الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاسن ونعمة وبثينة

مدحت قلادة

2007 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تربيت وسط أسرة مسلمة من جيراننا، وكنا كعائلة واحدة، فالحاجة أم محمد رحمها الله تسكن في الشقة أمامنا، نتقاسم سويا الافراح والأحزان والطعام والشراب وكانت لي ولإخوتي بمثابة أم ثانية.
أما بناتها: محاسن ونعمة وبثينة، وبالمناسبة هن محجبات فكن في منزلة الاخوات اللاتي لم تلدهن أمي، وعندما سافرت إلي الخارج قبل ١٤ عامًا وكنت أعود كل عام أكثر من مرة لزيارة أمي الغالية ورؤية أمي الثانية أم محمد والأهل والأصدقاء، فلا يكاد التاكسي يتوقف أمام المنزل إلا وأجد امرأتين تجريان نحوي وتحتضنانني واحدة تلو الأخري لتقبلاني في وسط الشارع أمام كل الناس وهما محاسن ونعمة، رحمها الله، ابنتا أم محمد، ولم لا فإن الأخوة نوعان نوع بالدم «من خلال الأب الأم» وبالعشرة ويكون في أحيان كثيرة أعمق لأنه عن اختبار واختيار.
ويومًا ما وأثناء إحدي زياراتي وجدت والدتي التي قاربت الثمانين من عمرها تتصل بي وتخبرني بوفاة محاسن رحمها الله في حادثة سيارة وكانت ذاهبة مع ابنتها مني في العقد الثالث، إلي الإسماعيلية لقضاء يوم علي البحر، فبكيت وحزنت واتصلت بابنها هاني وهو محاسب كبير في أحد الأجهزة الرقابية، ووسط الحزن والألم قال لي بأدب شديد ومحبة كبيرة «يا أستاذ مدحت أنا عمري ما هانسي إنك أستاذي وفضلك علي كثير وما وصلت إليه الآن بعد سهرك وتعبك معي في شرح مادة المحاسبة» كانت لفتة جميلة أنهيت المكالمة بعد تعزيته مرددًا الله يرحمك يا محاسن ويلهم هاني وإخوته الصبر والسلوان.
وكانت منى أخت هاني شابة في العقد الثالث من عمرها، وكعادة أمي تعامل الجميع بالحب وزادت منه لمنى خاصة بعد وفاة أمها محاسن، وحينما سافرت إلي مصر منذ ثلاث سنوات لم أجد منى تزور أمي كما كان سابقًا فسألت عن السبب في ذلك فإذا بأمي تتردد كثيرًا في الرد وأخيرًا وبعد إلحاح قالت لي إن منى كانت هنا ذات يوم وقالت لي أنتم كفرة مشركون ومصيركم النار، فما كان من أمي البسيطة إلا أن ردت عليها: شكرًا لك،.ومن يومها لم تحضر لزيارتها، وأنا من يومها أتساءل: أي نوع من اللبن رضعته وترعرعت عليه مني لينتج كل هذه الكراهية؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ ومن يحاسب الذين زرعوا الانقسام داخل المجتمع المصري؟ ولماذا كل الجيل الجديد يحمل داخله أفكارًا تكفيرية للآخر؟
تري هل حليب الكراهية من إنتاجنا أم من إنتاج الدخلاء علي مصر؟ ومن المسؤول عن السماح له بالتغلغل داخلنا؟
لماذا جيل الكراهية لم يظهر إلا منذ ٣٠ سنة فقط، وإن كانت جذوره قد بدأت قبل ٥٥ عامًا منذ انقلاب يوليو؟
وأخيرًا من المسؤول هل نحن مسؤولون؟ الرئيس أم رئيس الوزراء أم وزير التربية والتعليم أم وزير الإعلام أم المثقفون أم الليبراليون... إلخ؟
كراهية الآخر ازدادت في الآونة الأخيرة وأصبحت تهدد أمن المجتمع، ولابد من نشر ثقافة التسامح والحب الذي فقدناه منذ انقلاب يوليو، وأمام عيني وفي عقلي صورة واضحة وضوح الشمس تتكرر دائمًا منذ هذا الانقلاب، وهي حينما يقف المسؤول - من رئيس الوزراء إلي أقل رتبة- لشرح أي إنجاز يقول بالفم المليان «طبقًا لتعليمات السيد الرئيس»، وبما أن الرئيس- أي رئيس- هو الحاكم والقائد والملهم الوحيد، إذن هو المسؤول بالطبع عن قيم محاسن رحمها الله، ونعمة وبثينة، وأيضًا مني التي كفرتنا واتهمتنا بالكفر والإلحاد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقوى تعليقات على كابلز وفيديو كليبات مع بدر صالح ????


.. خوارزميات الخداع | #وثائقيات_سكاي




.. من هي وحدة عزيز في حزب الله التي اغتالت إسرائيل قائدها؟


.. رئيس التيار الوطني الحر في لبنان: إسرائيل عاجزة عن دخول حرب




.. مراسلتنا: مقتل قائد -وحدة عزيز- في حزب الله باستهداف سيارته