الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى شيوعيي ديالى الأعزاء .. لا تخسروا ابراهيم البهرزي كما خسرنا خليل المعاضيدي

منير العبيدي

2007 / 8 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أول أمس كان بيني و بين الرفيق العزيز ( كريم الدهلكي ) حوار عبر الماسنجر عما نشره الشاعر و البارز ابراهيم البهرزي من كتابات نقدية عن بعض قيادات في الحزب الشيوعي من الذين كتبوا مذكراتهم و قد نشر الموضوع على صفحات الحوار المتمدن في حلقتين . و قد لاحظت أن الرفيق ( كريم الدهلكي ) لم يكن يشعر بالارتياح لقيام الشاعر البهرزي بنشر مثل هذه المقالات في الظرف الراهن منطلقا من أن الظرف لا يساعد على مثل هكذا نقد ، كما ساق طروحات أخرى عما سيقوله الناس عن الحزب بهذا الخصوص .
اختلفنا معه او اتفقنا فإن ابراهيم البهرزي ، كما هو أي مواطن ، يمتلك الحق في أن يطرح رأيه في مثل هذه الامور و غيرها وفي أي وقت يشاء ، و أن من الخطأ ترديد ما يقوله البعض بأن الوقت الآن ليس وقت نقد من الذين يزعمون أن الحزب و الوطن يتعرض لهجمة من مختلف الاتجاهات و المصادر .. نحن نسمع هذه الحجة منذ عشرات السنين كلما تجرأ صديق أو رفيق على النقد ، فالحزب و الوطن كانا دائما في ظرف حرج و معرضين للهجوم فهل يعني هذا ان علينا أن نؤجل النقد في الظروف الحرجة لمدة تطول عن عشرات السنين ؟
إن الذين يرفضون النقد بحجة عدم ملائمة الظرف سوف يبقون على هذه الحجة و سوف يحاربون النقد تحت واجهات شتى لأنهم جبلوا على الخوف من النقد .
و أود بهذه المناسبة أن ابين وجهة نظري في أن النقد يجب أن يكون مفتوحا بشكل مطلق و في كل زمان طالما لم يتجاوز الناقد حدود الأدب و اللياقة في الأمور الشخصية ( و هذه مسألة اخرى منفصلة ) . بل انا أرى العكس إن الظروف الصعبة تتطلب النقد اكثر من الظروف العادية ، لأن النقد هو قانون تطور الاشياء و الافكار و إن التوقف عن النقد هو توقف للحياة نفسها و إن النقد و التقييم هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة .
أيها الاصدقاء و الرفاق
إن ما كتبه ابراهيم البهرزي كان حادا ولكنه يعكس مرارات حقيقية لما جرى لنا و خصوصا في سنوات 1978 و ما بعدها خصوصا و أن العديد من القيادات قد تركت منظماتها دون اشعار بالخطر أو إن أكثرية الرفاق لم يتم تحذيرهم لكي يتدبروا أمرهم و يجدوا طرقا للمغادرة أو الاختفاء متجنبين المصير الذي واجهه العشرات و المئات من الرفاق و الاصدقاء و خصوصا التصفية و الاعدام على أيد جلادي السلطة كما حدث لشاعرنا ، شاعر القداح و البرتقال و الحب خليل المعاضيدي و عشرات و مئات من الذين دفعوا حياتهم ثمنا بعد أن تثقفوا لعشرات السنين بالحفاظ على تقاليد العمل في الداخل .
هذه المرارة التي عبر عنها ابراهيم البهرزي لا تعني انه قد نسي أو تنكر لشهدائنا بل على العكس أنه يحترمهم و يجلهم ، و لكنه يرى انهم قد تركوا وحدهم فريسة الديكتاتورية . أليس هو الشاعر الذي قال في رثاء شهيدتنا العزيزة كوثر ، هذه الزهرة الربيعية التي سحقتها أقدام الطغاة :

أرى من مسافة عشرين عاما
صدى ضحكة في البساتين
أسمع (كوثر) بين الصبايا، طفولة ريف ذكيّ
توسّلت صورتها الآن:
(في البال أغنية
يا أخت عن وطني
فما غير ضحكتها تتقدم حزني
مؤبدة في الحضور كماء الطفولة
يرتدّ فينا وجيزاً، غداة نموت
توسّلت صورتها في الرثاء الشيوعي
كنا الطفولة صرفا
فشخنا
وظلت على حالها
ضحكةً في جدارية
تتلملم من نهدات البيوتْ

لو أن ابراهيم كتب القصيدة هذه وحدها لشفعت له ان يقول ما يشاء و متى يشاء ، ناهيك عن انه لم يقل كفرا و لا حراما ، كل ما فعله إنه طالب بالمكاشفة والحقيقة ! و طالب بالإجابة عن السؤال التالي : من المسؤول ؟ هل هذا كثير عليه و هو الذي لم يغادر العراق أبدا ؟ أليس من حقه و حق الآخرين أن يسألوا :
لماذا تركتمونا وحيدين دون تحذير
حتى المسيح خاطب الله قائلا له : يا رب لم تركتني وحيدا ؟
الله بعظمته لم ينزعج من عتاب السيد المسيح ، الا أن بعض رفاق الطريق للأسف اكثر قسوة وقدرة من الله على تكفيرنا .
يا أصدقاءنا و رفاقنا الأعزاء
لا تكرروا مأساة خليل المعاضيدي الشاعر الكبير الذي حين كان حيا بيننا أمعنا فيه تصغيرا حتى استشهاده لكي نجير هذه الأستشهاد لصالحنا دعاية و تحريضا . كان المعاضيدي هذا الشاعر الكبير و الرقيق كنسمة موضع هجوم المنظمين البيروقراطيين من الذين لا ينظرون نظرة ارتياح للمبدعين بل و يغارون منهم و لا يزالون . لقد حسبوا عليه انفاسه : اليوم سهر حتى الصباح ، شرب كثيرا حتى السكر ، جالس هذا او ذاك من الشباب ، تأخر عن موعد الاجتماع ، انتقد هذا او ذاك من الرموز المقدسة ، سخر من هذه النص القدسي أو ذاك ..ألخ .
كان المعاضيدي يتوسلهم : احبكم .. انتم الحزب الأقرب الى نفسي لا استطيع ان اعيش خارج الحزب ، و لكن اتركوا لي حياتي أنا هكذا لا أتغير أقبلوني كما أنا .
لقد رفضوا هذه الصفقة بفوقية و ازدراء و جهل ! فطولب المعاضيدي بكل متطلبات البيروقراطية الحزبية من اجتماعات و مالية و كسب اصدقاء و حضور اجتماعات متتالية بدقة و بانضباط عال و اطاعة الأوامر و التخلي عن النقد و التخلي عن حياته العبثية و لم نسمح لأنفسنا بأن يكون هناك استثناء واحد يخرج عن ايقاع ماكنتنا الشمولية . لقد طالبناه أن يكون صامولة في ماكنة الحزب ، و هذا ما لم يستطع ان يقوم به حتى استشهاده. عندها فقط تعرفنا على بطولاته و مجدناه ، كانت بطولته هي بطولة الابتسامة ازاء الزئير الفارغ ( أتذكرون كيف أن ابتسامته كانت تفتر عن سن مكسور ) .
لم نعلمه شيئا ! لقد علمنا هو باستشهاده الهاديء و المتواضع و ربما المروع و المرعوب ازاء الموت ان البطولة ليست عضلات مفتولة و استئساد على الطريقة البدوية .
هل كتب علينا دائما أن نستصغر و نحارب مبدعينا الى أن يموتوا لكي نمجدهم و ندعي عائديتهم لنا و نقيم لهم العزاءات ؟
هل كتب علينا أن لا نحيد عما حذرنا منه الجواهري الكبير حين رثى عبد الجبار عبد الله قائلا :
أهز بك الجيل الذي لا تهزه
نوابغه حتى تزور المــقابرا
معكم وبينكم ابراهيم فلا تخسروه ، لا تنتظروا موته لكي يصبح عزيزا عليكم ، اجعلوه عزيزا في حياته ! قد تتفقون او تختلفون معه فيما كتب ، فلستم ملزمين بذلك ، اختلفوا معه اذا شئتم و لكن احتضنوه . و اذا ما اراد احد منكم أن يعبر عن اختلافه معه فليس سوى أن يحتضنه و يبستم له و يقول له : ابراهيم يا عزيزي أنا احبك و احترمك و لكني اختلف معك ، فابراهيم و كل المبدعين هم مفخرتنا و علينا ان نحترم ابداعهم و ان نحترم معاناتهم ، أن نفعل ذلك و هم بيننا و هم أحياء لا ان ننتظر موتهم فندرك كم كانوا اعزاء علينا . و كلكم يعرف ابراهيم الذي عاش بشرف طيلة هذه السنوات مذ كان في الحزب و مذ كتب أولى قصائده في طريق الشعب و مذ خاطب الطاغية بعبارة : يا ثقفي المزاج ! هذه الصياغة التي راقت حينها لشاعرنا الكبير سعدي يوسف . ورغم أنه شاعر سبعيني و نشر في طريق الشعب بشكل مبكر لا زال ابراهيم يعيش عزلة الضمير النقي فيما تسلق المنتفعون ممن لا يجارون جزءا بسيطا من اخلاصه و موهبته
ايها الرفاق و الاصدقاء
لقد قدر لعدد كبير من الرفاق أن يجد طريقه الى الخارج فيما بقي القسم الاعظم في الداخل ، لسنا الآن ازاء انكار حق المغادرين في التخلص من براثن الدكتاتورية و النفاذ بجلدهم من الموت ، و لكن المؤسي و المؤلم أن الرفاق الذين غادرونا و تركونا تحت رحمة الدكتاتورية بكل بشاعتها قد اعطوا لنفسهم الحق في تقييم من بقي في الداخل ، لقد جلسوا في أماكنهم الآمنة و وضعوا في جيوبهم جنسية دولة تحميهم ثم أشاروا باسترخاء الى هذا و ذاك مخونين و مقيمين : "هذا كان عميلا للدكتاتور و ذاك كان مهادنا ..الى آخر القائمة المشينة من التهم .. لقد تركونا في القفص كما تترك جرذان المختبرات ازاء وحش كاسر و تفرجوا علينا من خارجه ، من منا افترسه الوحش لكي يكون بطلا يكرس موته لماكنة الدعاية التي تخدمهم و من منا توسل بكل الوسائل لكي يبقى على قيد الحياة كحق مشروع لكي يقوموا بتخوينه لانه مازال حيا . لقد خونوا هذا وذاك من الرفاق و الاصدقاء في الوقت الذي كان مجرد أن تبقى في الداخل و حيا في درجة حرارة خمسين مع انقطاع الماء و الكهرباء ضربا من البطولة ، و لكننا لم نتدبر أن نبقى احياء فقط ، بل تدبرنا أن نبقى احياء و شرفاء بل و مبدعين رغم كل شيء و واحد من هؤلاء هو ابراهيم نفسه ، و هذا ما أغاض البعض . لقد حوربنا من بعض رفاق الأمس هنا في العواصم الأوربية بعد أن غادرنا متأخرين كما فعلت انا في اواخر عام 2000 اكثر مما حوربنا من قبل النظام السابق ، نحن رفاق الامس لسبب بسيط إن نقاءنا كان يكشف معدنهم . أقول " بعض " لأن العديد من الناس الشرفاء لازالوا هناك حريصين على القيم كحدقات العيون لحسن الحظ و لكنهم صامتون .
هل تعلمون أن موضوعا عن ابراهيم البهرزي بمناسبة صدور مجموعته الشعرية " صفير الجوال آخر الليل " قد ارسل من قبلي قبل حوالي 3 سنوات الى الثقافة الجديدة عن طريق أحد ممثليها في أوربا لم يتم ايصاله الى المجلة و باعتراف رئيس التحرير السيد رئيس تحرير المجلة نفسها ؟ بالرغم من ان البهرزي و انا معروفان لديكم و سجلنا معروف ، و ان البهرزي لم يكن حتى ذلك الحين من " المشاكسين " .
و فيه كتبت بعد ان نشرت الموضوع على صفحات مواقع الانترنت : " لقد تنكر لإبراهيم أولئك الذين من اجلهم تنكرت له سلطة غاشمة طيلة ثلاثين عاما "
هذا هو مطبخ الديمقراطية الذين يدعونا اليه بعض رفاق الامس الذين لم يكتفوا بتركنا فريسة سهلة امام وحش خرافي بل نصبوا انفسهم قضاة علينا و لاحقونا في كل ما نقول و نكتب . فلماذا يستكثر البعض على ابراهيم ان يقول رأيه بعض أن صمت ثلاثين عاما ؟
ان بعضهم يدوس عليك و يستكثر عليك أن تقول آه !
الوقت غير مناسب للنقد بعد مضي ثلاثين عاما ؟
متى اذن ؟ كم سنة ضوئية سنحتاج ؟
و تقبلوا حبي و احترامي
منير العبيدي
19 ـ 8 ـ 2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح