الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول مقالة حميد جعفر

حمزة الجواهري

2007 / 8 / 21
الادارة و الاقتصاد


2007-08-20
متابعات لما صدر حول قانون النفط الجديد-ثالثا
في مقالة للأستاذ حميد جعفر الرئيس التنفيذي لمجموعة كريسنت البترولية العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة بعنوان " فرصة ذهبية لسياسة نفطية صحيحة في العراق" صدرت أواخر شهر تموز الماضي. يقول الأستاذ حميد جعفر: "" وعلى الرغم من وجود اقلية بارزة تواقة حتما لعودة ملكية الدولة الا ان نموذج الاقتصاد الاشتراكي والتخطيط المركزي والإدارة المركزية للدولة قد ولى والى الابد""!
في الحقيقة لا أدري من الذي دعا إلى نموذج الاقتصاد الاشتراكي في تطوير الصناعة النفطية؟ إن كل ما تم الحديث عنه هو أن يكون التطوير وفق عقود الخدمة بدلا من عقود الرسك أو المشاركة بالإنتاج من حيث الأساس. لأن عقود الخدمة لا علاقة لها بنموذج الاقتصاد الاشتراكي بأي حال، فهي تعد حجر الزاوية بالنسبة للنظام الرأسمالي، ويعد هذا النموذج من أهم آليات القيام بالأعمال الكبرى مهما كان حجمها، وهو الأسلوب المتبع سواء في القطاع النفطي أو أي قطاع آخر من قطاعات العمل، ربما طالب المداخلون أن يكون لشركات القطاع الوطني الخدمي الخاص نوعا من الأفضلية من أجل تشجيعها والتوسع بهذا القطاع الضروري لكل مجالات العمل وليس القطاع النفطي وحسب، وهذا التمايز لا يمكن اعتباره تابعا لنموذج الاقتصاد الاشتراكي أيضا، حيث لدى جميع دول العالم نظم لحماية شركاتها من المنافسة من قبل الشركات الأجنبية المنافسة، خصوصا تلك الشركات ذات الطبيعة الاستراتيجية للبلد، ونجد جميع الدول في العالم تقدم دعما اقتصاديا لشركاتها في الإنتاج الصناعي أو الإنتاج الزراعي لكي تستطيع الوقوف على قدميها وتنافس الأجنبي على تراب الوطن وخارجه، وهذا الأسلوب يعتبر من صلب مسؤوليات الدولة للأنظمة الرأسمالية.
الغريب حقا أن أقرأ مثل هذه الآراء في مقالة الأستاذ حميد بالذات، لأنه رئيس لشركة تقوم بالإنتاج في إمارة الشارقة بالاستفادة من عقود الخدمة فقط، فهل تعمل شركته وفق النموذج الاقتصادي الاشتراكي!؟ وهل دولة الإمارات دولة اشتراكية؟!
كما وأن الأستاذ جعفر قد تحدث عن موضوع الإدارة المركزية للدولة لقطاع النفط، وهذه المسألة بالذات هي أساس الإشكال بين الإقليم والمركز، وتعتبر أهم سبب لتأخر إقرار القانون، حيث أن الطرفين الإقليم والمركز لم يتفقا حول صيغة واضحة لتوزيع الصلاحيات بما يتعلق بالتفاوض أو التوقيع على عقود المشاركة بالإنتاج المثيرة للجدل. في الواقع لا نختلف مع الأستاذ جعفر حول هذا الموضوع، إنا شخصيا من أشد المؤيدين لتوزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم، لكن الذي حصل عندما تم اعتماد عقود المشاركة، هو أن الإشكال بين المركز والإقليم وصل إلى حد التطاحن، ربما بسبب أزمة الثقة كظاهرة في الحياة السياسية العراقية، وهذا ما لمسناه من خلال الجدل الذي لم ينتهي لحد الآن بين الطرفين حول توزيع الصلاحيات.
لكن في حال تخلت الحكومة التي كتبت المسودة عن مبدأ المشاركة بالإنتاج، لم يعد هناك ثمة خلاف عميق بين المركز والإقليم، حيث أن موضوع توزيع الثروة تم الاتفاق عليه وسوف يناقش أمام البرلمان، والصيغة الحالية تعتبر عادلة إلى حد بعيد.
من هنا نستطيع القول أن السبب وراء تعطيل مشروع القانون كونه يقر منح عقود المشاركة بالإنتاج تحديدا وليس توزيع الصلاحيات بين الإقليم والمركز.
أما موضوع التخطيط المركزي لتطوير الحقول والإنتاج التي انتقدها المقال، فإن المسودة حلت الإشكال في هذا المجال كونه مسؤولية تضامنية بين المركز والإقليم بشكل واضح ولم يعترض أحد حسب علمي على هذه النقطة، ولا أدري ما الذي يطالب به كاتب المقال عندما اعتبره ينتمي إلى الاقتصاد الاشتراكي الذي ولى إلى الأبد على حد قوله؟ فهل يقترح صيغة أخرى؟ أم أنه يريد إلغاء دور المركز بالكامل؟ وهذا ما لاحظته بالفعل عند قراءة ملاحظاته على المسودة التي وزعها في كراس مطبوع بشكل أنيق خلال ندوة دبي حول القانون.
وفي مقاله أيضا، يجد أن شركة النفط الوطنية العراقية وحدها لا تستطيع القيام بأكثر من الاستمرار بعمليات الإنتاج من الحقول الحالية! ولا ندري لماذا، مثلا، تستطيع شركة أرامكو السعودية إنتاج أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا والشركة العراقية لا تستطيع القيام بذلك؟! أضف إلى ذلك فإن أرامكو تحتكر الاستكشاف والتطوير في الصناعة الاستخراجية بالكامل، كما وتقوم بتطوير مصافي وإنتاج الطاقة وتصنيع الغاز وما إلى ذلك من أعمال. هذا مع العلم أن شركة أرامكو تقوم بجميع عمليات التطوير من خلال عقود الخدمة، معظمها يستأثر به شركات وطنية سعودية تابعة للقطاع الخاص، وهو ما يجري العمل به في جميع دول الخليج.
ما نستطيع فهمه من مقالة الأستاذ حميد أنه لا يحق لشركة النفط الوطنية الحصول على هذا العدد الكبير من الحقول وفق القانون الجديد، وإنها لا تستطيع أن تقوم بالمهمات الملقاة على عاتقها، وعلى الدولة الاعتماد على المستثمرين من القطاع الخاص والأجنبي!!!
كما أسلفنا في الحلقة الثانية من هذا المسلسل، فإن شركة النفط الوطنية هي التي قامت بالتنقيب عن النفط حيث أنها لم ترث عن الشركات الاحتكارية سوى بضعة حقول مكتشفة، وهي التي حقت اكتشاف أكثر من500 تركيب جيولوجي، وقامت بحفر مئات الآبار الاستكشافية لتصل بالاحتياطي العراقي المؤكد إلى الرقم المعروف، وتصل بنوعي الاحتياطي الأخرى، الممكن والمحتمل، إلى مستويات عالية جدا صار يعرفها الجميع، من هنا نستطيع القول أن الشركة تمتلك جميع الحقول المكتشفة بشكل شرعي ومن حقها الحفاظ عليها وكان قرار حلها من قبل النظام السابق قرارا باطلا ولا يستند إلى شرعية.
وهو يرى أيضا أن زيادة الإنتاج إلى أقصى حد في أقرب وقت ممكن، ""لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن تقوم شركة النفط الوطنية العراقية بالتركيز على الحقول المنتجة حالياً وإعادة تأهيلها وزيادة إنتاجها ليصل إلى أربعة ملايين برميل يومياً""، ولا يعتقد أنها قادرة على تطوير الإنتاج أكثر من هذه الحدود، على أن يترك الباقي للشركات الاستثمارية وفق عقود المشاركة بالإنتاج حصرا وعدم الاعتماد على عقود الخدمة!!!.
في الواقع إن شركة النفط الوطنية كانت تنتج أواخر السبعينات بحدود خمسة ملايين برميل يوميا، كطاقة قصوى، وقتها كان العراق يخضع إلى عقوبات اقتصادية، كانت قد استمرت منذ أن صدر قانون رقم80 وبقيت فاعلة، لكن رغم ذلك استطاعت بموجب عقود الخدمة وبروتوكولات التعاون الاقتصادي بلوغ هذا الرقم، فعلت كل ما تقدم في حين كانت آن ذاك حديثة العهد بتأسيسها، فهل من المعقول، وبالمنطق البسيط، لا تستطيع الآن أن تنتج أكثر من أربع ملايين؟! في الوقت الذي لم يعد عليها أي حضر ولا عقوبات وقد تطور كادرها إلى حد بعيد كما ونوعا وتراكمت عندها خبرة كبيرة في جميع الأنشطة المتعلقة بالصناعة الاسخراجية؟!!
إن الحكم المسبق بالفشل على الشركات الوطنية، أمر فيه الكثير من التعسف بحق الشركات والكوادر والخبرات العراقية، لأن الشركات كانت قد حلت وجمدت عملياتها وحصرت عملياتها بالإنتاج في الحقول المطورة فقط بسبب الحروب والحصار الشامل وليس بسبب عدم كفائتها، لكنها مع ذلك استمرت تعمل في أقسى الظروف الأمنية وفي كثير من الأحيان بدون راتب شهري للعاملين فيها، وهذا ما لم يحصل لأي شركة أخرى في العالم.
وأكرر أيضا ملاحظتي حول قدرة الكادر العراقي بالتعامل مع التكنولوجيا الحديثة التي يتخذوها دائما كذريعة لترويج تلك العقود سيئة الصيت، وهي كون الشركة بقيت بعيدة عن التكنولوجيا الحديثة لفترة طويلة بسبب الحصار.
في الحقيقة إن التكنولوجيا الحديثة لا يمكن حصرها بجهاز أو تقنية معينة، لأنها كثيرة جدا، ولا يوجد مهندس ملم بهذه التكنولوجيا بالكامل، وفي أغلب الأحيان يتعامل المهندسون والفنيون مع تكنولوجيا لم يتعاملوا معها سابقا، ذلك لأن التأهيل الأكاديمي للمهندس يجعل منه مهيأ لقبول وتفهم الجديد في هذا المجال بسرعة شديدة. أضف إلى ذلك أن الشركات المصنعة لهذه التكنولوجيا الحديثة هي التي تطرق الأبواب في العادة بحثا عن زبون جديد، لذا فإن البحث عن الجديد من التكنولوجيا لا يكلف الكثير من الجهود.
أما عن كون الشركة الوطنية لا تملك الكادر الكافي للقيام بهذا الدور الكبير المناط بها: هذا الأمر صحيحا أيضا بالنسبة للمستثمر يوم استلامه عقد المشاركة بالإنتاج، أي لا يوجد لديه الكادر الكافي للقيام بالتطوير، لأن لا توجد شركة في العالم تدخر كادر يجلس في المكاتب انتظارا لحصول الشركة على عقود تطوير جديدة في مكان ما من العالم، لذا نجد أن الشركات إما أنها توظف كوادر جديدة للقيام بهذا العمل، أو أنها تعهد به وفق عقود خدمة إلى شركات خدمية تكون متخصصة للقيام بالعمل نيابة عنها بوجود ممثل أو عدد من الممثلين لها في بعض مفاصل العمل، وحتى بعد الانتهاء من عمليات التطوير الأولى، يمكن للشركات الخدمية القيام بكل العمليات الإنتاجية وفق عقد خدمة أيضا، وهذا ما تقوم به الشركات في العادة.
مما لا شك فيه أن إعادة الهيكلة للشركات النفطية وتخليصها من البطالة المقنعة والترهل الوظيفي ورفدها بكوادر جديدة متطورة، في هيكلة جديدة سيوفر العديد من الوظائف لتقوم بأدوار التطوير الجديد أو أن ترفد القطاع الخاص بالطاقات التي يطلبها في تنافس حر في سوق العمل، خصوصا من ناحية الرواتب التي تعتبر متدنية جدا في الشركة حاليا، لأن التلكؤ بالخروج من هذه الحالة المتردية يؤدي بالفعل إلى أن الشركة الوطنية لا تستطيع القيام بالمهمات الملقاة على عاتقها.
ويتحدث الأستاذ حميد بصراحة هذه المرة، بقوله: ""وبصراحة، فإن كل الأهداف الأخرى التي يتم الادعاء بها والتصريحات المنمقة حول «تحقيق الوحدة الوطنية» و «حماية المصلحة الوطنية ضد الملكية الأجنبية»، وما إلى ذلك، ما هي إلا محاولات تضليلية من مخلفات الماضي وألاعيب فجة لتحويل أنظار العراقيين الذين ملوا من سماعها طوال العقدين الماضيين""!!!!!!
بالتأكيد أن الأستاذ حميد يقصد النظام السابق بذلك من خلال تحديد الفترة الزمنية وهي "العقدين الماضيين". صحيح أن ادعاء الوطنية من قبل النظام السابق يعتبر محاولة فجة لتحويل أنظار العراقيين عن الواقع، ولكن هذا لا يسقط معنى الوطنية كما ولا يسقط حق حماية الملكية العامة التي ضمنها الدستور، ولا يمكن لهذا الرأي أن يكون سببا للتفريط ولو بجزء بسيط من النفط.
ويقفز الأستاذ حميد على جملة من الحقائق بقوله ""إن إنتاج العراق الحالي من النفط يصل إلى حوالي مليوني برميل في اليوم، وهو المستوى ذاته الذي كان عليه في عام 1975، عام تأميم النفط، لا يمثل سوى جزء بسيط من المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه الإنتاج في العراق في ضوء الاحتياطيات والقدرات الكامنة من النفط والغاز"".
في الواقع أن العراق كان قد حقق إنتاج يزيد على مليوني برميل يوميا بكثير كما اسلفنا! وهذا أمر معروف، لكن العبارة تشي بأن القصد هو عدم كفاءة الشركة الوطنية، وليس الأسباب الموضوعية الأخرى، وهي أن الحرب العراقية الإيرانية كانت قد استمرت لمدة ثماني سنوات، وتسببت بدمار كبير في المنشآة النفطية، ونسى أو تناسى الفترة التي تلتها بسبب احتلال الكويت وما تمخض عنها من مآسي شلت الحياة بالعموم وليس النفط فقط، لذا نجد أن الأستاذ حميد لم يوفق، كما في المرات السابقة، من تسويق ذريعة مناسبة لتبرير منح عقود المشاركة بالإنتاج.
وفي مقالته هاجم الأستاذ حميد المعارضين لمنح عقود المشاركة بالإنتاج بقوله ""وبالفعل فإن اتفاقات تقاسم الإنتاج لا تعتبر من أدوات الهيمنة الخارجية، كما يزعم البعض كذباً، مما أدى إلى تشويه سمعتها بشكل غير مسؤول""، ولا أدري من الذي يكذب؟ وكان على الأستاذ حميد، كشخص مهذب كما عرفته، تحديد الشخص الذي ارتكب خطيئة الكذب، حيث من خلال متابعاتي وجدت أن البعض كان يكذب بالفعل، وكان عليه أن لا يعمم، لأن التعميم يساء فهمه بسهولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الدعم العيني أم النقدي أفضل للمواطن والاقتصاد..


.. أوبك+.. اتفاق على تمديد شريحة من تخفيضات إنتاج النفط في عام




.. كلمة أخيرة - إيه الفرق بين الدعم النقدي والسلعي.. ومين يستحق


.. كلمة أخيرة - هل الدعم النقدي ممكن يوصل لشخص غير مستحق ويحصل




.. كلمة أخيرة - ما بين السلعي والنقدي.. معلومات عن الدعم في مصر