الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا ومشروع النفط العراقي

خالد سليمان القرعان

2007 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


أتفاقية مجلس الوزراء الأخيرة في بغداد على المسودة الجديدة من قانون النفط على أنها صفقة لعلامة مميزة تجمع معاً الفصائل المتحاربة في تحصيص الثروة النفطية، فالذي خفي هو أنه قد تم فرضها بالقوة بضغوط متواصلة من الولايات المتحدة وسوف تبذر بذور الصراع المستقبلي العميق، مع تأثيرات مدمرة على الاقتصاد العالمي.

مسودة القانون، المعروضة الآن على البرلمان العراقي، تثبت «شراكات في اقتسام الإنتاج» لتسمح لشركات النفط العملاقة الأمريكية والبريطانية باستخراج النفط العراقي لمدة ثلاثين سنة قادمة. وبينما تحتفظ العراق بالملكية القانونية الاسمية لنفطها، فإن الشركات مثل إكسون وشيفرون وشل وبي بي التي تستثمر في البنية التحتية ومعامل التكرير، تحصل على النصيب الأكبر من الأرباح.

لم يسبق لأي دولة أخرى منتجة للنفط في الشرق الأوسط أن قدمت مثل هذه الامتيازات الربحية الهائلة إلى كبريات الشركات النفطية، حيث إن منظمة أوبك تدير أعمالها النفطية من خلال شركات حكومية تحكم قبضتها عليها، فقط العراق في وضعه الأليم الحالي، الذي يعتمد على القوات الأمريكية لبقاء الحكومة، ينقصه المقدرة على المساومة والتفاوض حتى يقاوم أطماع مثل هذه الشركات.

هذه ليست خطة جديدة. فطبقاً للوثائق التي تم الحصول عليها من وزارة الخارجية الأمريكية بواسطة برنامج نيوزنايت الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية حسب قانون حرية المعلومات الأمريكي، فإن خطة الصناعة النفطية الأمريكية التي تمت صياغتها في أوائل 2001م للاستيلاء على حقول النفط العراقية (بعد الإطاحة بصدام حسين) تم طرحها جانباً بواسطة خطة سرية وتمت صياغتها قبل الغزو مباشرة في 2003م.

وهذه الخطة السرية كان المحافظون الجدد قد هندسوا صياغتها بقصد استخدام النفط العراقي في تدمير اتحاد منظمة الأوبك من خلال الزيادات الضخمة في الإنتاج بما يفوق حصص الأوبك. ومع ذلك، قام فيليب كارول، المدير التنفيذي السابق لشركة شل الأمريكية للنفط، الذي تولى إنتاج النفط العراقي نيابة عن الحكومة الأمريكية بعد شهر واحد من الغزو الأمريكي للعراق، باستخدام مناورة المماطلة لتنفيذ خطة بيع التصفية للنفط العراقي. وكما أخبر آريل كوهين من مؤسسة هيريتيج من المحافظين الجدد برنامج نيوزنايت فيما بعد، فقد فاتت الفرصة في خصخصة حقول النفط العراقية.

والآن تمت إعادة الزيارة للخطة أو للجزء الأكبر منها، والذي يمكن تعويض إنقاذه بعد خفوت القوة الأمريكية على أرض المعارك، مما جعل بيع التصفية المفروض بالقوة مستحيلاً. وهذه المراجعة للخطة الأصلية قد تمت صياغتها بواسطة شركة بيرنج بوينت، وهي شركة استشارية أمريكية بناءً على طلب من الحكومة الأمريكية. ومن المهم ملاحظة أنها قد فحصت تلك الخطة أولاً مع شركة بيج أويل وصندوق النقد الدولي ويتم تقديمها الآن إلى البرلمان العراقي. ولكن إذا تم قبولها بواسطة العراقيين تحت الضغوط المكثفة، فإنها سوف تغلق الدولة لتكون ضعيفة وتابعة في المستقبل. ربما يكون المحافظون الجدد قد خسروا الحرب ولكنهم لا يزالون يتلاعبون ليفوزوا بنصيب الأسد من السلام، عندما يأتي أو إذا أتى أبداً.

ليس من الصعب معرفة الأسباب. إن حقول النفط العملاقة في الجنوب الشرقي من العراق، خاصة في منطقتي المجنون والقرنة الغربية، معاً ومع حقل بغداد الشرقي، تمثل التركيزات الأكبر التي تكتشف في أي مكان في العالم. إن تكلفة الاستكشافات النفطية هي الأرخص على مستوى العالم، مع التكلفة الحالية المقدرة 50 سنتاً للبرميل الواحد مقارنة بالسعر الحالي للبرميل وهو 60 دولاراً. لقد اكتشف علماء الجيولوجيا البترولية 73 حقلاً رئيساً وحددوا 239 موقعاً مؤكداً ومع ذلك، فقد تم تطوير 30 حقلاً جزئياً فقط، ويوجد 13 حقلاً منتجاً بالفعل. والهياكل غير المحفورة وغير المطورة يمكن أن تمثل الموارد الهيدروكربونية غير المستعملة في أي مكان في العالم، بينما تستغل معظم دول الشرق الأوسط الأخرى مخزوناتها بالكامل، إلا أن أجزاء كبيرة من العراق لا تزال بكراً.

تقدر الآن وكالة الطاقة الدولية الإنتاج العالمي خارج منظمة الأوبك التي وصلت من قبل إلى ذروتها وأن الإنتاج العالمي الكلي للنفط سيصل إلى ذروته في الفترة ما بين 2010-2020م. المتفائلون الذين يتوقعون وجود مخزونات ضخمة تقدر بأكثر من 1 تريليون برميل، يبنون أرقامهم على أسس توهمية ثلاثة- وهي اختلاط النفط الثقيل برمال القطران، التي يكلف استشكافها واستغلالها أموالاً اقتصادية وبيئية باهظة، والمبالغة من دول الأوبك في المطالبة بحصص إنتاج أعلى داخل المنظمة، والتكنولوجيات الجديدة في الحفر والتي قد تساعد على تسريع الإنتاج ولكن من غير المحتمل أن توسع من المخزونات. على العكس من ذلك، يجنح المتشائمون إلى الحصول على أرضية مضطردة، وفي مقابل هذه الخلفية يظل العراق كامناً القوة الرئيسة المتبقية الأخيرة.

ومع ذلك، ففي كل الحسابات فإن آخر خطة أمريكية للسيطرة على النفط العراقي بأي تكلفة كانت، يتم سوء إدراكها على نحو عميق. حتى من وجهة نظر المصلحة الأمريكية الذاتية، فإن أمنها يتعرض للخطر أكثر بالفشل في تنمية خيارات الطاقة البديلة مما يتم بواسطة أي عجز في قدرات أنظمة أسلحتها. ومع ذلك، فإن الحكومة الأمريكية تستمر في إنفاق أكثر من 20 ضعفاً من أموال البحوث والتنمية على المشكلة الأخيرة، وهو أكثر مما تنفقه على المشكلة الأولى. ماتزال الحالة بأن تمويل استيراد النفط يمثل حوالي 40% من العجز التجاري الأمريكي الحالي، ومع ذلك فليس هناك برنامج قوي مدعوم في التقنيات القابلة للتجديد.

كما تنبأ السيناتور ريتشارد لوجر وجيمس وولسي، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، في 1999م عن الاعتماد المتزايد للولايات المتحدة على النفط الذي يستمر في نفاده من الشرق الأوسط، حيث قالا إن «خسائرنا قد تأتي فجأة من خلال الحرب، وباضطراد من خلال الأسعار المتزايدة، وعلى نحو مكروب من خلال الإفقار المتنامي للولايات المتحدة، وبقلق من خلال تغيرات المناخ.. بل من خلال كل ما سبق».

ثانياً، كان العراق في عيون المحافظين الجدد أيضاً متطلباً كبديل للسعودية لتقديم قاعدة عسكرية للولايات المتحدة للقيام بدور الشرطة على نفط الخليج بأكمله. فلم يعد ممكناً للولايات المتحدة الإبقاء على قواتها العسكرية في السعودية لهذا الغرض بدون المجازفة بانهيار النظام الحاكم الاستبدادي السعودي وأرصدتها النفطية العملاقة التي قد تسقط في أيدي المتطرفين الإسلاميين. إزالة القوات الأمريكية من السعودية كان المطلب الأولي المتضمن في فتوى أسامة بن لادن في 1996م. ولهذا السبب أعلنت الولايات المتحدة عقب غزو العراق مباشرة، عن سحب قواتها المقاتلة من السعودية، وبالتالي الوفاء بشرط بن لادن الرئيس في المطلب السياسي لما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولكن لسوء الحظ بالنسبة للولايات المتحدة، فإن القاعدة تسعى الآن إلى إزالة القوات الأمريكية من العراق أيضاً.

وفوق كل ذلك، فإن السياسة تكون خاطئة بقصر نظرها الشديد. حتى إذا كسبت الولايات المتحدة الحرب في العراق، الذي يبدو الآن مستحيلاً، فإن مكاسبها المتزايدة قبل نضوب النفط سيكون قصير المدى، فبينما يكون تعرضها لحركات تمرد مكثفة ومتزايدة ولا نهاية لها بسبب احتلال الولايات المتحدة للنفط العراقي، خاصة إذا ما توسعت تجاه إيران فإن المجازفة ستكون هائلةً على نحو غير متناسق في كل من الشرق الأوسط، وربما أيضاً في داخل الولايات المتحدة ذاتها. ربما المكسب الأكبر الوحيد للغرب هو تعلم هذا الدرس بنفسه في أن يفطم نفسه عن إدمان النفط، وأن ينهي التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإسلامية التي تمتلك النفط-وهي القضية المركزية للصراع العالمي اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا