الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النفط ,, حلم الغرب وكابوس الشرق

محمد بن سعيد الفطيسي

2007 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


القوة سلاح مميز دائم , فأنت من خلاله كمن يملك حصان قوي في سباق يكثر فيه المتنافسون , ولكنك تدرك رغم ذلك بان املك في الانتصار والفوز كبير للغاية , وهذا بالضبط ما تدركه الولايات المتحدة الاميريكة من خلال سلاح النفط وقوة الذهب الأسود , والذي تسيطر على نسبة كبيرة منه في كل أرجاء المعمورة , فهي على يقين تام بان من يملك هذا المصدر للطاقة سيتمكن من الوصول إلى خط النهاية أسرع من الآخرين , وبالتالي فان فرصة حصوله على الجوائز والمكاسب ستكون أكثر بكثير ممن سيأتي في المرتبة الثانية والثالثة , وهكذا , لذا فقد سعت منذ البداية للهيمنة على هذا النوع من مصادر البقاء والطاقة في مختلف أرجاء الأرض , وبمختلف الوسائل والأساليب التي تربعت الحروب على قائمتها , وهو ما تأكده غالبية الدراسات الإستراتيجية والاقتصادية التي حللت أسباب ومساعي الولايات المتحدة الاميريكة للهيمنة على القارة الأسيوية بشكل عام وذلك من خلال السيطرة على خط بحر قزوين , واحتلالها للعراق وأفغانستان على وجه الخصوص 0
ومن هنا نستشف بان الحروب التي شنتها الإمبراطورية الاميريكة على أفغانستان والعراق لم تكن سوى ذريعة واهية ترتكز على اهتمامات أكثر شمولية وتوسعية متعلقة بتعزيز الهيمنة الاميريكية , وذلك من خلال السيطرة على اوراسيا واسيا الوسطى , بحيث نستطيع أن نقول بان تلك الحروب لم تكن سوى جزء من مخططات السياسة الاميريكية في أسيا الوسطى والمستمدة من إطار إمبريالي واسع , والذي ترمي من خلاله لدعم مصالحها العملية واستثماراتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة وخصوصـا فـــي مجال الطاقة , ومن اجل الحؤول دون بروز منافس إقليمي أو دولي لها على تلك الموارد في هذه البقعة من العالم 0
وقد تمت مناقشة هذا الواقع والتخطيط الاستراتيجي المكثف لتدخل أمريكي مستقبلي في المنطقة من خلال عدد من الدراسات والأبحاث , والتي كانت واحدة منها تلك التي قدمها مجلس العلاقات الخارجية في العام 1997 , حيث تناولت هذه الدراسة بكامل التفاصيل المصالح الاميريكة في اوراسيا والحاجة لمشاركة أمريكية متواصلة وموجهة في منطقة أسيا الوسطى لتامين هذه المصالح , ووفقا لذلك يجدر بالولايات المتحدة الاميريكة أن تتعامل مع القوى المحيطة الأصغر وتتحكم بها , مثل أوكرانيا و اذربيجان و إيران و كازاخستان كرد مضاد على محاولات روسيا والصين السيطرة على النفط والغاز ومعادن جمهوريات أسيا الوسطى , وهي تركمانستان و إوز باكستان و طاجيكستان و كرجيستان , وهو يلاحظ – أي الكاتب وهو مستشار الأمن القومي السابق زبيغينيو بريجينيسكي في عهد الرئيس جيمي كارتر – انه في حال بسطت أي دولة هيمنتها على أسيا الوسطى , فانه قد يشكل ذلك تهديدا مباشرا على السيطرة الاميريكة على موارد النفط داخل المنطقة وفي الخليج العربي , ويسجل المؤلف أن جمهوريات أسيا الوسطى مهمة من ناحية الأمن والطموحات لثلاثة على الأقل من جيرانها الأقرب والأكثر قوة أي روسيا وتركيا وإيـــران بالإضافة إلى الصين التي تعلن اهتمــــاما متـــــزايدا بالمنطقة ) 0
وبالفعل فقد نجحت في ذلك بتفوق , وهو ما جعل من اقتصادها وقوتها الإستراتيجية شكل من أشكال القوة الخرافية التي لم يشهدها تاريخ إمبراطورية ما من قبل , وهي حقيقة لابد من قولها , فالولايات المتحدة الاميريكة اليوم , وخصوصا من الناحية الجيواستراتيجية , تتربع على قمة الهرم الدولي كقوة عالمية متفردة وأحادية , استطاعت أن تنشر قوتها على اكبر مساحة ممكنة من رقعة الشطرنج الدولية , ولكن , وكما هو معروف فان الصعوبة التي ستتكبدها من خلال محاولاتك للوصول إلى القمة , لن تكون بقدر المشاق التي ستواجهها من خلال مساعيك للمحافظة عليها , فالمحافظة على القمة صعب للغاية , وخصوصا إذا ما كان هناك من يتربص بك , وينتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليك , وهو بالفعل ما تتخوف منه الولايات المتحدة الاميريكة دائما , وتحاول من خلال سياسات الهيمنة المستمرة القضاء عليه , فللسيطرة ضريبة لابد من دفعها للاستمرار والبقاء , فإذا أرادت الولايات المتحدة الاميريكة الاستمرار والبقاء كقوة متفردة و أحادية في عالم أصبحت فيه السيطرة إستراتيجية صعبة للغاية في ظل صغر المساحة الدولية بفعل التكنولوجيا والمعلومات وغزو الفضاء والعولمة فلا بد لها من أن توازن قوتها ما بين رغبات الداخل وطموحات الخارج 0
وباختصار أن تصبح هي نفسها الهواء الذي لابد أن تتنفسه الأحياء البشرية , أي أن تعيد رسم الجغرافيا والديموغرفيا وجميع الأيديولوجيات بشكل يلاءم مساحة خريطتها الجديدة , رغم أن العديد من استطلاعات الرأي تؤكد أن نصف الجمهور الأمريكي يعتقد أن أمريكا آخذة في التقلص في قوتها ونفوذها الاستراتيجي , أو التراجع إلى الوراء و إعادة رسم سياستها الاقتصادية والاندماج مع الدول الأخرى من اجل خلق توازن اقتصادي ما بين قيمة الاستهلاك ومستوى الصادر,وبالتالي تزايد حاجتها إلى الآخرين , ومن هذا المنطلق فان الولايات المتحدة الاميريكة لن تستطيع من خلال ( تراجع القدرة الاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية بان تسيطر فعليا على عالم أصبح شديد الاتساع , كثير السكان , متعلما , وديمقراطيا , وأصبح تجاوز العقبات الحقيقية أمام الهيمنة الاميريكة المتمثلة بروسيا وأوربا واليابان , هدفا صعب المنال لأنه ذو حجم كبير , ومن اجل ذلك على الولايات المتحدة الاميريكة أن تتفاوض مع هؤلاء , وان تتراجع أمامهم أحيانا كثيرة , وان تجد حلا حقيقيا أو خياليا لتبعيتها الاقتصادية التي تقض مضجعها ) 0
ومما يؤكد ذلك – أي – تراجع دور القوة الكامنة من خلال سلاح النفط للولايات المتحدة الاميريكة على وجه الخصوص , وتحوله إلى عقبة حقيقية في طريق الهيمنة والتوسع , وارتداده كحربة إلى نحرها , هو ارتفاع الاستهلاك المتزايد له في ظل تراجع المخزون الاميريكي الذي وصل سعر البرميل فيه إلى أكثر من 70 دولار للبرميل خلال شهر يوليو من هذا العام , حسب ما أشار إليه معهد البترول الاميريكي في نشرة له بتاريخ 15 / 8 / 2007 م , مما يزيد من أعباء الولايات المتحدة الاميريكة المستقبلية , وتبعيتها للآخرين , فطبيعة الحياة الاقتصادية في الولايات المتحدة الاميريكة تختلف اختلافا كليا عن مثيلاتها في الدول الصناعية الكبرى , من حيث الاستهلاك المحلي من الطاقة ومستلزمات الحياة اليومية , لهذا فهي لا تستطيع أن تعتمد على نشاطاتها الاقتصادية فقط , بل هي في حاجة ماسة إلى المساعدات الخارجية من اجل الحفاظ على مستوى استهلاكها كما أسلف وذكرنا 0
ومن هذا المنطلق يتضح لنا أن الولايات المتحدة الاميريكة تعاني كثيرا هذه السنوات من انخفاض في ميزانها التجاري بسبب عوامل اقتصادية وسياسية وطبيعية كان أهمها على الإطلاق تراجع قيمة الصادر أمام الاستهلاك المحلي الكبير في السنوات الأخيرة , والعجز المتواصل والسنوي عن تغطية ذلك الــخلل الاقتصادي , مما يسبب للعديد من المخططين الاقتصاديين وأصحاب القرار في البيت الأبيض والشركات الكبرى قلقا مخيفا لابد من أيجاد حل منطقي وسريع لإيقافه قبل ان يتفاقم , في ظل زيادة استهلاكها المحلي من النفط ومشتقاته على وجه الخصوص , والذي يعتبر أهم عنصر من عناصر تحريك عجلة الاقتصاد والتنمية وخصوصا إذا ما علمنا بأن الولايات المتحدة الاميريكة تعتمد لسد ذلك العجز على دول أخرى في حاجتها إلى النفط الخام , والذي تعتمد عليه بشكل رئيسي في مجال صناعاتها الكبرى , مما سيتسبب في تراجع قوة الولايات المتحدة الاميريكة الاقتصادية والتجارية وبالتالي تراجعا في قوتها الصلبة وسيادتها العالمية 0
وقد بلغت الواردات النفطية الصافية ( الواردات من النفط مخصوما منها الصادرات من منتجاته ) للولايات المتحدة نحو 10.8 ملايين برميل يوميا في المتوسط في عام 2001، في حين يدور حجم الإنتاج الأمريكي من النفط حول مستوى 6 ملايين برميل يوميا. وحتى في ظل هذا المستوى من الإنتاج ، فإن الاحتياطيات الأمريكية سوف تنتهي بعد ما يقل عن عشرة أعوام، لتصبح الولايات المتحدة معتمدة على استيراد النفط بشكل كامل. وفي الوقت الراهن فإن زيادة سعر برميل النفط بدولار واحد يعني زيادة المدفوعات الأمريكية عن الواردات النفطية الصافية بمقدار 4 مليارات دولار سنويا. أما عندما ينفد الاحتياطي الأمريكي - وبفرض ثبات حجم الاستهلاك الأمريكي من النفط - فإن ارتفاع سعر برميل النفط بمقدار دولار واحد سيعني زيادة المدفوعات الأمريكية عن الواردات النفطية بأكثر من 6 مليارات دولار في العام .)
وبذلك تتضح لنا الأسباب والمبررات التي تدفع الولايات المتحدة الاميريكة لخوض الكثير من الحروب في مختلف أرجاء الأرض , وذلك كإستراتيجية استثنائية لمعالجة الوضع المتفاقم والمتدهور لاقتصادها , - أي - إستراتيجية البحث عن مصادر النفط الخام ومنابعه في شتى أنحاء العالم لسد احتياجاتها المتزايدة من تلك الثروة الطبيعية , ولتغطية العجز في ميزانها التجاري , ولإنهاء عقود من التبعية للآخرين في شتى مجالات الصناعة والاقتصاد , فكل تلك الأرقام والإحصائيات تدق ناقوس الخطر لنهاية الإمبراطورية الاميريكية , وبالتالي فلابد من التوصل إلى حل جذري لإنهاء هذه الأزمة الخانقة قبل أن تسفر عن دق مسمار النهاية في نعش هذه الدولة التي تربعت على عرش السيادة العالمية لمدة قرنين من الزمن , ولن تقبل أن تتنازل عن تلك السيادة ببساطة وسهولة وهكذا يتضح لنا بان واحد من مصادر القوة الاميريكة في العالم – أي - النفط قد أصبح واحد من مشاكلها المتفاقمة , والتي بات من الضرورة الإسراع لإيجاد الحلول البديلة لها , وإلا فان لعنة النفط وإدمانه , في ظل تناقصه وتراجع كمياته العالمية ستحل بالولايات المتحدة الاميريكة في القريب العاجل 0

كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال