الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل لا تزال إسرائيل ذخرًا استراتيجيا للامبريالية الامريكية؟

احمد سعد

2007 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


عندما اوقفت الحرب العدوانية الاسرائيلية على لبنان، في الرابع عشر من آب السنة الماضية، بفشل المعتدي الاسرائيلي في حسم المعركة مع المقاومة اللبنانية عسكريا وقهر الجيش الذي لا يقهر، وتمرغت العُنجهية العسكرية الاسرائيلية في التراب اللبناني، يومئذ وبعدئذ طرح السؤال، هل بعد هذه الهزيمة النكراء ستبقى اسرائيل المخفر الاستراتيجي الامامي للامبريالية الامريكية، في تنفيذ الخطة الاستراتيجية الامريكية للهيمنة في لبنان والشرق الاوسط؟ وقد طرح هذا السؤال على خلفية الحقيقة ان حرب لبنان الثانية التي شنتها اسرائيل، كانت لخدمة الاهداف الاستراتيجية الامبريالية الامريكية وبطلب من ادارة بوش. ولهذا ليس صدفة ان وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس عندما جاءت الى لبنان في "عز دين" الحرب نافشة نفسها مثل الطاووس، وعلى رنة قبلة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة على وجنتها، صرحت بعنجهية امبريالية "من هنا يبدأ بناء الشرق الاوسط الجديد"!! ولكن خادم سياستهم الاسرائيلي خذلهم هذه المرة، ولم تستطع احدث اسلحة التدمير والقتل الامريكية التي زودوها للمعتدين ان تكسر شوكة المقاومة اللبنانية. وغيّرت هذه الحرب ونتائجها العسكرية النظرة الاستراتيجية الى الحروب، فقد اثبتت خلال ثلاثة وثلاثين يوما من صمود المقاومة اللبنانية التي في مركزها حزب الله، ان بامكان مقاومة شعبية وطنية حقا ومؤمنة بعدالة قضيتها ومؤدلجة وطنيا، ان تصمد وحتى ان تهزم جيشا نظاميا من الغزاة الطغاة.
لم نغرق في بحر من السراب لنوهم انفسنا بان الذئب قد تخلّى عن انيابه المفترسة، وان حكام اسرائيل استخلصوا العبر والنتائج الصحيحة من حرب لبنان الثانية، او ان ادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكية تخلت عن برنامجها الاستراتيجي العدواني للهيمنة في الشرق الاوسط ونهب ثروات وخيرات بلدانه، او انها تخلت عن اسرائيل الرسمية ومكانتها كذخر استراتيجي في اطار الاستراتيجية الاقليمية والكونية للامبريالية الامريكية.
فالتحالف الاستراتيجي العدواني الامريكي – الاسرائيلي حاول التكيّف مع المعطيات الجديدة التي افرزتها الحرب اللبنانية الثانية دون التخلي عن برنامجهم الاستراتيجي للهيمنة في المنطقة. ففي اسرائيل تركزت الاستنتاجات التي توصلت اليها "لجنة فينوغراد" في تأكيد، ليس ادانة الحرب العدوانية الاسرائيلية التي لم يكن أي مبرر جدي لشنّها، بل التأكيد على فشل هذه الحرب في تحقيق اهدافها وتوجيه اصبع الاتهام الى عدم خبرة رئيس الحكومة اولمرت ووزير الامن بيرتس وقائد الاركان حالوتس، وانه لم يجر الاستعداد الكافي لهذه الحرب وعدم اشراك القوات البرية منذ البداية، وعدم تقدير قوة حزب الله والمقاومة اللبنانية بشكل صحيح. وكان من نتيجة ذلك العودة الى التلويح بأهمية "الجنراليزمو" في صياغة القرار السياسي، فتم تغيير وزير الامن المدني بيرتس بوزير حرب عسكري هو الجنرال ايهود براك صاحب التاريخ الاسود في العدوان وارتكاب المجازر الدموية ضد الشعب الفلسطيني وقادته، كما جرى تغيير العديد من قادة الجيش وازداد توجه الخارطة السياسية يمينا فارتفعت من جديد اسهم رئيس الحزب اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو "الليكود"، الذي عزز معسكر الفاشية العنصرية برئاسة فايغلين مكانته داخل هذا الحزب بحصوله على اكثر من ثلاثة وعشرين في المئة من الاصوات في الانتخابات الداخلية في الليكود. ونتنياهو ينافس على رئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة ولا نستبعد تحالفه مع براك العمل وحتى مع حزب كاديما والمفدال وباقي الاحزاب اليمينية.
الى جانب ذلك، فانه منذ انتهاء الحرب على لبنان بدأت اسرائيل "الجنراليزمو" تستعد للحرب المقبلة وتعمل على تهيئة الرأي العام الاسرائيلي لهذه الحرب، "حرب استباقية" او "حرب وقائية" تارة ضد سوريا وحزب الله وتارة ضد ايران وحزب الله، والتهويل لوتيرة التسلح في سوريا ولبرنامج ايران النووي، ولا يقتصر الامر عند التصريحات "الحربجية" للمسؤولين الاسرائيليين، بل يجري وبالتنسيق مع ادارة الامبريالية الامريكية برمجة استراتيجية عسكرية اسرائيلية للمدى البعيد وبشكل تستطيع معه اسرائيل الاحتفاظ بمكانتها كمخفر استراتيجي للامبريالية الامريكية. فحسَب ما ذكرته وسائل الاعلام يوم 21/8/2007 فان هيئة قيادة اركان الجيش الاسرائيلي قد اعدت برنامجا استراتيجيا عسكريا لعصرنة وتقوية الجيش الاسرائيلي، ولتمويل هذا البرنامج اعدت وزارة "الامن" ميزانية لعدة سنوات، وبحسب التوقعات ستخصص حوالي خمسين مليار شاقل لميزانية "الامن" في العام الفين وثمانية أي اكثر من ربع الميزانية العامة للنفقات العسكرية المباشرة، هذا بالاضافة الى "المساعدة العسكرية" الامريكية، الهائلة، كما سنرى لاحقا.
اما بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فان تمرمغ وجه العنجهية العسكرية الاسرائيلية في الوحل اللبناني على ايدي المقاومة اللبنانية، لم يؤد الى تخلي ادارة بوش عن دور حكومة اسرائيل كذخر اساسي ومركزي في خدمة الاستراتيجية العدوانية الامريكية. فاسرائيل تختلف عن جميع الدواجن الامريكية في المنطقة بسِمتين اساسيتين: الاولى، انه في اسرائيل توجد قاعدة سياسية وجماهيرية واسعة وثابتة مؤيدة للامبريالية الامريكية، فجميع القوى السياسية الصهيونية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار الصهيوني تؤيد بحماس الامبريالية الامريكية، والرأسمال الامريكي والصهيوني الامريكي يتغلغل في جميع حلقات التطور الاقتصادي والثقافي الاسرائيلي، بينما في بلدان الدواجن العربية موقف الشعوب العربية معاد للامبريالية الامريكية بعكس حكامها.
والثانية انه منذ قيام اسرائيل بعد النكبة الفلسطينية وخاصة بعد توقيع التحالف الاستراتيجي بين اسرائيل وامريكا ودخول اسرائيل عضوا في "برنامج الدفاع الاستراتيجي الامريكي" – حرب النجوم – فان اسرائيل قد تحولت الى جزء عضوي من برامج التسلح الامريكية ومن خططها الاستراتيجية العدوانية.
وحرب لبنان اكدت للادارة الامريكية بنتائجها ان الاعتماد على خادمها البلطجي العربيد الاسرائيلي وحده لم يعد كافيا لتحقيق اهداف استراتيجية الهيمنة الامريكية في المنطقة، ولهذا رأت من الاهمية بمكان اعادة رسم الخارطة الجيو سياسية في المنطقة بشكل يؤدي الى تطبيع العلاقات بين اسرائيل والانظمة العربية "المعتدلة"، المدجنة امريكيا في اطار "الشرق الاوسط الكبير" مع بقاء العصمة الامريكية بأيدي اسرائيل. والعمل على تدجين انظمة في المنطقة لم تركع بعد في بيت الطاعة الامريكي مثل سوريا.
ولدفع عجلة البرنامج الاستراتيجي الامريكي ببلورة التطبيع والتحالف الاسرائيلي – العربي، كان لا بد من اختلاق المبررات الديماغوغية لتسويقه. ولم يغلب المعتدون في ايجاد المبررات وخاصة التركيز على مبررين: الاول، اختلاق صراع جوهري اساسي في المنطقة يتكون من الانظمة والمنظمات الارهابية والمتطرفة، في ايران وسوريا وحزب الله اللبناني وحماس في فلسطين المحتلة وحركات الاخوان المسلمين في مصر وغيرها. والشيوعيون واليساريون المعادون للهيمنة الامريكية، هذا من جهة، ومن جهة اخرى الانظمة العربية "المعتدلة" – مصر والسعودية والاردن وبلدان الخليج والمغرب واسرائيل. أي تجاهل القضية الفلسطينية كقضية اساسية للصراع في المنطقة.
والثاني: بلورة حل امريكي "باكس امريكانا" للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني تكون نتيجته الانتقاص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية. وهذا هو الهدف من دعوة بوش لعقد "مؤتمر دولي للسلام" تشارك فيه الانظمة العربية "المعتدلة"، واسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، ويكون المؤتمر برئاسة كوندوليزا رايس.
وقد عكست جولة وزيري الحرب والخارجية الامريكيين الاخيرة الى المنطقة الهدف المركزي من وراء البرنامج الاستراتيجي العدواني الامريكي. فالهدف الاساس هو اقامة حلف سياسي – عسكري اسرائيلي – عربي تحت اشراف وقيادة الامبريالية الامريكية. فهذا البرنامج الاستراتيجي الامريكي لا يستهدف ابدا السلام والامن والاستقرار في المنطقة، فلو كان كذلك لما جرى الحديث والاتفاق على اقامة قواعد عسكرية امريكية جديدة في العراق ودول الخليج والاردن واسرائيل وزيادة "المعونة العسكرية" لمصر. حتى في اطار هذا البرنامج برز تخصيص حصة الاسد من المساعدة العسكرية الامريكية لاسرائيل. وسريعا ما جرى اقرار وتنفيذ ما وعد به وزير الحرب الامريكي تخصيص ثلاثين مليار دولار "مساعدة عسكرية" لاسرائيل، ففي 16 آب الماضي جرى توقيع مذكرة استراتيجية جديدة، امريكية – اسرائيلية تم بموجبها الاتفاق لتقديم هذه المساعدة العسكرية لاسرائيل ولمدة عشر سنوات، يجري انفاق 75% منها لشراء قنابل ذكية ومنظومات صواريخ جديدة وغيرهما من المجمعات الاحتكارية الصناعية العسكرية الامريكية، والباقي لشراء عتاد عسكري من الصناعة العسكرية الاسرائيلية وتمويل شراء غواصات حربية من المانيا.
إن هذه المعطيات وغيرها تعكس حقيقة ان وجهة حكومة اسرائيل ليست ابدا باتجاه السلام، بل مواصلة خدمة المصالح العدوانية الامبريالية التي تنسجم مع مطامعها التوسعية الصهيونية، على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية. فهل يدرك قادة حماس والشعب الفلسطيني هذه الحقيقة لاستخلاص العبر الصحيحة التي تستدعي رص وحدتهم الوطنية الكفاحية المتمسكة بثوابت الحقوق الشرعية الفلسطينية، ونسف مقولة الخنوع الساداتية بان 99% من اوراق الحل بايدي امريكا، لتبرير التفريط ببعض الثوابت الوطنية غير القابلة للتصرف.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا