الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرارالغاء عقوبة الاعدام وسؤال المشروعية والجدوى

خالد صبيح

2003 / 10 / 11
الغاء عقوبة الاعدام



حين اتخذ الحاكم الامريكي المدني للعراق  بول بريمر قراره بالغاء عقوبة الاعدام  اثار ردود فعل متنوعة من قبل المعنيين في الشان العراقي مما حدى بمجموعة من المثقفين والاكاديميين العراقيين ان يصدروا بيانا جماعيا يطالبون فيه باعادة النظر في هذا القرار والتراجع عنه. وبصدور قرار الالغاء وبيان الرفض دخلت المسالة في دائرة النقاش الوطني كما هي العادة في الحالات التي تمس القضايا العراقية العامة. ويستمد هذا النقاش ضرورته من حيوية الموضوع واهميته ولحجم ردة الفعل عليه. لكن مايلفت الانتباه حقا ان غالبية النقاشات لم تلتفت الى نقطة مهمة في الموضوع المثار والمتعلقة بفقدان هذا القرار لاي مسوغ شرعي لعدم صدوره من قبل هيئة عراقية اولا وتمتلك الشرعية الدستورية ومخولة من قبل الشعب عبر الانتخاب ثانيا. ويفتقد القرار كذلك لاي مبرر واقعي لانه جاء استجابة انية لحسابات امريكية خاصة. وهذان العاملان يشكلان، برايي، معيارا جوهريا للنظر في الموضوع .
يشترط الطابع المؤقت والانتقالي لدوائر الحكم العراقية منها والامريكية محدودية في اتخاذ القرارات لاسيما منها ذات المساس بالمسائل الجوهرية كالتي تمس مفاصل الاقتصاد الوطني وثروات البلاد مثلما هو الامر في القرارات الاقتصادية الاخيرة في فتح ميدان الاستثمار للشركات الاجنبية بدون ضوابط محددة، حيث سيكون من خلالها الاقتصاد العراقي وبالتالي السيادة الوطنية واستقلالية القرار مرتهنا بيد المؤسسات والشركات الاجنبية المستفيدة من تلك القرارات. ومنها ايضا مايمس جوهر السياسة العامة للعراق وطبيعة الدولة وماسيتضمنه الدستور بغير الرجوع الى مرجعية وطنية واسعة ونقاش وطني عميق لتحديد المرتكزات الجوهرية للدستور القادم الذي سيرسم ملامح النظام السياسي الديمقراطي والتعددي كما هو مزمع في مجمل الطروحات الوطنية، ومنها ايضا قرار الغاء عقوبة الاعدام لتاثيره المباشر على امن المواطن والمجتمع خصوصا في الظروف الحالية حيث ماتزال شراذم الكتلة الاساسية للنظام تحاول ان تعيد تاهيل نفسها وتكيف امكاناتها للعودة بطريقة من الطرق اما للتاثير في الحياة السياسية العامة واما لاتاحة الفرصة لمن فقد كل شيء بسقوط النظام لاستعادة مافقده.
ومن شان هذا القرار ان يتيح متنفس وفرصة جيدة لعناصر النظام البعثي الفاشي البائد لتنشيط قدراتهم وتوسيع دائرة نشاطهم لارباك الوضع ولخلط الاوراق لتتم التغطية على جرائمهم السياسية والجنائية( اقول الجنائية لانهم جميعا كانوا لصوص وقتلة).
ارتجالية القرار لن يبررها المعنى الانساني المتحضر الذي انطوى عليه فهو كان لتغطية حاجة امنية انية ولم يتكأ على ضرورات المجتمع العراقي ولاارتبط كاستجابة نوعية لنوع ومستوى التطور الاجتماعي فيه، لان مجتمع يلغي عقوبة الاعدام ينبغي ان يكون قادرا على ذلك، اي ان يكون قد نسف او اضعف القاعدة المادية الاقتصادية- الاجتماعية  للجريمة.  بمعنى انه يستطيع ان ينشئ او يعمق علاقات مدنية داخل المجتمع  يمنح للفرد فيه قيمته ومكانته كانسان حر ومستقل قادر على اتخاذ القرار والموقف بمعيار ذاتي فردي وليس لاضطرارت اعتبارية اخرى عشائرية عائلية طائفية او فئوية. الخ.. وليتيح له تاسيس رابطته بالمجتمع والدولة على اساس التعاقد الذي يتبادلان فيه الاعتراف ببعضهما البعض والاقرار بحقوقهما المتبادلة والمترتبة عليهما. اي مجتمع تكون فيه علاقة الفرد بمؤسسات الدولة والمجتمع قائمة على الاستقلالية والقبول وليس على مبدا القوة.
 واضعاف او تدمير بنية الجريمة  يكون بالغاء اساستها ومحركاتها في القاع الاجتماعي من خلال تطوير ونمو اقتصادي  وتحقيق منظومة ادارية اجتماعية وسياسية تحقق مستوى معقول من العدل وتكافؤ الفرص لتعزز من ثقة المواطن بنفسه وبمؤسسات دولته وبمجتمعه ومن ثم ستمنح هذه العوامل ثمارها للبنية العقلية والنفسية للفرد والمجتمع فتحول التزامه وثقته بالقانون وللوطن والمجتمع و ليس للروابط  الاهلية القديمة ذات الطابع المحافظ والمعرقلة لبناء هذا النمط المتقدم في العلاقات،  كالعلاقات العشائرية والعائلية والطائفية والفئوية وغيرها، التي يستبدل بها المواطن غالبا علاقاته السوية بمؤسسات الدولة او بالاصح يعوض غيابها. فعندما يحقق المواطن وجوده ويدرك ان كيانه هو كيان وطني جمعي ولايتجسد في اطارات ضيقة بديلة، عندها سيكون دوره يصب تلقائيا في اطار حماية المجتمع. وعند تحقيق هذه العوامل الحيوية او التقدم في حضورها في التشكيل المؤسساتي للمجتمع سيتم القضاء على العناصر المحركة الاساسية للجريمة بتجفيف بؤرها الاقتصادية والاجتماعية المترسبة في قاع المنظومة الاجتماعية. وعندها، بتصوري، يصبح المجتمع قادرا ومؤهلا لاتخاذ قرارا من نوع  الغاء عقوبة الاعدام ويكون حينها قرارا مجديا ونافعا في تقليص الجريمة والقضاء عليها.
في الحقيقة نحن ندرك ان الاجراءات القمعية لاتغير كثيرا من نوع وحجم الجريمة، فلتلك اساسها ومصدرها الذي نعرفه، وماتفعله تلك الاجراءات، مهما اشتدت قسوتها، لاسيما في البلدان ذات الطابع الشمولي او المركزية الشديدة،  ليس غير الطمر السطحي المؤقت  لها وتاجيلها. وما ان تنهار هذه البنية الشمولية، سواء بطريقة سلمية ولينة كما حدث في بلدان المعسكر الاشتراكي السابق اومن خلال العنف  وتدهور المؤسسات كما حدث في العراق، حتى يطفو على السطح وبقوة وشراسة محترفو الجريمة ليمارسوا نشاطهم بعد غياب الرقيب.
والجريمة تشيع الخوف وتقتات عليه.
  الكثير من الدلائل والمعطيات اشرت الى ان المجتمع العراقي قد تعرض للتشويه خلال حقبة الحكم البعثي الفاشي والازمة الاقتصادية التي نشات نتيجة لمغامراته والتي فاقمها الحصار* حيث تقلصت فرص العيش الطبيعية. هذا الواقع اوجد مناخا سلبيا فانهار بسببه او ضعف مفهوم التضامن الاجتماعي. و في ظل هكذا اجواء مشبعة بالشك والقلق والخوف وتفشي الانانية تنتعش الجريمة لاسيما حين ترفدها مفاهيم اجتماعية تقرنها بالرجولة والشطارة.
ولان الجريمة المنفلتة الان هي ليست من صنع خالص للنظام البعثي بحيث تنتهي حال التخلص من اثاره المباشرة وانما لانها متغلغلة في نسيج المجتمع وناتجة عنه بالقدر الذي هي موجهة ضده فالخشية هي في ان يتفاقم الوضع لما هو اكثر مما هو عليه الان ودخول الجريمة الى اطوار متقدمة تشكل حالة مستعصية على الحل بتحولها الى نمط للجريمة المنظمة بملامح مافيوية وهذا الاحتمال قابل للحياة بسبب من تهيء المجتمع ومنظومة القيم لديه لهذا النمط من انماط الجريمة لاسيما وان النظام الفاشي وبقاياه سيؤدي بهم وضعهم بعد زوال السلطة من ايديهم للتحول الى عالم الجريمة المنظمة كعالم بديل للسلطة ومكان اكثر ملائمة لجني المكاسب والتحكم ببعض مقدرات البلاد.
لهذا كله يبدو ان قرار الغاء عقوبة الاعدام هو نوع من الترف الشكلي واجراءا فوقيا سيحفز الجريمة بدلا من القضاء عليها.

هامش

* ترك الحصار اثارا مدمرة وملموسة على بنية المجتمع العراقي خلال فترته الطويلة، بالاضافة الى الاجراءات القمعية والتعسفية التي ادار بها النظام البعثي الفاشي البلاد. ولعل ملموسية هذه الحالة يمكن ادراكها من خلال المقارنة مع اوضاع شمال العراق( اقليم كردستان) حيث لم تعش هذه المنطقة مآسي الحصار وانفلتت مبكرا من هيمنة النظام الفاشي الامر الذي جعل الاعباء اقل في هذا الاقليم ونسبة التشوه التي تركها الحصار عليه اقل مما جعل المنطقة تتميز بالامن وسرعة التاهيل بالقياس الى مناطق العراق الاخرى.

السويد
9-10-2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و


.. طلاب جامعة السوربون بفرنسا يتظاهرون من أجل غزة ولبنان




.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن


.. نزوح من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان




.. خطاب أمام الأمم المتحدة وتصعيد للقصف على بيروت.. كيف يفسر سل