الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختلاف والخلافات ... من اين تبدأ الحلول؟

اميرة بيت شموئيل

2003 / 10 / 10
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

مما لاشك فيه ان وجود الاختلاف دليل على وجود شخصيات مستقلة عن بعضها فكريا ومختلفة في وجهة نظرها الى الاشياء والى هنا يعتبر الامر طبيعيا، فكل انسان قد خلق بذات وطبيعة تختلف عن الاخرين، والعلم هنا يؤكد انه حتى التوأم المتشابهان في شكلهما، لا يتشابهان في طبيعتهما. فاذا كان هذا حال التؤأم، فكيف بنا نحن، وقد خلقنا وحدانا ومن ارحام مختلفة. من الطبيعي جدا ان نختلف بوجهات نظرنا لدرجة الخلاف. والمشكلة لا تكمن باختلافات وجهات النظر او الخلاف من جراءها. المشكلة تكمن في ما بعد الخلاف، اي في اسلوب وضع الحلول.

في عالم الدكتاتورية والقرارات الاحادية، نجد ان اسلوب الحلول يأتي لالغاء الانسان وحق الخلاف عن طريق القمع والارهاب واراقة الدماء لتصفية المخالفين وتخويف الاخرين. اما الديمقراطية، فان اسلوبها لا يلغي اي من الطرفين او حقهما في الخلاف، ولكنها تضع الحلول المناسبة والعادلة لانهاء الخلاف سلميا، ليشعر الجميع بالرضى، حتى وان لم تسير برياحها بما تشتهي جميع السفن ( كما الحال عند التصويت).

الديمقراطية ليست وليدة العصر الحديث، ولكنها وليدة تجارب الانسان وقديمة قدم شعوره بذاته وتقديره للاخرين. فالتاريخ القديم يشهد احتكام الملوك الى الديمقراطية والسلم في حل الخلافات العالقة فيما بينهم بدل النزاعات العسكرية واراقة الدماء، فنظرة سريعة الى اسطورة اخيقار الحكيم، نجد ان الملك الاشوري سنحاريب اختار الحكيم اخيقار لحل خلاف الجزية، بين مصر واثور سلميا، بعد ان رفض فرعون مصر دفعها، مالم تنفذ شروطه، وبالرغم من انها كانت شروطا تعجيزية، الا ان الملك سنحاريب قرر حل الخلاف سلميا وديمقراطيا، بالاعتماد على حكمة اخيقار الحكيم، بدل الحرب واراقة الدماء او حتى اللجوء الى قطع العلاقات الثنائية المصرية/ الاشورية. اواليس هذا احد اساليب الديمقراطية والذكية في حل الخلاف؟ اذا ليس صحيحا ان نعتبر تجربة الديمقراطية جديدة على عالمنا، ولكن شعبنا كشرق اوسطي اصبح لا يدرك حدودها، من حيث اننا تعودنا على اساليب الدكتاتورية داخليا وخارجيا، التي نفذت بحقنا منذ سقوط امبراطورياتنا ولسنين خلت.

الانسان، لايتخلى عن كفاحه وتضحيته من اجل الحرية والحياة الكريمة، مهما كبر حجم الدكتاتورية، طالما شعر باهمية وخصوصية ذاته وذوات الاخرين، وطالما لم توجد هنالك فجوة تفصل بينه وبين ذاته. اما اذا وجدت، فسرعان ما تقوم القوى الفاشية والدكتاتورية، باستغلال هذه الفجوة ليتحول الانسان الى ذليل لها. هذه الفجوة، لم تخلقها الدكتاتورية الخارجية، بل ان الاخطاء في التربية الاجتماعية والدينية والسياسية خلقتها وساعدت الدكتاتورية على اذلال الانسان، ولينظر كل منا في ماضيه ويرى كم من مسؤول دعاه الى اذلال ذاته، بدءا بأوامر نفذ ثم ناقش ومرورا باعتبار اوامر الحاكم اوامر الله وختاما بمطالبتة بنكران الذات امام مسؤوليه، حتى اصبح الكثير لا يدركوا خواص ذاتهم واهميتها في تسيير حياتهم، وبدأوا يعيشوا الاحباط وفقدان الثقة، واضحى افضل ما يفعلوه، ابداء الولاء للاخرين على امل انتظار الفرج على ايديهم. وبهذا نجدهم متنقلين من ولاء الى اخر، الى ان وجدوا انفسهم محاصرين بقيود الولاءات التي لا نهاية لها، فقدوا معها الثقة بنفسهم والاخرين. اوا ليس هذا احد اكبر الاسباب لتشرذمنا الديني والسياسي وتفككنا الاجتماعي الحالي؟ 

المطلوب هنا اعادة النظر في عملية تأهيل القاعدة في امتنا، ببناء الانسان ولفت انتباهه الى القوة والقدرة الذاتية الكامنة فيه واعادة الثقة بينهما، ليعتمد عليها في تعامله الداخلي والخارجي والتي ستساعده في دحر العدوان من حوله، وهذا يأتي بالتثقيف وبث الوعي، ولنبدأ اليوم بالتركيز على سن وتنفيذ قوانين حماية حقوق الانسان العراقي، والتركيز على اعادة بناء الصرح التعليمي، ليأتي في خدمة الانسان العراقي اولا.

لو نظرنا الى اسلوب التدريس والتثقيف الانساني في هذه البلدان (الغربية) لوجدنا ان اول شيئ يجري تعليمه للاطفال هو بث شعور الاعتزاز بذاتهم ( انا كائن خاص ) (  I am special )، ثم تأتي معرفته واعتزازه  بالابوين والاخوة والاخرين. هذه التربية قد يعتبرها الكثيرين منا انانية، ولكنها ليست كذلك، فالحقيقة ان الانسان اذا لم يكن يحب ذاته ويعتز بها، لن يتمكن من ان يحب احدا في حياته. علينا ان ندرك جميعا بان الخالق قد وهب لكل منا ذات خاصة، يجب ان نحترمها ونبقيها حرة عزيزة لايطالها استبداد ولا نرضى باذلالها لاي كائن كان او اي سبب كان، ثم ان علينا ان ندرك بأننا لا نملك حق استغلال واستعباد ذوات الاخرين مهما اوتينا من قوة، كما لايملك الاخرين حق استغلال ذاتنا مهما اوتوا من قوة.

على المسؤولين ان يعوا خاصية واهمية كل فرد في القاعدة كأنسان مستقل بذاته وليس تابع لهم، ومن هنا يبدؤا بالتعامل مع ابناء شعبهم. فلو اردنا البدء في وضع الحلول الجذرية للخلافات في شعبنا او لخلافاتنا مع البقية، يجب ان نبدأ بالانسان اولا، يجب ان نكف عن التلاعب بمصيره، وحق اختياره. يجب ان نكف عن سحق هوية هذا الانسان بعجلات التطرف العنصري الديني والحزبي والسبطي الداخلي ونمنع ان تفرض عليه قيود العبودية ليكون عبدا وتابعا لهذا وذاك، لان هذه القيود تجعل الانسان ضعيفا امام العدو الخارجي، وتسهل استغلاله والايقاع به، كما استغلتها الانظمة المتعاقبة في العراق ومن ضمنها حزب البعث الصدامي في يغداد والقيادات العراقية الاخرى في الشمال والجنوب.

لا شائبة ان يبدأ المسؤولين بخاصية الانا (حب الذات)، اذا ما فهموا ان للاخرين ايضا خاصية الانا الخاصة بهم، فاذا ارادوا ان يقدر الاخرين مجهودهم، يجب ان يقدروا مجهود الاخرين ايضا. اي ان العلاقات بين المسؤولين يجب ان تكون اكثر الانسانية بحيث ان لاتحكمها قوانين الغادر والمغدور، بل المصلحة العامة والاحترام المتبادلين. في اللقاءات والاجتماعات، عليهم ان يلجؤا الى الحوار الصريح والواضح، وليس التلاعب بالجمل والعبارات والمواقف. يجب ان يحتكموا الى الحوار المثقف واحترام وجهة نظر الاخر، اما في حالة الخلافات القصوى، فيمكن ان يحتكم الجميع الى التصويت لانهاءها. 

باعتقادنا ان التركيز على ايجاد شخصيات ( دينية او سياسية او غيرها ) تشارك في الحكم، ليس كافيا لدرء خطر سياسات التصفية بحق شعبنا العراقي وفي ارضنا العراق، وتجربة حزب البعث خير دليل على ذلك، فوجود عرب واكراد وتركمان ( شيعة وسنة) واشوريين ومسيحيين في القيادة البعثية وتبوء بعضهم لاعلى مناصب الحكم، كطارق عزيز ( نائب رئيس ورئيس الوزراء ) وطه ياسين رمضان وغيرهم، مع انخراط عدد كبير من ابناءنا في الحزب، لم يمنع سياسات التصفية العنصرية التي مارسها حزب البعث بحق شعبنا ودفعه الى التشرد. فالمطلوب هنا اعادة بناء ثقة الانسان بذاته ليعتز بها ويتصدى لسياسات التصفية بحقها ويتفهم لاهميتها في صنع القرارات والبناء.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ