الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الماركسي بين مقولتي : الحداثة و العولمة

حزب العمل الوطني الديمقراطي

2007 / 8 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


"يصنع الرجال بأنفسهم تاريخهم ولكن في ظروف ليست من صنعهم هم" "ك. ماركس"

تقديم :

إن التطورات التي تحصل اليوم في العالم و بهذا النسق السريع تجعل من اللحظة الراهنة. لحظة خطيرة و مفصلية تطرح أكثر من سؤال صعب ليس من اليسر الإجابة عنه.

هذه المساهمة تتنزل في إطار الحوار الذي بدأ ملحا، ندرك أهميته جميعا... و هي مقاربة متواضعة، بل هي تداعيات لجملة من القراءات المتفرقة، أردت جمعها في إطار نسقي ما، دون صرامة منهجية غايتي إثارة بعض الجدل حول أسئلة لا تزال عالقة في ظل هذا الخواء الفكري الخطير الذي اكتسح الساحة رغم الحراك الظاهر، لكن بدأت نضالا ته سمتها التآكل و الإحباط، وقد تحاشيت بعض المفردات ذات الدلالة السياسية الخلافية عمدا، بغيتي أن تنخرط جميعا في مشروع فكري جاد في راهن سادت فيه قيم العولمة و سمة النمطية و الأحادية المتأمركة و بات فيها حاضرنا موجعا و أليما نظرا لحالة العجز الذي تعيشه النخبة وانعدام قدرتها على التجاوز.

1)العولمة تعميق للفعل الامبريالي

بعد قرن سادت فيه الأفكار الاشتراكية و الديمقراطية و جملة من مبادئ العدالة الاجتماعية، تحل الآن حركة مضادة لتقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة و الشرائح الوسطى بنضالاتها التاريخية من مكتسبات إذ يلوح المستقبل قاتما شبيها بصورة من الماضي المتوحش للرأسمالية و أوضاعها التي ميزت البدايات الأولى لنظامها إبان مرحلة الثورة الصناعية، و تثير الدراسات انه في القرن الحالي (21) سيكون هناك فقط 20% من السكان، الذي يمكنهم العمل و الحصول على الدخل و العيش في رضاه، إما النسبة الباقية 80% فتمثل السكان الفائضين عن الحاجة الذين لن يمكنهم العيش إلا من خلال الإحسان و التبرعات، أي بعبارة أخرى، ستتفاقم البطالة، وتنخفض الأجور وتتدهور مستويات المعيشة وتتقلص الخدمات الاجتماعية و إنفاق الحكومات و تتحول أدوارها التقليدية لتنحصر في دور وحيد وهو "حراسة النظام الجديد" وبالتالي فسيزداد التفاوت في توزيع الثروة بين الدول و بين الطبقات و بين الأفراد... هذه الملامح بدت ترتسم وتتكشف في غالبية الدول لا سيما الفقيرة و التي انخرطت انخراطا ذليلا في هذه السياسات اللبرالية و أسواقها المنفتحة. فتحولت في ظرف وجيز إلى دول بؤس وفاقة و إلى عواصم رمادية، قذرة و فقيرة تعج بجحافل من العاطلين و المهمشين و المنحرفين و تحت وطأة الضربات الكارثية للعولمة، دخلت هذه الدول "النامية" نهائيا النفق المسدود للمديونية الخارجية و للإجراءات الاقتصادية و التجارية فرضتها نخب سياسية و اقتصادية "عولمية عالمية" غير خاضعة للمحاسبة، فأحدثت تحولات خطيرة في التنظيم الاجتماعي و نقلة تاريخية في النمط الرأسمالي و تمركز التواجد لسلطة هائلة على صنع القرار في أيدي طبقة حاكمة عالميا هي عبارة عن نخبة من مديرين بيروقراطيين و سياسيين و مالكي شركات متعددة القوميات و بنوك دوليين تخضع الدول الفقيرة، المثقلة بالديون لبرنامج كاسح، بالاقتطاع من ميزانيتها المهيكلة على حساب إنفاقها الاجتماعي و الخدماتي (غذاء/ صحة/ سكن/ تعليم...) و بالخوصصة لشركاتها الوطنية، و إلغاء حواجزها الجمركية و غيرها من الاملاءات الصعبة باسم " التعديل الهيكلي" و "التأهيل الاقتصادي" و قد ساعدتها على تحقيق رؤيتها الاستعمارية الجديدة هذه، وسائط العصر التكنولوجية المتطورة، مما جعل إيقاعها سريعا جدا و مما يجعل لحاق الدول الفقيرة أمرا مستحيلا ليبقى السؤال : لماذا تظل هذه البلدان فقيرة على الرغم من استجابتها و انفتاحها و تبنيها لشتى الاملاءات ؟ و هل من سبيل لمثل هذه المجتمعات لنمو رأسمالها و خلق الثروة داخلها حتى يكون الصراع الطبقي نابعا من ميكانزماتها الداخلية يدفع بالتغير الاجتماعي إلى أقصاه بشكل ضروري و كاف و يخلق وعيا حداثيا يكون رافعة حقيقية لارتقاء حضاري منشود؟

لا شك أن الاستعمار بتدخله المباشر في مرحلة ما كان قد عطل مثل هذا النمو الطبيعي و ذاك الارتقاء الاجتماعي الممكن داخل هذه المجتمعات المستعمرة، و لا شك أيضا أن الولايات المتحدة ، التي لم تصب بنيتها التحتية زمن الصراع الامبريالي و ما عرفه من أزمات قبل الحرب العالمية الثانية و أثناءها و بعدها، وجدت نفسها الأقوى على الإطلاق، لما لها من احتكار مطلق للتنمية الحديثة، و لكن نمو اقتصادها كان سيظل محصورا في حدودها ما لم تبحث له عن أسواق، فكان لابد من تفعيل اقتصاديات "أوروبا" المنهكة من الحرب لاستعادة عافيتها فكانت خطة "مارشال" لمساعدة نظيراتها في إعادة البناء للتصدي للانتشار الشيوعي كأنموذج ناجح قد يستهوي كثيرا من الدول آنذاك...

أما الدول النامية فتترك لمجابهة مصيرها بل تنهب اعتمادا على ممثلين جدد و سماسرة محليين غير قادرين على تنمية رأس المال الوطني، في مجتمعات متخلفة ذات اقتصاديات هشة و تابعة، تتخبط في انهيارات خطيرة بين سياساتها، و هشاشة بناها التحتية و ضعف مشروعيتها و أدائها الفكري و الحضاري، مما يجعل لحاقها إمكانية مستحيلة، إذ يتميز حراكها السياسي بصراعات عرقية و دينية و اتنية و عنف غوغائي، نادرا ما كان يحركه صراع طبقي واضح و مؤطرا، إما في البلدان ذات النقاوة العرقية، فالحراك في اغلبه لنخب فكرية و جماعات مدنية تؤججه في الغالب نقمة عفوية عامة لهيمنة الحكم الفردي لأشخاص اتبعوا سياسات اقتصادية واجتماعية أليمة سمتها الفساد و الولاء المفضوح والنهب للمال العام و التردي في مستوى الكفاءة و الأداء المكتبي مع انتهاك جائر لحقوق المواطنة، و العزل المقصود للنخب المفكرة و المكونات المدنية للمجتمع و احتواء النقابات و الالتفاف على كل مؤسسات الدولة بنا في ذلك "القضاء" و التضييق على الأحزاب السياسية و تهميش دورها و عزلها عن القاعدة الواسعة لعموم الشعب...

و بالإضافة إلى كل هذه الأسباب السياسية، ثمة أسباب اقتصادية و حضارية تمثل هي الأخرى عوائق حقيقية للنمو يمكن اختزالها في ثلاث نقاط رئيسية : و هي أولا عدم توفر هذه البلدان على شركات تكفي لمصانع حديثة قادرة على التنافس مع الشركات الكبرى و ثانيا عدم قدرة هذه الشركات الوطنية –إن وجدت- على تحصيل مقادير كبيرة من رأس المال للتطوير و تبني تقنيات ضخمة جديدة ووسائط تكنولوجية باستمرار و ثالثا و لعله الأمر الأجدر بالأهمية و هو عائق الملامح الثقافية كعائق إضافي في طريق الارتقاء المؤسساتي و النمو الاقتصادي والتحول الديمقراطي فهي إذن بلدان تفتقر إلى رأس مال ضخم و تكنولوجيا متطورة وتنظيم اجتماعي و قيم مرجعية حداثية معقلنة.

2)الواقع العربي أنموذجا :

بدأت النهضة الأوربية نهضة فكرية، ناقدة للطبيعة و للمجتمع، ارتبطت منذ بداياتها بعقلانية واعية بذاتها كشرط ضروري و كاف للقدرة على التحليل الاقتصادي و الفكري و الثقافي و التجاوز الجريء للإرث الفلسفي القروسطي – الكنسي وعودة أصيلة إلى الفكر اليوناني "المعجزة"...

إما الفكر العربي و منذ الصدمة النابولية إلى اليوم و رغم المراكمة الهامة ظل محاولات لا عقلانية في مجمله لمجتمعات بدائية، متخلفة، زراعية و رعوية و إن اقتبست بعض المظاهر الحداثية –تظل هذه المظاهر مشوهة و مركبة و مربكة- مرتبطة بشروط اجتماعية شكلية و خاصة ... ذلك أن التركة الفكرية و الروحية و المادية كانت واحدة من أهم عوائق النهضة المنشودة.

و ظل السؤال : صراع طبقي أم تخلف ؟

سؤال استقى مضامينه –على مر عقود- من خطاب سلفي في جوهره، ظل يراوح المكان و يحتمي بالماضي و يتمسك بالهوية الدينية كواحدة من ميكانيزمات الدفاع عن الذات التي حركت اليقظة الحديثة ضد التهديد الخارجي (الآخر) الذي تمثله تحديات الغرب.

و هكذا لم تكن النهضة عندنا "حالة عادية" ضمن إطار نقدي من اجل التجاوز بل كانت مجرد ردة فعل حضاري لعدو محتمل و ظل فكرها ينتج ذاته و يراوح النفق المسدود طوال قرنين من الزمن و إلى اليوم فعجز عن التجاوز تجاوز "الأب-التراث" و إذا ما كان الإرث الحضاري في الغرب هو عنوان اختفاء الأب و حلول الابن محله، أصبح بالنسبة للوعي العربي الجماعي عنوانا على حضور الأب في الابن، حضور السلف في الخلف، حضور الماضي في الحاضر، حاضر الردة و السقوط و التأرجح بين غياب الرؤية واختيار المنهج و عبر مخيال سلفي مأزوم يستحضر خطاب "الزمن الذهبي" لاغتصابه فلا يعيد سوى إنتاج الرداءة و النكوص و الرجعية بصورة بطيئة و مشوهة و بتعبيرة ظلامية مسقطة و مختزلة لعقل كسول، مسترخي و مطمئن لكل تأويل غيبي جاهز فبات فكرا غير معاصر لنفسه و لأهله و ذلك لبعده التاريخي و الموضوعي عن اللحظة الكونية المعاصرة و رهاناتها، بعيدة عن ريح النضالات الطبقية التي أدركتها الحركة الشيوعية و التقدمية في الوطن العربي منذ بدايات القرن الماضي و التي حاولت في ردهات كثيرة نزع الوشاح الماضوي عبر طريق طويل و معقد شهدت فيه نزولا و صعودا مراوحة بين مد و جزر داخل بيئة عربية و مناخ خارجي حينا و سباقات قطرية و إقليمية أحيانا، في واقع متشابك و بأداء نضالي متفاوت و محكوم بظروف موضوعية و ذاتية صعبة و شديدة التعقيد...

2)الفكر الماركسي: قدرة أم عجز ؟

لقد قدمت المادية الجدلية و المادية التاريخية توصيفا دقيقا و متطورا للمجتمعات الإنسانية عبر تطورها التاريخي و لنظالاتها الطبقية بمضامين ثورية و برنامجا متقدما لرابطة اشتراكية جديدة تضمنته أعمال "ماركس" و شريكه "انقلز" كما حلل "لينين" التطور الراسمالي تحليلا عبقريا و ضافيا لكن هل كان قادرا على التنبؤ بكل التطورات اللاحقة ؟

لقد أثرت كثير من التغييرات الأخيرة المهمة و بعمق في طبيعة العلاقة بين الامبريالية و الدول الدائرة في فلكها و على تخومها، هذه التغييرات و إن لم تكن بعمق التحول نفسه الذي مكن "لينين" من تشخيص مرحلة متقدمة من الرأسمالية خلال فترة التوسع الامبريالي فإنها واضحة إلى حد كاف لتبرير التعديل و الإضافة، فالتوسع الرأسمالي الامبريالي العالمي المعاصر و السيطرة على اقتصاديات الشعوب المضطهدة يثبتان من دون شك إن هذا النمط الجديد من العلاقات الاقتصادية بين الدول يبقى امبرياليا، لكن هل هذا التوصيف مازال كافيا لتفسير الإشكال الحالية لتراكم رأس المال و التوسع الخارجي؟ إن الشركات العابرة للقارات التي تعمل اليوم كوحدات متكتلة في القرار و العمل و السيطرة المصرفية، و الحركة الافتراضية للتعامل الاقتصادي و المالي و سرعة تنقلها بفضل الوسائل التكنولوجية و الرقمية الحديثة في هذا الفضاء المعولم المتعدد الجنسيات، إنتاجا و تسويقا يضفي جدة ملحوظة على النمط الرأسمالي الحالي... و باعتبار إن الماركسية هي ثورة على المنهج المطبق و هي أساسا نزعة نقدية لكل الأنساق الفكرية السابقة و هي أصلا أداة للعمل، مرشدا له لذلك وجب على النخب الماركسية أن تعيد صياغات رؤاها و ذلك بالا ترى تغير الواقع فقط في أذهانها لينطبق مع جملة من القوالب التي تريدها له بل وجب التعامل مع الواقع كمعطيات موضوعية بأدوات ماركسية، إن ماركس نفسه لم يتردد في الحديث عن النمط الآسيوي للإنتاج عندما وجد أن النمط الأوروبي آنذاك ليس هو النمط العالمي الشامل، و كذلك "لينين" و "ماوتسي تونغ" و آخرون، فكانت التجارب مختلفة، متنوعة، ولها من المراكمة و الثراء ما يجعلها تراثا غنيا قابلا للتجدد و الاستجابة لجملة من الانتظارات الراهنة يرشح الماركسية أن تكون منهجا قابلا للتطبيق الممكن، لا منهجا جاهزا للتطبيق، قادرة على الدوام على بناء الذات الثورية المنشودة، و صياغة البديل النظري العلمي، العقلاني و برنامج العمل السياسي النضالي التقدمي...

في الختام :

إن التمسك بالقوالب الأولى و الجاهزة و اعتبارها منطلقات مقدسة يعد ضرب من ضروب النمطية و التحنيط ، و هي ذهنية وجب تعديلها لدى العديد من النخب اليسارية، الملتزمة حزبيا و سياسيا و إن أرهصتا هموم الممارسة و النضال اليومي فذلك لا يبرر تأجيل التكوين النظري اللازم و الذي هو شرط ضروري ليبقى الفكر الماركسي تعبيرة الحداثة الحقيقية للتصدي للإرهاب الامبريالي الجديد ...



إعداد : أبو الهام

حمام الأنف 28 فيفري 2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شرطة نيويورك تعتقل بالقوة متظاهرين متضامنين مع غزة في بروكلي


.. قراءة عسكرية.. ما الذي يحدث بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاح




.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة اليمين المتطرف برئاسة


.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في




.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال