الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين الفلاسفة

عصام عبدالله

2007 / 8 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


دشن "مكيافيللي" Machiavelli (1469 – 1542) علم السياسة الحديث، كعلم وضعي منفصل عن الدين والأخلاق، وذلك في كتابيه : "الأمير" The Prince، و"أحاديث عن ليفيوس" أو "المطارحات"، الذي يتناول آفاق السياسة كلها ، وان لم يشتهر شهرة " الأمير " . وأهمية هذا الكتاب أنه يشرح لنا تصور مكيافيللي لنهضة الأمم وانحطاطها، كما يشرح لنا دور الدين والمؤسسة الدينية والقادة والعلوم والفنون والآداب في رقي المجتمع وانهياره.
في الفصل الثاني عشر من الكتاب الأول من المطارحات "يضع لنا مكيافيللي المبادئ التي تحفظ الدولة من الفساد. وأول مبدأ في نظره هو المحافظة على شعائر الدين، أي دين، إذ أنه لا يقصد دينًا معينًا بالذات، وإنما الدين بصفة عامة. كما لا يبدو من كلامه أنه يتحدث عن الشعائر كمجرد مجموعة من الطقوس، وإنما يقصد البنية الأساسية في كل دين. يقول مكيافيللي: "الأمراء والحكومات الجمهورية الذين يريدون أن يحافظوا على أنفسهم من الفساد ينبغي عليهم قبل كل شيء آخر أن يحافظوا على شعائر دينهم مبرأة من الفساد، وأن يحترموها على الدوام، فليست هناك دلالة على خراب دولة أوضح من الاستهانة بقدر العبادات الإلهية. ومن اليسير إدراك ذلك إذا عرف المرء على أية قواعد يقوم الدين الذي يولد به هذا الإنسان. فكل دين تقوم أركانه على بنية أساسية هامة خاصة به. فحياة الديانة الوثنية كانت مؤسسة على إشارات العرافة، وعلى جماعة المتنبئين وقارئي الغيب، فكل شعائرهم وأضاحيهم وطقوسهم الأخرى كانت تتوقف على هذه الإشارات، فقد كان من السهل عليهم أن يعتقدوا أن الله قادر على التنبؤ بالخير أو الشر في المستقبل قادر أيضًا على تحقيقه. ومن هنا كانت القرابين والصلوات وكل طقس فـي إجلال الآلهة. كان هذا أساس عرافة ديلوس، وكهانة معبد جوبيتر أمون، وغيرهما من أماكن الوحي الشهيرة التي ملأت العالم بالإعجاب والتمسك بالدين، فلما بدأت هذه العرافات تتنبأ بما يوافق رغبات الأقوياء، واكتشف الناس هذا الزيف، فقد الناس إيمانهم وظهر استعدادهم لنقض كل العادات الصالحة.
فواجب من يحكمون الجمهورية أو المملكة إذن هو أن يحافظوا على أسس الدين الذي يتبعونه. فإن وفقوا إلى ذلك في أنفسهم، أمكنهم في يسر أن يحافظوا على التدين في بلادهم، وأن يحفظوا بلادهم في خير واتحاد، وينبغي عليهم أن يهتموا بكل الاحداث التي يبدو أنها تقوي الدين وأن يضخموا من شأنها، ولو كانوا يعتقدون أنها كاذبة، وكلما ازداد حرصهم وازداد فهمهم للعلوم الطبيعية، ازداد التزامهم بالاهتمام بالأحداث التي تدعم الدين. ونظرًا لأن هذا كان النهج الذي سلكه الحكماء، فقد نشأ الاعتقاد في المعجزات التي تشتهر بها "الأديان"، لأن أهل الفطنة يضخمون من شأنها أيا كان مصدرها. وهكذا تضفي محبتهم على المعجزات مصداقية عند كل الناس".
نلاحظ أن مكيافيللي لم يكن رجلاً مؤمنًا أو متدينًا بالمعنى المألوف بيد أنه أكد على دور الدين في المجتمع وعلى أن خراب الأمم هو نتيجة الاستهانة بالدين أو فساد الدين. القضية عند مكيافيللي ليست في صحة الدين أي دين، أو في زيفه ولكن في وجوب التمسك به نظرًا لوظيفته الهامة في ضبط المجتمع. وليس من الضروري أن تكون المعجزات أو الكرامات مثلاً صحيحة، وإنما المهم أن يعاملها الحكام على أنها صحيحة، بل وأن يقووا اعتقاد الناس فيها، وأن يدعموا فيهم الإيمان بالغيبيات ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا بغض النظر عن صدقها أو عدم صدقها. فدين زائف خير من لا دين على الإطلاق، كما يقول بعض المفكرين.
هذه النظرة نجدها – فيما بعد – عند بعض دعاة حق الملوك الإلهي من العقلانيين مثل "توماس هوبز" الذي كان ينظر إلى الكنيسة نظرة مانعة صواعق وظيفتها تفريغ شحنات الغضب واليأس والبؤس والإحباط .. الخ، في المجتمع، أي باختصار مانعة ثورات وضمان للسلام والاجتماعي، وهي تقيم داخل كل مواطن شرطيًا غير مرئي يحفظ الأمن العام دون قهر من خارج.
أما "أسبينوزا" Spinoza (1632 – 1677) الذي أجمل العقائد الشائعة في عصره وعرضها في كتابه "البحث اللاهوتي السياسي" Tractatus Theologico-Politicus عام 1670، فلم يذهب بعيدًا عما ذهب إليه مكيافيللي، وإن تعمق أكثر في الوظيفة السيكولوجية والاجتماعية للمعتقدات الدينية، وحسب "برنشفيك": "فإنه مثلما وضع ديكارت أسس التحليل الخالص والفيزياء الرياضية، فكذلك يعد اسبينوزا واضع المنهج السيكولوجي والاجتماعي الذي هو أساس علم التفسير الحديث".
يرى اسبينوزا أن السعي إلى معرفة الله يمكن أن يسمى أمرًا إلهيًا، لأن الفكرة الآلهية كامنة فينا، وهي التي تدفعنا إلى هذا السعي. وهو يعرَف الإيمان بأنه "معرفة الله"، بدونها تستحيل طاعته، وقد يتمثل في هذه الطاعة وحدها وقبل ذلك يقول: "إن طاعة الله لا تكون إلا في حبنا للجار". أي أن طاعة الله إنما تكون في حسن معاملة الناس.
ليست للعقيدة الدينية، في رأيه، أية وظيفة نظرية تتعلق بالمعرفة: ففي كل الميادين المعرفية يسيطر العقل بلا منافس. بل إن للعقائد وظيفة عملية فحسب، ولا أهمية على الإطلاق للأساس النظري الذي ترتكز عليه هذه العقائد طالما أنها تؤدي وظيفتها العملية على النحو المنشود.
في موضع آخر يعلق على عدم أهمية المذاهب النظرية بقوله "ليس لأحد أن ينكر أن الإيمان بهذه المذاهب ضروري لكي يستطيع كل شخص بلا استثناء، أن يطيع الله وفقًا لما يقضي له الشرع ... أما ما يكونه الله، أو المثل الأعلى للحياة الحقة، في ذاته، من حيث هو نار أو روح أو نور أو فكر أو أي شيء غير هذا، فهذا في رأيي أمر لا شأن له بالإيمان. فلكل أن يفكر في هذه الأمور كما يشاء" ... وهكذا يبيح اسبينوزا جميع الاختلافات النظرية حول العقيدة؛ وبالتالي لا يعترف بأية قيمة للأسس النظرية؛ طالما أن الغايات العملية للعقيدة تتحقق.
الظاهرة الدينية – كما يرى – ظاهرة بشرية قبل كل شيء، يسعى الإنسان عن طريقها إلى تحقيق أمان معينة وتجنب مخاوف خاصة. هذا الطابع البشري للظاهرة الدينية يؤدي إلى القول بأنها نسبية، أي أنها ككل ظاهرة بشرية أخرى، متطورة ذات تاريخ، ومن الممكن أن تفسر تفسيرًا كاملاً من خلال تاريخها هذا.
وقد تضمن كتابه هذا محاولة مفصلة لعرض الكتب المقدسة – اليهودية على الأخص – من حيث هي تعبير عن ظاهرة تاريخية واجتماعية، ولربط تعاليمها بطبيعة العصور التي ظهرت فيها، وإنكار وجود أية دلالة مطلقة لها، تسري على كل عصر.
على أن أهم ما تقع عليه عند اسبينوزا هو تطويره لفكرة فصل الدين عن الدولة كما بلورها مكيافيللي فهو على العكس يؤيد خضوع السلطة الدينية للسلطة المدنية، إذ أن ذلك كفيل بعدم تغليب دين على دين، وضمان الحرية لجميع الأديان، بحيث لا يصبح لأحدها سلطة قاهرة على أصحاب العقائد الأخرى. ولأن اسبينوزا لا يحفل بالمظاهر الخارجية للعقائد الدينية، طالما أنها تؤدي غرضها العملي، فإن خضوعها للسلطة السياسية معناه قبول مختلف الآراء والمعتقدات على قدم المساواة في ظل قانون مدني متسامح مع كل أشكال العبادات.
إن فكرة فصل الدين عن الدولة عند اسبينوزا مختلفة تمامًا وجديدة تمامًا فهو يريد من الدولة أن تشرف على كل شيء، بحيث تكون مصالحها دائمًا هي العليا. وإذا اعترض عليها بأن أصحاب السلطة الزمنية قد يكونون أشرارًا، يرد هذا الاعتراض بقوله بأن رجال الدين بشر أيضًا وهم معرضون للخطأ. ولو كانوا أشرارًا فلن نجد من يفسر لنا المعنى الصحيح للتقوى. بل إن الضروري في الحالة الثانية أعظم، إذ أن خطأ الحاكم يمكن إصلاحه، أما رجال الدين فإنهم إذا ارتكبوا خطأ ظلوا ينسبونه إلى السلطة الإلهية ويحتمون بها، وبذلك يظل الخطأ قائمًا، بل يتخذ مظهرًا مقدسًا بحيث يكون من أصعب الأمور التخلص منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا