الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعديل الدستور: نحو حكومات تحكم وتحاسَب

عبد الإله بوحمالة

2007 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو لي أنه إذا كان هناك من داع، في الوقت الحاضر، لتعديل الدستور ـ ولا شك أن هناك دائما ما يدعو لذلك، مادمنا ننشد الأحسن والأنجع والأوضح، وما دامت النصوص والقوانين، كما هو معلوم، إذا لم تراجع وتحين وتأخذ من الزمن بمقتضياته، تبلى وتتجمد وتصبح عائقا في وجه أي تغيير أو تطور ـ أقول أنه إذا كان هناك من حاجة ماسة تفرض التعديل والمراجعة فيجب أن تكون أولا وقبل كل شيء الأشياء التي يطلبها المجتمع قبل النخب، ممثلة في فتح المجال على مصراعيه أمام ديمقراطية المراقبة والمحاسبة وتحديد المسؤوليات بصرامة ووضوح، لأن الواقع لم يعد يحتمل توالي حكومات تعلق فشلها في آخر كل مطاف على شماعات تقدمها لها فوق طبق من ذهب إما مؤسسات شاسعة النفوذ أو مرافق هلامية الصلاحيات والاختصاصات أو نصوص غامضة الصياغة وفضفاضة في الدستور.
كما أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يرزح تحته المغرب حاليا بات يقتضي ممن ستناط به مسؤولية الحكومة أن يشتغل أولا في ظل الشروط الموجودة التي وافق بملء إرادته على الانخراط فيها، وأن يتحمل مسؤولية هذه الموافقة المبدئية ويعمل بكامل طاقته ضمن ما هو متوفر من إمكانيات وأرضيات، سواء كانت دستورية أو اقتصادية أو إكراهات أخرى داخلية وخارجية. فالحكومة التي تنسب مبررات القصور في أدائها إلى فصل أو فصلين في الدستور (على أهميتهما)، لا يمكنها بحال أن تكون حكومة سياسية بعقلية سياسية ولو كانت مشكلة من حزبيين، إنها بتوصيف أحد المحللين "حكومة موظفين" بيروقراطيين يشتغلون باللوائح والتعليمات وينفذون بالحرف أجندات لا يتحملون فيها مسؤولية النتائج، خاصة متى ما كانت سلبية، ثم يقبضون رواتب آخر كل شهر ككل الموظفين الآخرين.
إن المغرب واحد من البلدان العالمثالثية التي تدمن فيها النخب السياسية سؤال التعديل الدستوري بشكل سياسي، وبالتالي فإن الأحزاب، كجزء من هذه النخب، دأبت على توظيف هذا السؤال في سياق صراعها على السلطة منذ أن كان الصراع يأخذ طابع معارضة للنظام بما تعنيه هذه الكلمة من مناوءة للمؤسسة الملكية واستمرت إلى الوقت الحالي حيث تقلصت هذه المعارضة وانكمشت داخل إطار ضيق، أو لنقل براغماتي، استثنيت من أهدافه الملكية وأبعدت عن أي طعن أو نقاش.
ولعل هذا التلازم الموروث يرجع إلى اللحظات الأولى المؤسسة للدستور والتي اتسمت حسب الأحزاب السياسية بانفراد المؤسسة الملكية دونا عن باقي المؤسسات الأخرى بوضع الدستور أولا ثم بأخذ قرارات تعديلاته وتوقيتاتها لاحقا. وهذا معناه أن الأحزاب تشتغل على هذا السؤال من منطلق أن الدستور الذي ولد "ممنوحا" لا يزال ممنوحا إلى الآن رغم مرور الزمن ورغم أنها تشتغل في ظل أحكامه ومقتضياته، ليس لأنه لم يكن ثمرة مجلس تأسيسي فحسب ولكن أيضا لأنه يحقق، من منظورها، ضمانات للجهة المانحة أكثر بكثير منها لباقي المؤسسات الأخرى.
إنه ليس عاديا أن يكون في الدستور، النص الذي يجب أن يحظى باتفاق ديمقراطي في المجتمع وأن تتعاقد بشأنه النخب السياسية، ما يشكل موضع مؤاخذة أو تحفظ أو رفض لجهة من الجهات ثم لا يعدل وتظل بذلك لحظة التأسيس بنوعية النقاش والخلاف الذي دار فيها قائمة ومفتوحة وتولد أسئلتها في ظل الدستور وفي ظل اشتغال المؤسسات اشتغالا متعثرا، فالدستور لا ينبغي أن يملك قداسة ولا حرمة في حد ذاته وإنما قداسته نابعة مما حاز من إجماع وتوافق واحترام بين شرائح الشعب وفئاته، ولا وجود لدستور بشري يمكنه أن يحافظ على الإجماع والتوافق باستمرار ما لم يكن مطلب تعديله ممكنا وسهلا ومرنا عند كل اقتضاء.
وقد لا نضيف جديدا ونحن نؤكد أن الدساتير تملكها أولا وأخيرا الشعوب، لكن الدستور الذي يطلق يد مؤسسة أو يكبل يد مؤسسة أخرى أو يفضل فئة عن فئة ويميز طبقة عن أخرى أو يخدم مصلحة البعض دون البعض الآخر في المجتمع دستور منقوص ينص على الميز ويكرس الفرقة ويقنن التفاوت والظلم، وكل دستور قدس أو جمد أو وضع في منأى عن حركة الزمن والفكر والتطور سيطاله النقصان وسيتحول إلى وثن يضر الكثير ولا ينفع إلا الأقلية.
لكن من جانب آخر يجدر بنا أن نطرح سؤالا نغمز به من جانب من تعاقبوا على كراسي الحكومات، قبل أن نختم: هل حقا إن قطار المغرب الديمقراطي والتنموي متوقف حاليا بل متوقف من زمان بسبب، ( وفقط بسبب )، أن الدستور المغربي يمركز السلطة بيد الملك ولا يعطي صلاحيات أوسع وأوضح للحكومة والوزراء وعلى رأسهم الوزير الأول؟..
هذا هو السؤال
أما الجواب فإذا كان يحتمل شبهة التأكيد ب"نعم" فإن ذلك يعني أن الحل ببساطة هو ضرورة إحداث التوازن المطلوب في الدستور أولا وعلى أرض الواقع ثانيا وبالتالي تجريد الحكومات المقبلة من آخر "حيطان المبكى" أمامها، فالمستقبل ينبغي أن يكون لمن يتحمل مسؤولية عمله كاملة أمام الشعب، ولمن لا يرمي اللوم على الآخرين وعلى الأسباب والتعلات والمبررات، فإن صلح وأصلح فبها ونعمت وإن أساء فليحاسب وليرحل وليأت غيره.. لنتقدم إلى الأمام.
أليس هذا هو المدخل الحقيقي إلى ما يسمى بالتداول السياسي.. أليست هذه هي الديمقراطية حينما تكون أمرا جديا ومعقولا وليس لعبة فجة مبنية على التواطؤ.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة