الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما تكون الهزيمة نصرا

ثائر سالم

2007 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


للممارسة السياسية احزابا او نظم حكم او حتى افرادا ، ثقافة سياسية تعكس ظروف مجتمعها وتيارات الفكر السائدة فيها و ثقافة مجتمعها بشكل عام ، حتى في اختيارها لموقع التضاد والصراع مع تلك الثقافة. وهي في كل الاحوال لايمكنها الانعزال عن ملامح وثقافة العصر ومتطباته العامة، والاكتفاء بالحركة ضمن الخاص في ثقافتها. ومع ذلك يبقى لثقافة وتجربة الافراد، كذوات فاعلة، دورها ومسؤليتها في حاضر ومستقبل شعوبها، ودولتها والنظام السياسي فيها. وتنعكس منظومة القيم العامة التي تستند اليها هذه الشخصية، وتجربتها السياسية، ومميزاتها الشخصية، في رؤيتها لآلية القرار، والمسؤولية، ولثقافة السلطة والممارسة السياسية. وآثار بصمات الشخصية وخياراتها الستراتيجية على الاحداث ومسار التاريخ، قد يبلغ حدا يغدو من الصعب فيه فصل تاريخ تلك المرحلة عن بصمات تلك الشخصية ومساهمتها التاريخية ، سلبا ام ايجابا.
فالشخصية التي تجعل من الشأن العام، وقضايا الناس ، قضيتها الاساسية في الحياة، تتجلى ايجابية دورها التاريخي في ادراكها لتلك المصالح والعمل من اجلها. اما تلك التي تنطلق من حيث ابتدأت الاخرى، اي تجعل من الشان العام وقضايا الناس، وسيلة لبلوغ طموحاتها الشخصية ، ارضاء لنرجسية ، اسيرة المجد الزائف، والمهمة التاريخية المقروءة خطأ. رؤية هذه الشخصية للتاريخ ، الشعب ، الوطن ، ولدورها ، وعقدة الذات المضخمة، والمراهنة على دورها في التاريخ، يجعلها غيرقادرة على تصديق الواقع (الذي لايهم مدى واقعيته)، او على تكذيب ذاتها (اوهامها واعتقاداتها). التاريخ عندها هو نتاج ارادة حاكم قوي، وفعل زعيم مغامر مستعد لاي ثمن، يدفع شعبه و شعوب اخرى ثمن رهاناتها الخاطئة. رهانات ذات تتحدى حقائق التاريخ ومعطيات الحياة. لانها غير قادرة على ان ترى في الواقع الا ذلك الذي تريد.

والحرب كتجربة وفعل سياسي استثنائي ، هي وحدها(كما تتصور) من يمكن ان يمنح ذاتها، فرصة ان تبدو لنفسها وللناس كما تحب ان تظهر، انها المنتصرة حتى لو تحدث العالم كله عن هزيمتها، ومهما كانت حقائق الفشل وثمنه. وهي لن تغيير اولوياتها الا اضطرار( فشلا عسكريا، او خضوعا) لارادة سياسية ، داخلية او دولية او حتى اقليمية. لقد كان بالامكان تكون هذه البلدان والعالم كله اكثر امنا مما هو عليه الان . وتجنيب الشعوب ، الكثير من هذه الاثار الكارثية. وتحقيق نتائج افضل للشعبين والمنطقة والعالم ، لو اتخذت تلك الشخصية، بوجهيها الامريكي والعراقي، قرار الحرب (باختلاف المرحلة، ودرجة المسؤولية، وطبيعة الاجندة وثقلها) ، انطلاقا من اولويات الاوطان والانسان.

لكن التجربة قدمت لنا عمليا حقيقة تلك الشخصية، فهنا كلمها الله في منامها مرات عدة، ودعاها الى خوض هذه الحرب ، ومواصلتها في كل بقاع الارض. بوصفها حامي حمى حقوق الانسان، وقيم الديموقراطية في العالم، وصاحبة مهمة تاريخية. ولن يهدأ لها بال قبل اسقاط كل الانظمة الدكتاتورية ، والاقتصاص منها، لتجاوزها على حقوق الانسان، وجرائمها التي ارتكبتها ضد شعبها وشعوب اخرى، بوصفها جرائم ضد الانسانية.... وهناك على الضفة الاخرى، الوجه الاخر لها، يرفض احتمال الفشل ولو بنسبة واحد في المائة، في هذه الحرب، وانها ستنتصر فيها حتما لان الله معها.

ميدان اثبات ذاتها المتضخمة.بالرغم من ان اغلب الاثار السلبية لتلك السياسات ، غالبا ما تكون، منظورة ومدركة من عامة الناس قبل القادة او الساسة، ولايخطئوا في قراءة نتائجها ومتطلبات التعامل الصحيح ميدان اثبات ذاتها المتضخمة.بالرغم من ان اغلب الاثار السلبية لتلك السياسات ، غالبا ما تكون، منظورة ومدركة من عامة الناس قبل القادة او الساسة، ولا يخطئوا في قراءة نتائجها ومتطلبات التعامل الصحيح معها. بل ويمارسوا الانتقاد والرفض المعلل ضدها ،..... الا ان كليهما يرفض رؤية الحقيقة التي يراها الجميع . وهو ان اضطر الى قول ما لا يحب أو فعل ما لا يرغب، تحت ضغوط اعباء الهزيمة او الفشل، فان ذاته المضخمة غير مؤهلة للاعتراف بهزيمتها او بخطئها.
ليس في اولويات هؤلاء الساسة، حياة الانسان، وثمن خيار الحرب ، بل ولا حتى الشعور بعبء مسؤولية حماية مصالح اوطانهما. وترى البلد كانه احد ممتلكاتها. والشعب رعايا وتَبع، ترى مايراه قادتها فقط ، او ماتريده ان يراه. فوفقا لرؤى ورغبات هؤلاء الساسة، يمكن للهزيمة ان تكون انتصارا، وانتصار الاخر هزيمة، باختلاف الاماكن والازمان.
وهي (الشخصية) هنا اذ تفرض حربها على المجتمع الدولي، وعلى الشعبين المعنيين بها، وتخوضها دون تخويل شرعي من الامم المتحدة، انما تراهن على ارهاب وابتزاز دول المنطقة او اغرائها ، بالنموذج العراقي. فهي كانت قد فعلت(الشخصية) ، في وجهها العراقي سابقا، حروبها مع الجوار، على رهان مشابه. واذا كان وجهها الامريكي، قد رفضت الاعتراف بدول ، ورفض مشاركتها اول الامر باي دور فعال، في ادارة عمليتها السياسية والامنية، او بناء الاسس الصحيحة لها، تعود اليوم لتستنجد حتى بتلك الدولة ، التي كانت حتى الامس القريب ضمن ( دول الشر). فانها قد فعلت الشيء ذاته في تجليها عراقيا ، فقد تحولت من رفض التراجع والتعهد بالاصرار على عدم السماح للمفتشين ، الى منحهم الحرية الكاملة، وتسليمهم الاسلحة لتدميرها.

وفي حين اعتبر معظم قادة وساسة العالم، حروب النظام السابق على جيرانه، وحروب الادارة الامريكية على العراق والحالية منها خصوصا، عملا خاطئا لامبرر له، كان بالامكان تفاديه، وتجنب الاثار الكارثية ، وتحقيق نتائج افضل،اقل كلفة بشريا واقتصاديا، للطرفين والعالم والمنطقة. .......فانها عند الرئيسين حروب العزة !! والكرامة!! والدفاع عن الامة!! وحروبا من اجل تحرير! الشعوب من الديكتاتورية ونشر الديموقراطية! وحماية حقوق الانسان في العالم ... رغم انها هي التي صوبت رصاصاتها الى كل هذه المعاني والاهداف النبيلة. لان هذه الحروب لم تكن سوى مغامرات انتهت بهزائم مرة ، اربكت الاستقرار والامن الاقليمي والدولي وكلفت اوطانها استقرارها وسمعتها وقوتها التي سيبقى اثرها بعيد المدى.
ويبدو ان ، وجهي الشخصية ،الامريكي والعراقي ، لم يترددا في خوض الحرب، من اجل تحقيق اجندة ، مشكوك في مصداقيتها وتعبيرها عن مصالح الوطن : دفاعا عنه ، او تخليصا له من ارهاب قادم، يهدد امن شعبه، او من ديكتاتورية حاكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس