الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر اليمني علي المقري: حركة النقد العربية متخلّفة ومناهج التعليم قتلت الشعر

علي المقري

2007 / 8 / 22
الادب والفن


حاوره: ابراهيم الحكيم
علي المقري.. شاعر وباحث يمني أسهم مع أبناء جيله (الثمانيني) في إثراء تجربة القصيدة الجديدة في اليمن، عبر ثلاثة دواوين حتى الآن، وحفلت تجربته الشعرية مثلما حفلت تجربته البحثية بإثارة الجدل، فهو يؤمن أن “حرية الإبداع مطلقة” ويرفض تقنينها أو تصنيفها إلى حرية بناءة وأخرى هدامة، ويقول بانتهاء الدور القيادي للشعر والرسالة العامة للشاعر، ويصر على مواقفه وآرائه التي يعدها منتقدوه “متطرفة” بينما يصفها “مختلفة”، مُعتبراً أن الاختلاف ظاهرة صحية. يقر الشاعر المقري (40 عاماً) بأن “حال الشعر العربي لا تسر”، ويعارض العناية بالشعر العامي على حساب الفصيح، معتبراً هذا “مؤشر تراجع وبقدر ما يبدي اطمئناناً على مستقبل الشعر، فإنه قريباً ينتقل لعالم بوح أرحب، بإصدار روايته الأولى “المفاجأة للقارئ والناقد معاً” حسبما كشف -للمرة الأولى- بين جملة ما باح به ل “الخليج” في هذا الحوار:


ما حال الشعر اليوم في اليمن والمنطقة العربية بوجه عام؟
- حال الشعر لا يسر للذي يعاينه للوهلة الأولى، فالواقع الشعري في الوطن العربي يكاد يتشابه مع بداية حركة الشعر الحديث في الخمسينات من القرن الماضي، أي مازالت الأشكال الشعرية الحديثة تبحث عن مشروعيتها، ولأن الواقع العربي ما زال متخلفاً فسنجد بين وقت وآخر سجالات وهمية بين الحديث والقديم، وهكذا، في ما العالم قد تجاوز هذه الإشكالية منذ زمن.
ما تقديرك لتأثير فضاءات النشر الجديدة (الصحف والدوريات الإلكترونية) على الشعر؟
هناك ثورة هائلة على مستوى النشر، خاصة الإلكتروني، وهي مرحلة انتقالية يبدو أنها ستساهم أخيراً، في حركة الشعر وتطوره، فأهم ما عمله الانترنت هو الإتاحة للجميع أن يتنفس بغض النظر عن نوع ومستوى المنتوج، وهذه خطوة أولى مهمة، وسيبقى العمل الأدبي المتميز يجد نفسه وسط كل هذا الضجيج والزحام.
كيف تفسر الاهتمام اللافت بالشعر العامي وتجاوزه المطبوعات المتخصصة إلى قنوات التلفزة العربية؟
أعتقد أن الشعر العامي ما زال يحتل مكانة بارزة خلال العقود الماضية، ويبدو لي أنه يعكس تراجع العرب عن الثقافة النهضوية الحديثة بلغتها العربية والتحول إلى ثقافة استخدام اللهجات وأدوات الخطاب عامة.
أما زال الشعر بنوعيه (الفصيح والعامي) مركزياً في الثقافة العربية ورئيسياً في بناء الوعي الجمالي والاجتماعي؟
نعم، لكننا نجد عبثاً محاولة إنتاج هذه الثقافة الغابرة، لا يمكن للشعر أن يواصل دوره القديم أو يعيد إنتاج جماليات وجدت في عصور غابرة، وللأسف إن الشعر العربي في كثير من جوانبه ليس له قدرة على الانفتاح مع آفاق جديدة. هناك تحولات مهمة، صحيح، لكنها تظل تمثل تجارب فردية ومحدودة، فالثقافة المكرسة في التلفزيون وفي مجمل وسائل الاستهلاك الإعلامي هي المتداولة والمتبعة والتي تمثل الأنموذج.
ولماذا يغيب الأدب الملتزم أو دور الأدب في التغيير الاجتماعي للأفضل؟
الأدب الملتزم والأديب موقف، مفاهيم ومصطلحات سقطت وانتهت بسقوط وانتهاء ظروف سياسية معينة أوجدتها، كان الأديب فيها هو لسان حال الأمة.
الآن لم يعد الأديب كذلك وصارت الصحافة أو التلفزيون هي لسان الأمة، ربما، كما أن هذه المقولات مؤسسة منذ قرون مضت حين كان الشاعر هو لسان حال القبيلة وصوتها.
ربما يكون الشعر حالياً هو التعبير الأمثل والأبهى على مكابدة الذات في زحمة المجتمع أو ضجيجه، فالشعر الحديث الذي يكتب الآن في معظمه، ربما، لم يعد كتابه يعتبرون أنفسهم بناة أو أنهم حاملو رسالة أو هدف. أصبح الشاعر يكتب قصيدته وهو خارج هذه المفاهيم كلها.
ما الجدوى أو الغاية من الشعر إذاً؟
الشاعر قد يكون في كتابته، وربما في نشره، بعض شفاء له من أوجاعه الخاصة في إطاره هو أو في علائقيته بمن حوله، وهو إذ ينشر شعره ربما تتوافق هواجسه وعذاباته مع عذابات القارئ في أي مستوى من مستويات القراءة، ولكن ليس بالضرورة أن يتوافقا فقد تكون لكل واحد منهما ثقافته المؤثرة في مستوى القراءة والكتابة.
ويمكن القول إن هناك جماليات حديثة لا يمكن بأي حال أن تكون قديمة، وبالتالي لا يمكن أن تقوم بالأدوار العتيقة نفسها.
على هذا الأساس، الشعر برأيك مجرد انعكاس لذات الشاعر؟
نعم إن انعكاس الشعر لذات الشاعر هو أجمل وأبهى تجلياته، في الثقافة العربية مرت مراحل كثيرة همشت فيها ذوات وأنات الإنسان العربي، ولهذا وجدنا أن أكثر ما كان ينتج لم يكن مشبعاً بالحرية ولا يظهر في ملمحه الابتكار أو الإبداع.
كان نتاجا قطيعياً غير معبر عن حرية أبهى، غاية الشعر يمكن أن تكون الكتابة، الكتابة لذاتها، ربما تكون في هذا المستوى بعض شفاء للذات مادامت لا تستطيع أن تشفي مجتمعاً أو شعباً، إذا جاز القول.
ألا يفسر هذا تراجع مكانة الشعر أو مدى تذوق الشعر بين أوساط الجمهور العربي العام؟
يمكن القول عن تراجع وظيفة الشعر لا في نشره ومكانته؛ حيث مازال يجد، في أشكاله الحديثة قراء ومتابعين، طبعاً، أقول قراء وليس جمهوراً هتّافاً أو مصفقاً، لقد مال الشعر إلى التعبير عن مكنونات الذات الهادئة بعيداً عن صخب العالم وضجيجه، وهو بهذا سيظل يجد من يهتم به ويرعاه.
ما هي برأيك عوامل نمو أو تراجع مكانة الشعر وتذوقه لدى الجمهور العام؟
يبدو لي أننا نعيش نظاماً تعليمياً كارثياً، كل ما فيه يعادي الشعر، أليس هذا هو العامل الأسوأ؟، انظر إلى أي منهج تعليمي أساسي في أية دولة عربية ستجده خالياً من الشعر، فما ينشر في الكتب المدرسية من نظم ليس شعراً، إن هذا النظم دليل لمعاداة أجهزة التعليم العربية لكل ما هو شعر.
أعتقد أن الشعر المهم والجميل هو رديف للحرية، ولهذا لا نجده في مناهج التعليم العربية.
لكن ألا ترى أن موجة تحرر الشعر العربي قد جاوزت قواعده الفنية؟
هذا بلا شك، كما يقال!، فللشعر الحديث أيضاً وجهته الحديثة التي، ربما، أحياناً تكون بلا قيم، أي بلا معايير أخلاقية وفكرية مسبقة، هذا يعود للشاعر نفسه، لنظرته إلى العالم حوله، كيف يفسر هذا العالم أو يراه.
بهذا المفهوم، ألا تبدو حرية عبثية أقرب إلى حرية الهدم منها إلى الحرية الهادفة البناءة؟
لا توجد حريتان، هناك حرية واحدة، الذين يحددون الحرية أو يضعون لها حدودا هم في الأخير ضد الحرية بمعناها الأجمل غير المحدود.
لكن الثابت أن الحرية المطلقة بلا حد من قيم أو ضوابط، تناهض غاية انتظام الحياة وتعمير الأرض؟
هذا غير صحيح، لم يكن هناك في أي يوم من الأيام حرية مطلقة، ليدعوا لنا هذه الحرية، نجربها ثم، لينظروا ماذا سنعمل بها.
وبماذا تفسر الفوضى الحاصلة الآن، واختلاط الحابل بالنابل والغث الشعري بالسمين؟
أنا مع الناس أن يكتبوا ما يريدون، ليكتبوا شعرا تافها وآخر يكتب ما يريد، في الأخير الناس أحرار وحقهم في التعبير لا بد أن يتحقق في الكتابة وبالشكل الذي يريدونه.. بعد ذلك من حق أي أحد أن يقول رأيه في هذا المنجز الشعري الجيد أو التافه.. القول أو الحكم عن هذا الشعر هو جزء من حرية التعبير..

تخلف النقد

ما تفسيرك لمفارقة زخم الحراك والنتاج الأدبي عربياً، وفقر سماء الإبداع من نجوم أدبية “عربية”؟
في الحقيقة هذا سؤال كبير يحتاج إلى منظرين كبار، لقد انتهى عصر الشاعر النجم أو الأديب النجم، هناك بقايا نجوم سينتهون قريبا، ما سيكون هو الشاعر الشاعر وليس الشاعر النجم أو الروائي (الفلتة) التاريخية.
ألاَّ تؤمن بفرضية الزعامات الأدبية والريادة، أو أبوية الإبداع؟
يبدو لي أن فكرة الأديب النجم، أو الأديب المغير أو الأديب المحرض، أو الأديب الذي يخلق شيئاً، أو الأديب الزعيم أيضاً لم يعد له وجود في زماننا، أو لم يعد له مجال هنا. صحيح أن هناك بعض المثقفين الذين لهم آراء سياسية، يمكن أن يُوجِّدوا حراكاً سياسياً في المجتمع، ويرتادوه، أو يكونوا رواداً فيه. لكن بالنسبة للفنانين ميزتهم أو قيمتهم أو إنجازهم الفني أن يبرزوا أعمالهم الفنية بإتقان.
وهل يمكن أن تتحول التجارب الشخصية إلى مدارس أدبية معيارية للإبداع؟
يمكن ذلك، لكن لا يعني أن الأديب أو الفنان يبدأ بقصد التأسيس لاتجاه أو مدرسة، يمكن في فترة من الفترات يتحول إنجازه كمعبر عن مرحلة محددة أو عن اتجاه فكري ما، أن يرتاده هذا الفنان أو الأديب، ويقترن به.
مَنْ يملك القول إن هذا الشاعر شاعر “جهبذ”، وهذه الروائية “ساردة فلتة”؟
من حق أي إنسان أن يقول رأيه عن إنجاز أي أديب..طبعاً سيختلف الرأي من شخص إلى آخر، قد يكون للناقد المتخصص رأيه المختلف، وقد يكون القارئ العادي أكثر تقدما في الرأي من الناقد المتخصص.
كيف يمكن للعادي أن يتفوق على المتخصص؟
يمكن ذلك بالقول بتخلف حركة النقد عن مواكبة غزارة وحداثة نتاج الأدب العربي، ويمكن القول إن القارئ العادي، وكل ناقد قارئ، قد يكون له من الخبرة القرائية أكثر من المتخصص، خاصة في مجتمعاتنا العربية.
كأنك تنفي غاية الرواج من التركيز على طرح موضوعات طليعية في الشعر والأدب عموماً؟
لا أعتقد أن هناك من يسعى للرواج من خلال تناول هذه المواضيع، خاصة وأن الثقافة السائدة والمجتمعية قد تؤدي بشخص مثل هذا إلى مشنقة الإعدام أو إلى طعنة مميتة عابرة، ما الذي حصل لنجيب محفوظ مِنْ طعن؟ ما الذي حصل لفرج فوده وحسين مروة وأدباء الجزائر، والبعض نفي والبعض قتل.
حدثنا عن الجوائز ومحطات التقدير في تجربتك؟
بالنسبة لي، حينما مُنحت أول جائزة عن قصيدتي الشعرية وكانت هي الأولى في اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين في تعز، وكنت مازلت صغيراً كانت تمثل لي شيئاً مهماً كثيراً، واعتززت بها وكنت سعيداً بما لا يقاس حينما رأيت اسمي مطبوعاً في الصحيفة وقرأت قصيدتي أمام شعراء يوصفون أنهم كبار. وطبعاً في مراحل لاحقة، حزت جوائز كثيرة من مؤسسات وأندية ثقافة وأدبية، أهلية، لكن لا أعتقد أنها مهمة، أو يبدو لي أن الجوائز مع الزمن لم تظل بهذا المعنى، أو لم تعد لها قيمة، الفرح البدائي الأول.

الأدب والفاقة

مع هذا، هل يستطيع الأديب الاعتماد على نفسه في الإبداع، بمعنى هل يكفيه إنتاجه متطلبات العيش؟
في كل العالم، نعم الأديب يستطيع العيش من كتبه، من إنتاجه، أما في الوطن العربي بوجه عام، فالأدب لا يؤكل عيشاً للأسف، فالمثقف الأديب أو الفنان في وطننا العربي ما يزال مرادفاً “للشحات”. وللأسف أن المؤسسات التي ينشئها المبدعون أنفسهم كاتحادات الأدباء أو النوادي أو الجماعات الأدبية، ينظرون إلى الأديب على أنه “متسول”، أو مرادف له. ولا تقاس هذه المشكلة أو تتعلق ببعض الأدباء فقط، إنما حتى أكبر الأدباء العرب أيضاً، والأمثلة كثيرة، نجيب محفوظ مثلاً إلى أن فاز بجائزة نوبل، كان يعيش ظروفاً مادية غير مريحة، وهو الأديب المشهور، والذي توزع كتبه على نطاق واسع. فما بالك بالأدباء الآخرين.
ما الذي تشتغل عليه حالياً.. هل ثمة مشروع كتاب جديد؟
هناك كثير من الكتب التي أتمنى أن أنجزها على مستوى المرحلة القادمة، لكنني لا أستطيع التحدث عنها الآن. ما يمكنني أن أقوله، ان هناك رواية أرسلتها أخيراً إلى إحدى دور النشر العربية المهمة، فوافقت عليها، وأبلغتني أنها سوف تصدرها في العام القادم.
ما اسمها وعما تتحدث؟
اسمها “رائحة سوداء.. طعم أسود”، وقد كتبتها في حوالي 120 صفحة فقط، ولا أدري كيف ستخرج وفي كم من الصفحات ستصدر، أما موضوعها، فأتمنى إرجاء هذا حتى تصدر، لأنها ستكون مفاجأة، أو هكذا أعتقد أنها ستكون مفاجأة للقارئ والناقد، وأظن أنها هي أهم ما كتبته حتى الآن.


تعددية
في الوطن العربي، الشعراء والأدباء بشكل عام، دائماً يجربون كل الوسائل، لم يستقروا على وجهة أدبية محددة، إلا من بدأ في اتجاه معين ومضى في تكوينه الأدبي، كروائي أو كشاعر.
بالنسبة لي أميل لكتابة الرواية كعمل اجتماعي، أجد في الرواية مناخاً أو هامشاً أكبر للتعبير عن التعددية، عن تعدد الأصوات، الأمر الذي أجده في القصيدة التي أحياناً، تكاد تكون ذات صوت واحد، وإذا ما عبرت عن هذا الصوت ببعد واحد، ستجد هناك ما يقف ضدك، ويلغيك، في الرواية تستvطيع أن تقول أشياء كثيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجنازات في بيرو كأنها عرس... رقص وموسيقى وأجواء مليئة بالفر


.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا




.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا


.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو




.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا