الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسألة اليهودية، الصهيونية والعرب

سلامة كيلة

2003 / 10 / 13
القضية الفلسطينية



بحث في التاريخ:
المسألة الأساسية الأولى تتمثل في تحديد علاقة اليهودي الراهنين بالتوراة والتاريخ، وبالتالي بالعبرانيين القدامى الذين هم جزء من قبائل المنطقة، أو حسب تعبير الاستشراق الساميتي، أو مجموع القبائل التي كان العرب هم “صيغة تبلورهم”. شكلهم القومي الواضح.
المسألة الثانية تتمثل في تحديد: هل اليهودية دين أم قومية؟ أو دين منحصر في “قبيلة” محددة، وبالتالي الأسباب التي دفعت أقوام أخرى إلى اعتناق هذا الدين (سنلاحظ هنا أن التنافس الفارسي (الزرادشتي) الحبشي (المسيحي) على اليمن أفضى بالدولة إلى اعتناق اليهودية، والملاحظة تنطبق على يهود الخزر).
المسألة الثالثة تتعلق بعلاقة اليهودية كدين (أي التوراة) بالمسيحية والإسلام، وأقصد علاقة ارتقاء الوعي في الشرق، وموقع كل منها فيه (فالمسيحية سلب اليهودية، بدعوتها لالتزام توراة صحيحة “أصلية” ضد التحريف الذي أصابها، وهي سلب لأنها دعوة سلبية ـ رغم أنها عادت واعتبرتها جزءاً منها ـ والإسلام هو التركيب الذي قدم الدين الصحيح.
من هنا يمكن أن نعيد طرح مسألة علاقة العبرانيين بشعوب المنطقة قديماً، وبالتالي تحديد وضع اليهود الراهنين، المكونين من أمم متعددة يجمعهم الدين، كما تجمع المسيحية، ويجمع الإسلام أفراد من أمم متعددة.
وعلى ضوء ذلك يمكن البحث في “مسرح أحداث”(1) التوراة، لأننا نكون قد بدأنا البحث بتاريخ المنطقة، المتنوع. وكذلك، على ضوء ذلك يمكن فهم التوراة ذاتها بطريقة جديدة. وربما كخان ماركس وحده من أشار إلى أن التوراة هي “جمع” لعادات وتقاليد العرب القدماء (مع إضافته ملاحظة: بمعنى أهم الساميون).
وبالتالي يمكن، انطلاقاً من ذلك، النظر للمشروع الذي تطرحه التوراة، والهدف الذي تسعى إليه. دون أن يقود ذلك إلى ربط بينه وبين المشروع الصهيوني الراهن، الذي هو، في جوهره، “انتحال صفة” “السطو” على مشروع قديم، لتبرير فعل حديث. “السطو على أملاك الغير”.
لهذا فإن الخلط، في الوعي والممارسة، بين الكيان الصهيوني ووضع اليهود (العبرانيون) في الماضي، يؤكد الفكرة الصهيونية. ويقدم لها الدعم. إن الضروري هو تأكيد الوعي التاريخي، ووعي الانفصال بين الكيان الصهيوني والتاريخ (كانفصاله لعلاقة بين مسيحي أوربا والشرق، أو مسلمي أندونيسيا والوطن العربي)، رغم وجود علاقة دينية ما بموقع نشوء الدين، بمعنى أن العلاقة هي علاقة دينية محضة، تتعلق بتاريخ نشوء الدين. وفيما عدا ذلك يبدأ حدّ الانفصال.
العرب هم الشكل المتبلور قومياً لكل شعوب المنطقة (الساميون والحاميون كذلك. وفق التعبير الاستشراقي)، إنهم شكلهم القومي الواضح، وبالتالي المتضمن تاريخه، في المستوى البشري، واللغوي والثقافي، (الحضاري عموماً)، ولايمكن أن يفهم تاريخ العرب إلا انطلاقاً من فهم هذا التضمّن (سأبدي ملاحظة هامشية لكنها معبرة: إن كلمة عبري وعربي. يحملان المعنى ذاته الراحل ـ عَبَر: تعني سار، وكذلك عَرَب ـ والفارق اللفظي بينهما يتمثل في قلب حرفي الباء والراء، وهذا مبدأ معروف في تاريخ اللغة العربية، وكلاهما يعني البدو الرحل. وبالتالي فإن العبرانيين هم الشكل الأولي ـ الأكثر بربرية ـ للعرب ـ الأعراب، والعرب هم الشكل المتطور لهم، ثم إن فكرة شعب الله المختار العبرية، متضمنة في الآية: وكنتم خير أمة، لكن الآية أكثر رحابة” أعمق معنى، وأوسع أفقاً..).
لهذا سنلاحظ أن كل الشعوب (السامية والحامية) متضمنة في العرب، وكذلك تراثها. ثم إن التوراة هي الشكل الأوّلي للقرآن، والقرآن هو الشكل الأكمل والأنضج للتوراة، وسنلاحظ ذات المسألة في تطور اللغة والفكر والتطور الاقتصادي والاجتماعي… الخ. العرب، إذن، هم الشكل البشري الأكمل والأنضج لمجموعة بشرية (أثينية)، ظهرت أولاً عبر التنوع والاختلاف (الفراعنة، البابليون، الكلدان، الآراميون، العبرانيون، السريان، والعرب ـ عرب الجزيرة… الخ)، ومن ثم، ثانياً، تبلورت في شكل مكتمل، أي الأمة العربية.
التاريخ والسياسة:
يمكن مقارنة المشروع الصهيوني، بمشروع الحروب الصليبية، فكلاهما اتخذ شكل الدين للسيطرة على الوطن العربي، الأهداف اقتصادية وسياسية. إنه إعادة إنتاج الإمبراطورية الرومانية ـ وهو مشروع البابوية في القرون الوسطى ـ كان يفرض تدمير الإمبراطورية العربية الإسلامية ووراثة أرضها، وكان الدين هو “الغطاء” الذي يجمّع الحشود ويوحّد لتحقيق ذلك، وسند ذلك إن المسيحية نشأت في فلسطين، بمعنى أن نهوض أوربا وتحقيقها سيادة ووحدتها وتطورها الاقتصادي الاجتماعي، كان يفرض تدمير القوة المسيطرة آنئذ ووراثتها. كما فعل الإغريق في إمبراطوريات الشرق.
وسنلاحظ هنا أن المشروع اليهودي هو مشروع استعماري أوروبي، قبل أن يكون مشروعاً “يهودياً”، وبالتالي هدف إلى السيطرة والتحكم بمصير الوطن العربي، كي لا يتطور. أما الدين فقد استغل كما استغلت المسيحية في السابق. إنه “غطاء” في كلتا الحالتين. ولاشك أن الرابط التاريخي هنا لا يختلف عن الرابط التاريخي في المسيحية ولهذا قلت “إنهم يسرقون بضاعتنا”، بهدف إيجاد تبرير لسيطرة تهدف إلى أغراض أخرى.
وإذا كانت الإمبراطورية العربية الإسلامية (الشرق) هي حلم أوروبا البربرية، لهذا سعت إلى وراثتها، فإنها منذ بدأت تسعى لإنشاء “دولة عبودية” في فلسطين، هدفت إلى إكمال تدمير، ما كان حلماً يوماً ما، بمعنى تحقيق الظرف الذي يمنع تطوره (وتجربة محمد علي باشا أشّرت إلى هذه الإمكانية)، عبر تغيير الوضع الديموغرافي والسياسي/ الجغرافي للوطن العربي، وبالتالي تدمير الشكل القومي المنزوع فيه، لهذا كان موت الأمة العربية حلماً في الاستراتيجية الإمبريالية، وقام أولاً على تكريس الدولة القطرية، لتتشكل دولة/ أمم قطرية، لكنه، ثانياً، يذهب أعمق من ذلك، بتفكيك التبلور الأرقى (العرب) لمصلحة التكوينات الأولية) الفرعونية، الفينيقية، اليهودية، والبابلية)، و"إعادة" الطابع الصدامي فيما بينها (حروب الطوائف والاثنيات والقبائل). ومن ثم، ثالثاً وعبر التأكيد ـ الذي هو تأكيد راسخ في الدراسات الاستشراقية. على أن اليهود هم أصل الساميين، القول ـ والسعي للعمل كذلك ـ إن الوطن العربي (على الأقل المشرف العربي)(*) هو بالأصل وطن اليهود، وبالتالي فإن النفي لمصلحة الدولة القطرية (والطوائف والاثنيات) يهدف إلى قلب الطابع العربي، لمصلحة الطابع اليهودي للوطن العربي.
وإذا كخانت الولايات المتحدة هي التي تلعب الدور المركزي عالمياً، في هذه اللحظة، فإن دورها مركزي في تحقيق ذلك، بمعنى أن الولايات المتحدة تسعى لاستنساخ ذاتها. أي توليد دولة من المهاجرين على جثث السكان الأصليين. وسنلاحظ هنا أنها تسعى لتحويل الوهم القائم على علاقة اليهود الحاليين بالتاريخ القديم، إلى حقيقة عبر إعادة إنتاج وجودهم الواقعي.
والكيان الصهيوني، ليس تابعاً للولايات المتحدة (كما يودّ البعض أن يفهم)، ولا حليفاً لها (حتى كما أوروبا)، إنه جزء عضوي منها (عبر تداخل الاقتصاد)، وبالتالي فإن الاختلافات، الأميركية/ الصهيونية، هي بالأساس اختلافات أميركية داخلية، تنافس بين الاحتكارات داخل الولايات المتحدة، وهو يعمل في الإطار العام لتحقيق الأهداف العامة للاستراتيجية الأميركية (وبالتالي سيبدوان الاختلافات تكتيكية). وفي الأساس هو الصورة الأخرى للولايات المتحدة. إنه ذاتها.
والأهداف العامة التي تهدف إليها الاحتكارات الإمبريالية (والأميركية بالأساس، كونها المهيمنة في إطار النمط الرأسمالي العالمي)، تتمثل في محو الطابع العربي، عبر تكريس مفهوم الشرق الأوسط (المشتمل على قبائل وطوائق واثنيات متصارعة) في إطار الهيمنة الصهيونية (ورديفها التركي، وعبر وجود القوات الأميركية في الخليج العربي، كقوة مسيطرة)، المتحوّلة إلى “إمبريالية صغرى”. (وهذه هي الخطوة الأولى). ومن ثمّ، عبر تعزيز الهجرة الصهيونية إلى فلسطين ومحيطها، التأكيد على الطابع السامي للمنطقة، وبالتالي اليهودي، كون اليهود ـ وفق الأيديولوجيا الإمبريالية ـ هم “الساميون الوحيدون”، وهذه فكرة تنتشر في الفكر الرأسمالي منذ زمن بعيد. إذن أميركا تستنسخ ذاتها، لكن مع فارق يتمثل في الأساس الأسطوري الذي يعطي للمشروع الصهيوني.
العرب إذن يجب ـ حسب الاستراتيجية الإمبريالية ـ أن يصبحوا “هنود حمر”. أي أن يبادوا، عبر الحروب الطائفية والأصولية، والحصارات المدمرة (حصار العراق، والسودان وليبيا، والتدمير الأصولي في الجزائر ومصر وقبله في لبنان)، لكي “يولد” المشروع الصهيوني، عبر تغيير ديموغرافي جذري، يقوم أولاً على تفكيك الأمة إلى طوائق وأثنيات (عبر نفخ عناصرها القديمة، أي العناصر السابقة للشكل العربي، ولاشك في أن التركيز الأميركي على الأقباط في مصر يأتي ضمن هذا السياق)، والدفع بالتناحر فيما بينها إلى شكل من أشكال التدمير الذاتي، لكي يستطيع المشروع الصهيوني أن يمد سيطرته الاستيطانية والأمنية، ويتحول إلى “دولة كبيرة” (من حيث المساحة) تهيمن على مجموعات متناحرة و"مستقلة"، في حدود المشرق العربي (من مصر والسودان والقرن الأفريقي إلى العراق وحدود الخليج العربي).
السياسة والاقتصاد:
المصالح الاقتصادية هي التي تحدد السياسات، وجوهر المشروع الإمبريالي يتحدد في مصلحة الإحتكارات المسيطرة المطلقة على النفط (أي العودة إلى ما كان عليه الوضع حين اكتشاف النفط، حيث الشركات الاحتكارية هي التي تتحكم به، دون تدخل من “الدول الوطنية”، حيث باتت الولايات المتحدة تعتبر كل بئر نفط في العالم جزءاً من أمنها القومي (مبدأ كارتر فيما يتعلق بالخليج والذي ينطلق من أن الخليج العربي جزءاً من الأمن القومي الأميركي، وهو المبدأ الذي وسّعه كلنتون ليشمل كل بئر نفط في العالم ـ نفط بحر قزوين، نفط أفريقيا…). والفوضى ضرورية لتحقيق السيطرة المباشرة (الوجود العسكري). كما هي ضرورية لتدمير البنى (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية)، وتدمير النمو البشري، لإعادة العرب إلى تكوينهم الأوّلي (قبائل وأثنيات). ليصبح ممكناً تطور تكوين بشري آخر، يرث المنطقة بتاريخها. وهذا هو جوهر المشروع الصهيوني. لهذا أقول إن المشروع الصهيوني هو مشروع إمبريالي بالأساس، يتخذ أساساً “يهودياً أسطورياً، لكي يؤسس مبررات تنفيذه. وبالتالي علينا أن نتعامل مع المشروع الصهيوني على هذا الأساس، والكيان الصهيوني الآن، هو امتداد (فقط امتداد) إمبريالي أميركي في القارة الآسيوية، فهو جزء عضوء كما أشرت، لكي تلعب الولايات المتحدة دوراً، من خلاله في القارات الثلاث (آسيا، أفريقيا وأوروبا)، أي أنه ليس قاعدتها فحسب، بل “جسدها”. لهذا أشرت إلى أنها تستنسخ ذاتها في منطقة جديدة، وبالتالي فسيكون له دور جديد ومهم كمركز فرعي للشركات الاحتكارية الأميركية. وبالتالي سنلاحظ أن الكيان الصهيوني سيكون مركز استقطاب ليس لليهود فقط، بل لغير اليهود أيضاً (وإن كان من الممكن أن يتهوّدوا)، لكي يصبح ممكناً توطين كثافة بشرية، تصبح هي مركز الثقل في المنطقة العربية.
إننا إزاء مشروع نفي للمشروع القومي العربي، وإذا كان دور الكيان الصهيوني يتحدد في منع تحقيق الوحدة العربية (الدولة الحاجز)، فإن دوره الآن غدا أعمق، فهذا النفي المطلق لـ “الهوية” العربية، ولهذا يجب أن نحدد رؤيتنا بدقة، لكي يكون دورنا أعمق وأكثر فاعلية. أشرت إلى أن العبرانيين من القبائل (السامية حسب التعبير الاستشراقي، أو العروبية حسب تعبير بعض المفكرين العرب) التي كانت من عناصر التكوين الأوّلي لنشوء العرب (كما الآراميين والسريان والأقباط…) وبالتالي فإن تاريخهم جزء من تاريخنا. واليهودية كدين هي دين بعض القبائل، حاول أن يكون عاماً، ومتجاوزاً الأشكال الدينية الأولية (الفرعونية، الكنعانية، البابلية…)، لكنه فشل فانكفأ وأصبح دين مجموعة بشرية، (من المجموعات التي تشكل منها العرب) كدين الكنعانيين، ودين الفراعنة.. الخ، مع تفوق واحد هو أن فكرة الإله كانت أكثر وضوحاً فيه، منها في الأديان الأخرى، رغم أنها لم تكن قد اكتملت (كما في المسيحية والإسلام). وفي هذا الإطار أعتقد أن فكرة ماركس حول الدين اليهودي صحيحة تماماً، حيث اعتبر أنه تعبير عن عادات وتقاليد القبائل العربية (ويضيف بين قوسين: وبمعنى أعم سامية). ولاشك في أن درجة وضوح فكرة الإله فيه هي التي جعلته يستمر، وينهض من جديد مع نشوء المسيحية (وأعتقد أن نشوء المسيحية أفضى إلى اكتمال فكرة الإله فيه). وكما أشرت سابقاً لا يمكن فهم تطور المسيحية ومن ثم الإسلام، إلا بالانطلاق من ذلك.
وهذا الوضع يجعلنا نميّز بين نشوئه المكاني والبشري والثقافي، وبين اليهودية كدين راهن، كما نميز بين نشوء المسيحية والإسلام، وبينهما كدين راهن، حيث أصبح ديناً لأفراد من أمم مختلفة. لهذا  يجب النظر إلى اليهود الراهنين انطلاقاً من انتمائهم القومي (كيهود دروس وفرنسيين وإنكليز وألمان وأميركيين…) وليس من انتمائهم الديني، فالدين لا يشكّل أساساً لـ “هوية” ولـ “أمة”، وهذا هو الأساس الأسطوري للمشروع الصهيوني، حيث أن الدين لا يشكل أساساً لأي حق في أية أرض وأي كيان. لايشكل أساساً لأي حق في أية أرض، وأي كيان. إنه معتقد لبشر مختلفين، وسنلاحظ هنا أن الرأسمالية، العقلانية والمتطورة تستخدم أحط الأساطير لكي تبرر سيطرتها واحتلالها، كما تستخدم أحط الأساليب لتدمير المجتمعات البشرية، وإبادة السكان، لكن المصلحة تبرر كل ذلك (والبراغماتية الأميركية في صلب الموضوع هنا).
لكن علينا أن نتخلص، نحن، من أساطيرنا، لكي نكشف أسطورية المشروع الصهيوني. فسألاحظ هنا أن إنشاء الكيان الصهيوني أفضى، على صعيد العقل، إلى مصادرة على البحث التاريخي، ليصبح هدف البحث (مادام الشعور بالعجز عن إزالة هذا الكيان في الواقع، يسكن وعينا) هو نفي ارتباط العبرانيين القدامى بالمنطقة، اعتقاداً بأن ذلك يفضي حتماً إلى نفي شرعية الوجود الراهن للكيان الصهيوني، وبالتالي نفي الوجود ذاته، ليكرّس هذا البحث ما سعى إلى نفيه، لأنه يؤكد الارتباط التاريخي بين العبرانيين القدامى والكيان الصهيوني الراهن (وبالتالي يعجز عن كشف أسطوريته). إن وعي تاريخية المسألة هو الذي يسمح بتحديد موقف صحيح منها، لهذا يجب دراسة وضع العبرانيين بمعزل عن “ضغط” الراهن، وانفعاليته، فمثلاً حين توصل د. كمال الصليبي إلى أن “مسرح أحداث” التوراة هو الجزيرة العربية، أثيرت ضجة انفعالية، أخرجت البحث عن سياقه التاريخي والعلمي. رغم أن ما قاله يمكن أن يعتبر فرضية تحتاج إلى تأكيده والآن نلاحظ أن د. سيد القمني يحاول أن ينفي عن العبرانيين (وبالتالي التوراة)، وحتى عن الساميين عموماً (الآراميون والسريان) انتماءهم للمنطقة. فهم غرباء أقحموا على سمرح أحداث المنطقة!! انطلاقاً من أنهم من نسل إبراهيم والذي يعتبره من الشعوب الهندو أوروبية، رغم أن هجرته تمت قبل قدوم الشعوب هذه أو أنها تمت في بدايتها (وربما هرباً منهم). حيث يعتبر أنه (وانطلاقاً من الرواية التوراتية) من سكان أرمينيا الحالية (جبال أرارات)(1) وربما كان ذلك صحيحاً لكنه لا يؤكد كونه من الشعوب الهندوأوروبية، بل يؤكد النظرية التي تقول إن “الساميين” عموماً هاجروا من هناك (وبالتالي ليس من الجزيرة العربية، حسب نظرية أخرى). وبالتالي فإذا كان بحثه عن مسار هجرة النبي إبراهيم (المستند إلى بحث لغوي صحيح) صحيحاً، فقد خلط الأزمنة، مما أفضى إلى خلط الشعوب، وأعتقد أن الربط بالراهن هو سبب عدم الدقة العلمية هنا، وبالتالي الخطأ الذي جعله يعتبر أن الساميين (والعبرانيين خصوصاً) شعوباً هندو أوروبية.
لاشك في أن هجرات حدثت من المناطق التي يشير إليها سيد القمني، حيث كانت مناطق “سامية”، حين بدأ تقدّم الشعوب الهندوأوروبية، نحو الداخل، وبالتالي يمكن أن تكون هجرة قبيلة إبراهيم، جاءت في هذا السياق.
(1) كمال الصليبي يقول إن الجزيرة العربية في كتاب “التوراة جاءت من الجزيرة العربية”. وسيد القمني يقول إنه منطقة جبال آرارات. في كتابه “النبي ابراهيم والتاريخ المجهول).
(*) المحددة في الاستراتيجية الإمبريالية بين الخط 10 والخط 40 (روز اليوسف العدد 3149 تاريخ 18/5/1998) وهو مستطيل رسم حول الدول العربية “الشرق أوسطية”.
(1) د. كمال الصليبي “التوراة جاءت من الجزيرة العربية” مؤسسة الأبحاث العربية ط1.
(1) سيد القمني “النبي إبراهيم والتاريخ المجهول” دار مدبولي الصغير ط1/1996.

الهوامش:
(1) يورد إنجليز النص كالتالي: “أنا أعرف أمراً واحداً فقط، هو أني لست ماركسياً”، انظر، إنجلس “رسائل حول المادية والتاريخية” دار التقدم/ موسكو 1980 (ص4).
(2) انظر، لينين “من هم ـ أصدقاء الشعب ـ وكيف يحاربون الاشتراكيين ـ الديمقراطيين؟” دار التقدم/ موسكو 1970، والكتاب يناقش الماركسية الشرعية بالتحديد.
(3) انظر، لينين “المادية والمذهب النقدي التجريبي” دار التقدم/ موسكو 1981.
(4) انظر، جورج لوكاش “التاريخ والوعي الطبقي” ترجمة الدكتور حنّا الشاعر، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، تموز 1979 (ص13 ـ 32). وكذلك، جورج لوكاش “الماركسية الصحيحة” تعريب إحسان مراش، دار الطليعة ـ بيروت ط1/1964.
(5) انظر، سلامة كيلة “نقد الحزب، النظرية والتجربة في مجال التنظيم” دار دمشق/ دمشق 1987.
(6) انظر، مقال ماوتسي تونغ “ستالين صديق الشعب الصيني” المكتوب في 20 كانون أول 1939، انظر، ماوتسي تونغ “مؤلفات ماوتسي تونغ المختارة” المجلد الثاني، دار النشر باللغات الأجنبية بكين 1969 (ص465 ـ 467).
(7) انظر، ماوتسي تونغ “أربع مقالات فلسفية” دار النشر باللغات الأجنبية بكين 1968.
(8) انظر، ماوتسي تونغ “أربع مقالات فلسفية” المصدر السابق، خصوصاً البحث حول “في التناقض” (ص25 ـ 80).
(9) أقصد هنا، سلامة كيلة “حول الإيديولوجيا والتنظيم” منشورات الوعي(3)، (د.ت).
(10) فريدريك إنجلز “حرب الفلاحين في ألمانيا” تعريب محمد أبو خضور دار دمشق/ دمشق (د.ت) (ص23).
(11) انظر، لينين “ما العمل؟” دار التقدم/ موسكو 1968 (ص29 ـ 36).
(12) انظر، ستالين “المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية” منشورات دار الفارابي (بيروت) 1955.
(13) انظر، لينين “المادية والمذهب النقدي التجريبي” سبق ذكره (ص147 ـ 154).

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت