الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-إذا عُرِفَ السبب بَطَلَ العجب-

علي جرادات

2007 / 8 / 28
القضية الفلسطينية


ما زالت دعوة الرئيس الأمريكي الغامضة إلى لقاء "دولي"، يبحث في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في الخريف المقبل، تتفاعل، وتثير تحليلات تختلف في قراءة النتائج والتوقعات المتوخاة منها، والآمال المعقودة عليها. وهذا طبيعي، بالنظر لاختلاف زوايا القراءة، وبفعل الدور السياسي الدولي المُسَيْطِر لصاحب الدعوة، وثقل القضية المطروحة للبحث إقليمياً ودولياً، علاوة على توقيت هذه الدعوة، التي تأتي في لحظة اكتواء السياسة الشرق أوسطية "للمحافظين الجدد"، بنار مصاعب وانتكاسات جدية، صحيح أنها لم تفضِ للهزيمة النكراء بعد، إلا انها لا تبشر بقرب النصر الأمريكي المؤزر، في العراق وافغانستان ولبنان وفلسطين، ناهيك عن تشابك كل ما سلف مع التحدي النووي الإيراني، الذي ينطوي على تمدد النفوذ الإيراني على حساب النفوذ الأمريكي والتفوق الإسرائيلي، وما زال الغموض يكتنف سبلَ حسمه: هل بمواصلة خيار الاحتواء السياسي أم بالإضطرار إلى استخدام الخيار العسكري، يراه كثير مِن المراقبين والمحللين يلوح في الأفق، ولا تنفي تصريحات مسؤولين أمريكيين بارزين، فضلاً عن نظرائهم الإسرائيليين، احتمال اللجوء اليه، بل وتشير شواهد واقعية كثيرة على الأرض إلى امكانية اخراج خططه مِن الدرج إلى الميدان، بصرف النظر عن متى؟ وكيف؟ وما هي نتائجه الكارثية على المنطقة، بل قُل بقدرٍ كبير على العالم برمته؟
على صعيد الرغبات والمشاعر، أي بانفصال الذهن عن الواقع وحركة تناقضاته، لا يمكن أن تكون وجهتها إلا محصلة عامة لميزان القوى السائد، يمكن لكل مراقب أو محلل أن يقول ما يشاء حول دعوة الرئيس الأمريكي "للقاء الخريف"، كما يمكنه نثر ما شاء مِن التوقعات، الايجابية، لجهة الأمل بايجاد تسوية سياسية متوازنة للقضية الفلسطينية، مضى عليها ستون عاماً، وشكلت، وما زالت تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وأصْله، ولا حل له مِن دون حلها، حتى وإن بدت الأمور أحياناً على نحو مغاير، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث جرت محاولات عزل القضية الفلسطينية وتهميشها، والتعامل معها كملحقٍ مِن ملاحق صراعات اخرى في المنطقة، انفجرت بصورة غير مسبوقة، منذ الاستثمار الأمريكي-الإسرائيلي البشع "للغزوة البنلادنية" في الحادي عشر مِن سبتمبر 2001.
أما إذا اخذنا حقائق الواقع وعلاقتها بالسياسة بعين الاعتبار، صاغها كيسنجر مرة بالقول: "السياسة في عصرنا ليست مسألة مشاعر وانما هي حقائق الواقع"، فإن التوقعات مِن دعوة بوش الغامضة "للقاء الخريف"، ستكون مختلفة، بل يجب أن تكون مختلفة.
والحال؛ يغدو السؤال: هل يمكن فصل دعوة بوش "للقاء الخريف" عن راهن سياسة "المحافظين الجدد" وجوهر المصالح الأمريكية في المنطقة؟!!! وإذا كان الأمر غير ممكن، على الأقل، كما يرى كثير مِن المحللين والمراقبين، يكون السؤال التالي: ترى ما هي المصلحة الأمريكية في المنطقة؟!!! في هذا الصدد يقول هيكل في كتابه "العربي التائه" "المصلحة الأمريكية العليا لها في المنطقة ثلاثة مطالب: السيطرة على البترول، ضمان أمن إسرائيل، توسيع النفوذ الأمريكي بصفة عامة".
ارتباطاً بتلك المطالب للمصلحة الأمريكية، فإن مِن الطبيعي أن تتحرك الإدارة الأمريكية بين الحين والآخر، كما يفعل "المحافظون الجدد" هذه الأيام، لإدارة أزمة الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، وذلك لأنه "إذا لم تجد أزمة مِن الأزمات مَن يديرها، فإن حركتها لا تتوقف عن الدوران، وإنما هي تواصل دورانها بحركتها الذاتية متجاوزة نهاية الطريق"، كما يرى هيكل في تشخيص قانون فعل الأزمات.
وفيما يخص أزمة القضية الفلسطينية، ينقل هيكل عن ريتشارد هاس قوله: "إن أزمة فلسطين غير قابلة للنضج مِن الأساس لأنها تنطوي، ضمن عوامل كثيرة، على مقدسات يصعب أن يكون لها حل وسط. وهذا النوع مِن الأزمات ليس له دواء غير وصفة اجراءات تتكفل به وهي:
1: عزل الأزمة، واحكام عزلها عن محيطها حتى لا يتسع نطاقها ولو بالعدوى.
2: وافراغ الأزمة أول بأول مِن عناصر التوتر حتى لا تنفجر في مكانها مدوية في محيطه.
3: ثم تركها بعد ذلك للزمن يزيحها إلى النسيان. وفي هذا النسيان تستهلك الأزمة نفسها بنفسها بالتحلل والتآكل والتلاشي".
عليه، فإنني اعتقد أن التحرك الأمريكي الراهن تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ممثلاً في الدعوة الغامضة "للقاء الخريف"، لا يعدو استمراراً لسياسة ادارة الأزمة، وحلقة مِن حلقاتها، لم تتجاوز حتى الآن على الأقل، المدخل الأمني في تناول القضايا الأساسية للصراع: حق العودة والقدس والحدود والمستوطنات والمياه. واعتقد أن هذه الدعوة الغامضة، إنما تصبو إلى تحقيق ثلاثة اهداف متداخلة هي:
1: محاولة ترتيب التحالفات الأمريكية في المنطقة، بما يخدم الحرب (الورطة) الأمريكية في العراق وافغانستان، وما هو محتمل مِن حروب أخرى قد تشنها واشنطن وتل أبيب.
2: محاولة تكريس حالة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وتعميقها، بكل ما ينطوي عليه ذلك مِن ضرب للمشروع الوطني الفلسطيني، واجهاض للمقاومة الفلسطينية الدفاعية المشروعة، تحت مسمى محاربة "الإرهاب".
3: محاولة الإلتفاف على ضرورة عقد مؤتمر دولي في اطار الأمم المتحدة، وبمرجعية قراراتها، ومِن أجل تطبيقها بدل التفاوض عليها.
عبر ذلك، تواصل السياسة الأمريكية تغاضيها عن حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي واستمراره، هو، وليس غيره، ما يشكل جوهر الأزمة وأصلها، وأن الحل لا يمكن أن يكون إلا بإنهاء هذا الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين مِن ممارسة حقهم في العودة والاستقلال الوطني تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية.
مِن ثوابت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، دعم الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة تكريسه كأمر واقع، وفرضه على الفلسطينيين والمجتمع الدولي، سيان أكان ذلك بوسائل عسكرية أو آليات سياسية، تندرج دعوة بوش الغامضة "للقاء الخريف" في سياقها.
مِن جانبي، وإن كنت أرى مخاطر دعوة بوش الغامضة، غير أنني لست متطيراً، وسبق وقلتُ في مقالٍ سابق، إن التحرك الأمريكي الراهن تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لن ينتج لا تسوية ولا تصفية للقضية الفلسطينية، لأنني لا أرى فيه سوى مجرد تسلية أمريكية بالرسميين العرب، ما يدعو إلى ضرورة ابتعاد الأطراف الفلسطينية عن القراءات الذهنية المحضة للتحرك الأمريكي الراهن، لأن مِن شأن الوقوع في هذا النمط مِن القراءة، ايجاباً أو سلباً، أن يفضي إلى تسعير عوامل الشرخ الفلسطيني الداخلي وتعميقه. وهذا هو أحد أهداف التحرك الأمريكي، بينما تتطلب المصلحة الوطنية الفلسطينية، الإمساك بحلقة استعادة الوحدة الوطنية وتعزيزها، كسبيل وحيد للخروج مِن المأزق الفلسطيني الراهن، والقدرة على مواجهة التحديات، تندرج في اطارها، المحاولة الأمريكية الراهنة لدعم الرؤية الإسرائيلية، ومدخلها الأمني في التعامل مع الصراع، بلغ مِن العمر عتياً، وفشلت كل محاولات تسويته عبر القفز عن مدخله الحقيقي، انهاء الاحتلال، وكانت محاولة باراك، في مفاوضات كامب ديفيد 2000، آخر تلك المحاولات، بدعمٍ مِن كلينتون في آخر فترة ولايته في البيت الأبيض، وعلى ذات المنوال، يحاول بوش هو الآخر، في ما تبقى له مِن شهور في البيت الأبيض. ولكن ظني، أن بوش وبقية فريقه مِن المحافظين الجدد، إنما عبثا يحاولون، ما داموا غير جادين في العمل على تنظيف الأراضي الفلسطينية مِن الاحتلال، وما دام بوش يتخذ مِن الأوهام وخداع العرب والفلسطينيين تجارة له.
قيل إذا عُرِفَ السبب، أقصد سبب دعوة بوش "للقاء الخريف"، بَطَلَ العجب، أي الكثير مِن الجدل حولها، الذي مهما تعالت وتيرته، لن يغير مِن حقيقة أن المطلوب هو انهاء الاحتلال، تماماً كما ورد في "شيفرة دفنشي"، مِن أنه "يجب تنظيف الإسطبل.......وعدم الإكتفاء بنقل الحمير إلى مربض آخر جديد ونظيف وخفي عن العيون".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل ساعات من وصول هوكشتاين.. الجيش الإسرائيلي يهدد حزب الله


.. الجيش الإسرائيلي: حزب الله يدفعنا نحو التصعيد




.. الكرملين يوجه رسالة إلى زيلينسكي بعد مقترح السلام لـ بوتين|


.. فلسطيني يتحدث عن أجواء العيد في غزة




.. بعد الهدنة التكتيكية.. خلافات بين القيادة السياسية والعسكرية