الدخول في نقاش حول الأسباب التي أوصلت الواقع إلى ما هو عليه والتي منها الاستبداد. وإن هذا الواقع ربما يكون واحداً من الأسباب التي تفسر ضعف مجموعات مناهضة العولمة في الدول التي لا تعاني من الاستبداد كحالة لبنان مثلاً - هي من الصعوبة بحيث ربما يكون صحيحاً الدعوة إلى إعادة التفكير والبحث حول الأدوات البديلة الأنسب والأجدى للقيام بهذه المهمة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قرر بوتين استبدال وزير الدفاع شويغو الآن؟


.. أية تبعات لتوقيف صحافيين في تونس؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نتنياهو: عازمون على النصر وتحقيق أهدافه وعودة الرهائن إلى ال


.. أين سيلعب النجم الفرنسي مبابي الموسم المقبل ومن سيخلفه في هج




.. الأضواء القطبية : ظاهرة كونية تُبهر سكان الأرض.. فما سر ألوا