الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءات الايديولوجية ام تحريف الايديولوجية

ثائر سالم

2007 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


الافكار وكأي ظاهرة اخرى ،لايمكنها الانطلاق من الفراغ، او البقاء كتجريد، لا زمن ولا ارض، ولا شكل له في الواقع...بل لابد للافكار من تاريخ، من زمن يستدعي اسئلتها، ومكان تتجلى فيه اجوبتها ، لابد لها من شكل وجود واقعي، يجسد علاقة الحدث الزمن والمكان. حتى بعض قراءات الايديولوجية الدينية، التي ترى ذاتها وكأنها رؤية فوق التاريخ، احكامها ذات طابع اطلاقي عام ، صالحة لكل المجتمعات والازمان...انما تؤكد، في نشوئها ، زمنا ومكانا، وفي تطور احكامها، تاريخيتها.
تتحدد قيمة أي ابداع فكري(انتاجا، اعادة انتاج او تأويلا) بمستوى موضوعيته، بدقة التقاطه، اسئلة زمنه ومشكلات مكانه،....اي بمدى صلته باشكالات واقعه. وفرادة الموهبة، وسعة معرفتها، والمامها بتيارات الفكر الاخرى، على اهميتها الحاسمة, كذات مبدعة، لا تستطيع التعويض عن الدور الاساسي لظروف المجتمع التاريخية، الاقتصادية والسياسية.

وكون هذا الابداع ، مرآة ذلك الوقع، الى حد بعيد، الا ان ذلك لايعني باي معنى من المعاني ، ان يتجلى حاملا او عاكسا سلبيا. بل على العكس، في اغلب الاحيان، يبدو وكانه سباحة ضد التيار، وغوص في اعماق الواقع والفكر، وابحار في امواج بحر عاتية، عنيد وشجاع.

والصمود في هذا الابحار، ضد الاخر، المنافس، المعارض او المعيق ، وبلوغ شاطيء الامان ، بالبقاء قوة فاعلة او مطلوبة، في الفكر والحياة ، سيكون بالتاكيد دليل نجاحها، وتمكنها ، وكفاءة عدتها، في هذا الابحار.

وكون العام تجريد (مفهومي)، يقصد منه ابراز الخصائص الجوهرية الاكئر اشتراكا في الاشياء والظواهر. الا انه لا وجود له في الواقع خارج شكل محدد، وماهية واقعية الواقع...اي انه لن يكتسب وجودا، واقعيا، الا في تاريخ وشروط ما ، زمنا ومكانا.
ولهذا فتجاهل الخاص في العقيدة، او استصغار شأنه ، والتقصير في التعرف على ممكناته ، او تقييده ضمن تأويل فات اوانه، انما هو امر يعكس فهم غير حقيقي للفكرة ذاتها ، مشوها، يناقض طبيعة وحقيقة وجود، الاشياء، الظواهر والفكر ويغدو على الاغلب، مناقضا للفكرة ذاتها.

وامر كهذا شهدته كل العصور والثقافات والمجتمعات والايديولوجيات، ولازال يتجسد تعددا، في كل الوان الفكر والثقافة والاديان والايديولوجيات والمذاهب، واتساعا في تنوع الاجتهادات في اطار الدين او الايديولوجية الواحدة وحتى في اطار المذهب الواحد. لا يجب ان تتناسى قيمة الجانب الذاتي كسعي لملامسة قضايا الواقع ، والمشاركة في صياغة اسئلته واجوبته.

اختلاف مصالح ومواقع الناس الاجتماعية ، غالبا ما كانت وراء تنوع رؤاهم واختلاف قراءاتهم لأي مشروع فكري او ايديولوجي. الامر الذي سيزداد اتساعا وتنوعا ليدخل ميادين جديدة تطرحها عملية التطور المتسارعة بما تثيرها من اسئلة واشكا ليات ومستجدات. الامر الذي يجعل من تعدد القراءات عملا مستحبا ايضا تقتضيه عملية التطور ذاتها .

التأويل هوالاخر ابداع ذات، مشروط بظروفه. وتباين قراءات او تاويلات حتى الايديولوجية الدينية وتعددها انما يؤكد بوضوح تأريخية كل منها. ان هذا التباين والتعدد الذي يتجلى مذاهبا اوفرقا متباينة او اجتهادا يصل حد التكفير والاقتتال للاخر ضمن الايديولوجية الواحدة قبل ان يكون مع الايديولوجية الاخرى سواء كانت دينية ( مسيحية , يهودية, اسلامية..الح)، قومية، اشتراكية ام ليبرالية. لها قراءاتها التي يمكن ان تتباين فيه فكرا او وممارسة .

قد يبلغ اختلاف الرؤى ، التأويلات، حدا تبدو فيه تلك التمايزات، وكانها اختلافات بين ايديولوجيات وعقائد، متباينة بالكامل، لاقراءات تاريخية، مشروطة زمنا ومكانا. اختلاف منهج القراءة او التاويل، ليس فعلا ارادويا او موقفا انتقائيا، انما هي احكام المنهج التي تفرض نفسها على العمل. وكل القراءات المتعددة التي تعرضت لها مختلف مدارس الفكر ، رغم دور الذات(الموهبة) الحاسم، الا ان تاريخ القراءة (زمنا ، بيئة، حدثا، اوعلاقات)، يبقى الاطار الذي يحكم هذه الرؤية ـ القراءة.
فرؤية ماركس، واضافات لينين وتعديلاته ، واجتهادات بليخانوف ، وقراءة تروتسكي للثورة ، وتطبيقات ستالين او نموذج ماوسيتونغ ، ونظام تيتو. ولاحقا قراءة الشيوعيون الايطاليون والاسبان (الشيوعية الاوربية والشيوعي المؤمن)او حتى قراءة دوبتشيك في جيكوسلوفكيا(اشتراكية بوجه انساني) عينة برهان لهذه الحقيقة، التي فشلت كل محاولات خنقها او التحايل عليها او تلؤينها، بنزعة ارادوية قائمة على تجاهل او جهل معرفي ، تاريخي.

ورغم ان الاشتراكية كنظام اجتماعي، امكن اختباره تاريخيا(اقحاما وتعسفا ام اضاعة فرصة كان بالامكان نجاحها)، ولازالت الاسباب التي تستدعيه آنية ، تتعاظم الحاجة لها في ظروف توحش راس المال العالمي ، والى ضرورة المزيد من الانفتاح على ، قراءات واشكال اصدق وادق تعبيرا، عن جوهرها الانساني ـ الاجتماعي العام، وعن خصوصيات تطوره المختلفة ،اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا، ثقافيا.

والهروب الى التعميم لن يخفي نقص المعرفة الملموسة بالواقع، ولن ينقذ الفكرة من اشكالية جدلية، تتجسد في التناقض بين شرطية وجودها ، عبر شكل تاريخي محدد الملامح ، وبين جدليتها الخارجية، النازعة للاطلاق ، المتجلية في التعبيرعن ماهو عام في المشترك من الخصائص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس