الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة عقود والأزمة تتجدد والنظام ذاته .

هشام السامعي

2007 / 8 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


غياب الإدارة أم غياب الإدارة !!
ثلاثة عقود والأزمة تتجدد والنظام ذاته .
لم يكن في حسبان علي عبدالله صالح قائد لواء تعز في العام 1978م أنه في ظرف شهر ربما يصبح في أعلى قمة الهرم وقائد أعلى ورئيس دولة , لم تكن مواصفات قيادية " نعني بذلك البُعد الثقافي والمعرفي " متوفرة في شخصه يومذاك , فالرجل الذي لا يحمل أي مؤهل دراسي لم يكن ليستوعب مدى ملائمته لشغل هذا المنصب لما يحتاجه من قدرات إدراية مدنية بالتحديد وليس ماتفرضه القوانين العسكرية .
لكن لنفترض جدلاً أن القدرات القيادية توجد في شخصية الإنسان منذ مولده وتتعالى وتكبر مع تجارب الحياة وتقادم العيش , وأن شخصية القائد الأول في البلاد لاتحتاج إلى مؤهل جامعي ووعي ثقافي وذهنية جديدة , لنفترض كل ذلك ونعود إلى أولى المشكلات التي واجهها نظام الحكم في أول عام له في الرئاسة تحديداً في العام 1979م بعد مرور عامه الأول في سدة الحكم , يومها كانت إشكالية الفشل الإداري قائمة إلى جانب الفساد الإداري وتوغل القبيلة في نظام سلطة الحكم , النتيجة كانت سلبية مقارنة بما كان يطرح وقتها من برامج تدعي الحكومة تطبيقها , ظلت هذه الإشكالية قائمة والسبب كان يأخذ بُعدين الأول فشل في نظام الإدارة والآخر غياب الإرادة عند سلطة الحكم .
يُعرف " تايلور " عالم الإدارة الأشهر بأن الإدارة عبارة عن تخطيط وتنظيم وتقييم ومراقبة , وأياً كانت الطريقة التي يمارسها نظام الإدارة فأنها تهتم كثيراً بجانب التخطيط والرقابة في أوسع نطاقات العمل الإداري ولذلك يمكن التنبؤ بفشل أي نظام لايمارس دوره الإداري بعيداً عن هذه الاشتراطات ودونها , ولذلك ينظر الإداريين دائماً إلى حجم الشفافية التي يتعامل بها نظام الإدارة ومدى إمكانية الانسجام مع نظام " الباب المفتوح " وهو النظام الأكثر نجاحاً في تدفق المعلومات ويتميز بشفافيته في التعامل مع الآخر , كان الفشل وارداً وبأعلى التقديرات ودون أن يهتم لذلك نظام الحكم لأنه كان في الجهة المقابلة يوسع من حجم استثمارات كبار قادته في الداخل والخارج والنتيجة فشل يتحمل عواقبه الشعب والوطن .
شعور بالنقص ذلك الذي ينتاب رجل مهم في الدولة أو قائد عسكري أثناء جلوسه في مكان يتحدث فيه الجميع بنوع من المعرفة عن أسس الدولة المدنية تلك التي كان يتحدث عنها ابن خلدون في كتاباته , بينما هو لايدرك أبسط معاني النظام الديمقراطي وكيف يُفهم الدستور أو إمكانية إتقان حوار مع شخص مقابل يملك قدرات معرفية تمكنه من ملاحظة شعورك بالارتباك وأنت الآن تتحدث أمامه , سينتج ذلك لاشك أزمة نفسية حادة سيعاني منها هذا الرجل وهو مايولد لديه شعور بأنه بحاجة ماسة إلى كاريزما ومعرفة تشفع له أمام الآخرين , يحاول بعدها أن يسد كل تلك الهفوات التي أوجدتها هذه النفسية " الحالة " لكن المنصب والإرث الذهني لايسمح بذلك , وهنا يضطر لترك ذلك كله للممارسة وهي بدورها تكون مرحلية وتراكمية ومع كل فكرة جديدة يكون هناك فشل مقابل , وينتج عن ذلك نمو معرفي " شخصي " بسيط مقابل فشل عام يتحمل الجميع تبعاته .
إن أبرز مشكلات فشل الدولة في اليمن ليس الحكم العسكري بالتحديد لكن الأخطر هو مالازم ذلك كله من أزمة وعي في القيادة العسكرية التي تُمسك أهم مناصب إدارة الدولة , من الصعوبة أن يتصرف قائد عسكري قادم من المعسكر بطريقة مدنية , طرق الحياة مختلفة بين بيئة المعسكر ونظام المدنية فالنظام المدني أكثر مرونة في التعامل وأكثر قدرة على استيعاب كل المتغيرات الحياتية كما أن نمط الحياة عنده أكثر اتساعاً بينما تنحصر الحياة عسكرياً بنوعية العقوبات والجزاء وجودة الطعام وملائمة فراشات النوم , ولذلك نجد أن معظم القادة العسكريين كانعكاس لحياة الحرمان وجدوا أنفسهم مضطرين لتعويض كل ذلك ببناء الفلل الضخمة وامتلاك أكبر قدر ممكن من الأرصدة في البنوك بالطرق التي توفر لهم ذلك بغض النظر عن مشروعيتها , وهو ماسكت عنه النظام الحاكم طوال فترة حكمه , ولم يحدث قط أن أحد أولئك القادة قدم للمحاكمة نتيجة طغيان فساده , لأنه كما ذكرت أعلاه لايوجد لدى نظام الحكم إرادة تحتم عليه تطبيق نظام إداري حازم .
إن مفهوم النظام الفردي هو من جعل عبدالكريم الإرياني يخفق في تطبيق رؤية جديدة لحالة الانهيار الاقتصادي وهو نفسه الذي أضطر داهية اقتصادية مثل فرج بن غانم أن يحزم حقائبه ويرحل مخلفاً ورائه تجربة حكم لم يشهدها اليمن منذ تولي علي عبدالله صالح زمام الحكم في العام 1978م , ولم يكن عبدالقادر باجمال بقادر على خلق أكثر توازن في إدارة شؤون البلاد فالرجل الذي قدم من صفوف الحزب الإشتراكي اليمني حاملاً معه مؤهلاً يحمل في طياته شهادة دكتوراه في الاقتصاد لم يستطع أن يطبق تجربته في تدبير شؤون الدولة التي من المفترض أن يكون وزرائه هم من يضعون خطوط الحكم , ولذلك لا أعتقد أن رجل إداري مثل علي مُجور لديه الإمكانية لتحقيق ما أخفق فيه أسلافه , ومع أن الرجل أثبت نزاهته في تجارب إدارة سابقة إلا أنه أصبح الآن يمسك منصب زعيم الوزراء وهو مايعني في قاموس النظام الحاكم سكرتير رئيس الجمهورية .
عموماً لا أدري إن كانت لازالت لدي رغبة في مواصلة الحشوش هذا حتى نصل إلى ساعة " الفُهنة " وهي اللحظة التي نعيّ فيها ذواتنا ونعلن فيها موتنا المؤقت حتى يغيب هذا النظام عن حياتنا أو نغيب نحن نهائياً ويبقى النظام , عاش النظام , يحي النظام , المجد للنظام , والسلام .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله