الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَن يتحمل مسؤولية -ظلمة- غزة؟!!!

علي جرادات

2007 / 8 / 23
القضية الفلسطينية


ما أن هممت بالكتابة حول قَطْعِ التيار الكهربائي عن غزة، حتى قفزت إلى ذهني، حقيقة أن هناك مجموعة مِن الزملاء، كُتَّاب الرأي الغَزيِّين، المواظبون على الكتابة في هذه الصحيفة، أو في غيرها مِن مِن الصحف المحلية والعربية. فوجدت ذهني يتداعى، بصورة تلقائية، مع ما يواجهه هؤلاء الزملاء مِن مصاعب، لكتابة مقالاتهم أو إرسالها، هذا، إن هم استطاعوا القيام بذلك أصلاً؛ علماً أن معاناة الزملاء الكُتَّاب، هي، على ثقلها، تكاد لا تذكر، قياساً بمعاناة مرضى المستشفيات مثلاً، فيما أشكال المعاناة أكثر مِن أن تحصى.
سيأتيك مِن المسؤولين الفلسطينيين مَن يقول: تلك جريمة إسرائيلية، وكأنه بذلك اكتشف البارود، أو كأنه تفاجأ بالقسوة الإسرائيلية، التي لا مفاجأة فيها، سوى لاؤلئك الذين ظنوا أن القيادة الإسرائيلية، ومِن خلفها الإدارة الأمريكية، وبالتالي عدة جهات دولية واقليمية، بينها الإتحاد الأوروبي، يمكن أن تتصرف كصليبٍ أحمر، مع نتائج الحسم العسكري في غزة.
كلا، القيادة الإسرائيلية ليست هيئة في الصليب الأحمر، وليست لجنة مِن لجان هيئة الأمم المتحدة، وهي، كقوة احتلال، المسؤول الأول والأخير، عما يعانيه الفلسطينيون مِن الألف إلى الياء، وهذا أمر لا نقاش حوله، ولا يجب أن يكون، لدى كل مَن خاض الصراع مع الاحتلال، وخَبِره مِن موقع الانخراط اليومي فيه لعقود. وللتذكير بمدى قسوة الأذرع الأمنية الإسرائيلية، تجدر الإشارة إلى أن ضباط أمن إدارات السجون الإسرائيلية، قاموا مثنى وثلاث ورباع......بقطع التيار الكهربائي عن غرف وخِيَمِ الأسرى لساعات طويلة، ولأيامٍ أحياناً، عندما كانت تشتد المواجهة مع الأسرى. وأكثر مِن ذلك، فإنهم لم يتورعوا عن إغلاق صنابير "ما جعل الله منه كل شيء حياً"، الماء، وذلك في إطار ممارسة سياسة الضغط على الأسرى، لثنيهم عن مواصلة اضرابٍ مفتوح عن الطعام مثلاً.
إذاً لا مفاجأة في قيام المسؤولين الإسرائيليين، عبر تأثيرهم على حلقات دولية، بدعم أمريكي، بممارسة لعبة قَطْعِ التيار الكهربائي عن غزة، إذ كيف يكون ذلك مفاجئاً؟!!! فهل هي المرة الأولى التي يقوم فيها الإسرائيليون بقطع التيار الكهربائي عن غزة؟!!! ألمْ يغرقوا أجزاءً واسعة مِنها في ظلام دامس، يوم قامت طائراتهم بتدمير مولدات الكهرباء، في حزيران مِن العام الماضي؟!!! ألم يقوموا بذلك في لبنان، في اجتياح عام 1982، وحملة "عناقيد الغضب" عام 1993؟!!! ألم يكونوا قاب قوسين أو أدنى مِن القيام بذلك أثناء عدوانهم على لبنان في تموز العام الماضي، فيما كانت الحسابات السياسية المحضة هي العائق؟!!!
وبالتالي، دعونا مِن الهروب إلى الأمام في معالجة تهديد قَطْعِ التيار الكهربائي عن غزة، عبر النواح، وتبيان اندراجه في سياسة العقاب الجماعي، التي أصبحت بمثابة سياسة ثابتة، ومقنونة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ نشأته، وحتى يوم الناس هذا؛ أقول دعونا مِن هذا الهروب، ليس مِن باب الدعوة لعدم القيام بحملة تفضح هذه السياسة العنصرية، بل لقناعتي، أن ذلك على أهميته، لن يردع الإسرائيليين، ولا يلغي أن تهديد قطع التيار الكهربائي عن غزة، يبقى تهديداً قابلا للتكرار، حتى لو جرى تجاوز أزمته الراهنة، ولأنه على علاقة بما فعله الفلسطينيون بأنفسهم في غزة؛ نعم قطع التيار الكهربائي عن غزة، هو شكلٌ مِن اشكال ممارسة الضغط على "حماس"، وهو ليس أكثر مِن يسير، ما كان على قيادتها توقع حدوثه، واعداد النفس لمواجهته، يوم أقدمت على خطوة الحسم العسكري لإزدواجية السلطة في غزة، وهذا، وإن كان يدعو لوضع "حماس" أمام مسؤولياتها، ويشير، برأيي على الأقل، إلى ما لم تتوقعه قيادة "حماس" مِن تداعيات لخطوتها، فإنه يجب أن لا يكون بحالٍ مِن الأحوال، تبريراً لأيِّ تقصير قد تبديه حكومة تسيير الأعمال في رام الله، عن معالجة هذه الأزمة، والعمل مع كلِّ الأطراف، وبكل السبل لتجاوزها، وبأسرع ما يمكن، فقَطْعُ التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة مِن القطاع، ينطوي على مأساة، ومعاناة انسانية، يصعب حصر أشكالها، تهدد بمجموعها، بوقوع كارثة بيئية وصحية، تلوح في أفق غزة، على كلِّ ذي ضمير حي أن لا يمر عليها مَرَّ الكرام، فما أدراك كيف يجب أن يتصرف إزاءها، كلِّ مسؤول فلسطيني، أخذ على عاتقه لعب دور القيادة في واقع شعب يعيش تحت الاحتلال، يتدخل في كل نأمة مِن شؤون حياته؟!!!
هنا حري التذكير، أن قيادة شعب هذا واقعه، لا يمكن أن تقوى عليها، عقلية "شعبوية"، لا تعي أن السياسة، والقيادة بالتالي، هي ممارسة مجتمعية، تعني فيما تعني رعاية شؤون الناس، أي انجازاً لحقوقهم، وحماية لسيادتهم وأمنهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي لا تقتصر فقط على حثهم وتحريضهم وتعبئتهم وتنظيمهم لخوض المواجهة والنضال ضد المحتلين.
والحال؛ فإن مِن المعيب، وقلة المسؤولية، أن يكون قَطْعُ التيار الكهربائي عن غزة، بكلِّ ما ينطوي عليه مِن معاناة انسانية، مجالاً آخر، للتوظيف السياسي، على الرغم مما فيه مِن الإشارات الرمزية لعاقبة، بل قُلْ كوارث جنون صراع الأخوة الأعداء، "فتح" و"حماس"، وذروته، حسم إزدواجية السلطة في غزة بالقوة العسكرية، لست أدري هل أصدِّق ذاك الذي قال: إن النتيجة العامة لهذا الحسم هي لصالح "الغالب"، تنظيم "حماس"؟!!! أم أصدِّق ذاك الذي قال: بل هي لصالح "المغلوب" تنظيم "فتح"؟!!! لكن يقيني، هو أن تلك النتيجة، وما ترتب عليها مِن تداعيات، لم تكن في صالح أيِّ مِن الطرفين، بل ضد كلٍ منهما، وهي بالتأكيد والقطع والجزم، ودون أدنى شك، ليست في صالح الفلسطينيين عموماً، وذات نتائج مأساوية على فلسطينيي غزة تحديداً، وبالتالي، فإن لا مبالغة في القول: إنها بالنتيجة العملية، بصرف النظر عن النوايا، ربح إسرائيلي صافٍ، لا أكثر ولا أقل، وأظن، وليس كل الظن إثماً، أن هذا هو تقييم الكتلة الشعبية الواسعة، هنا في الضفة، فما بالك هناك في غزة؟!!!
كانت قضية إغلاق معبر رفح، ومأساة ستة آلاف مواطن، ذاقوا الأمرين لأسابيع، قبل دخولهم عبر معبر العوجا، فضلاً عن قضايا طلبة التوجيهي والحجاج وترخيص المركبات وتصدير المنتوجات واستيراد المواد الخام......، قد سبقت قضية قَطْع التيار الكهربائي، في التأشير على الإنعكاسات السلبية، بل الوخيمة بالمعنى الإنساني، للحسم العسكري، على الفلسطينيين عموما، وعلى سكان غزة خصوصاً، ناهيك عن تأثيراتها السياسية الكارثية، بالمعنيين القصير والبعيد، على القضية الوطنية الفلسطينية، والمشروع الوطني في العودة والحرية والاستقلال.
لكن، وعلى الرغم مِن جلاء ما تقدم ووضوحه، تماماً كوضوح عين الشمس، فإن ما جرى، وما زال يجري، لم يزحزح أصحاب الخطاب "الشعبوي" قيد أنملة، هبوا، على إثر كارثة قَطعِ التيار الكهربائي، إلى مواصلة اطلاق تصريحات الردح، وكيلِ التهم، وكأنهم أبرياء، وغير مسؤولين عما يجري، ولو في حدِّ معين على الأقل، ما يشير إلى قلة المسؤولية، حتى لا أقول انعدامها، ناهيك عما يعكسه ذلك مِن عقلية فئوية استخدامية، تستعمل هموم الناس أكثر مِن تحسسها والمساهمة في معالجتها، ومع هذا تصر على مواصلة الصراخ والقول: إنها قيادات لا يشق لها غبار، وجديرة بتحمل المسؤولية.
يقول وليم كوانت في كتاب له: "تكشف الأزمات بطبيعتها عن الافتراضات السائدة عن الواقع بصورة حادة، ذلك أن صانعي القرار حين يُجابهون بالمباغتة والخطر وعدم اليقين، يتصرفون انطلاقاً مِن مفاهيم مسبقة عن الواقع. وعندما لا يتطابق الواقع مع تلك التصورات، ويتعرض صانعوا القرار إلى ضغط شديد مِن حيث الوقت والأحداث، فإنهم غالباً ما يعمدون إلى إعادة بناء تصوراتهم بسرعة استثنائية".
فهل سيكون هذا هو سلوك العديد مِن القيادات "الشعبوية" الفلسطينية؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ